شعار قسم مدونات

في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

Blogs- يونسف

تحل الذكرى السنوية لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10 دجنبر من كل سنة وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان كوثيقة دولية رسمية تضم حقوق الإنسان الأساسية التي يتوجب على المنتظم الدولي حمايتها، وفي كل ذكرى يعود سؤال حقوق الإنسان إلى الواجهة؟ 

   

صدر الإعلان في ظرفية تاريخية صعبة عقب وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، كحرب مدمرة كان لها وقع كبير على الإنسانية، وكان الإعلان بمثابة تعهد من العالم ألا تتكرر هذه المأساة مرة ثانية، وشكل من ثمة وثيقة تاريخية في مجال حقوق الإنسان. لكن حقوق الإنسان ظلت جدلية مطروحة على المستوى الدولي وهذه الجدلية ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا، بحيث ظلت قضايا حقوق الإنسان تثير العديد من النقاشات والتساؤلات والإشكاليات التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد، وهي أحد الملفات الكبرى المطروحة على صعيد هيئة الأمم المتحدة، وقد يبدو الأمر طبيعيا مادام التقعيد النظري لحقوق وحريات الإنسان في تطور مستمر، وما دام أن الكثير من المجتمعات عبر العالم تفتقد إلى الحقوق والحريات الأساسية، مما تكون معه نقاشات حقوق الإنسان مستمرة ومواكبة للتحولات والمتغيرات التي يشهدها العالم.

  
لكن وبالنظر إلى التراكم الذي راكمه المنتظم الدولي منذ صدور الإعلان، يدفع للتساؤل حول حقيقة تطور حقوق الإنسان في العالم؟ فمنذ اعتماد الإعلان وقبله ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد هو الآخر على الحقوق الأساسية للإنسان، تم إصدار العديد من الوثائق الدولية من اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات تهم مختلف الحقوق والحريات الأساسية، والالتزامات الدولية للدول في ضمان هذه الحقوق وحمايتها، وشملت هذه الوثائق مختلف المواضيع والفئات وفي مختلف الظروف سواء خلال الأحوال العادية أو خلال النزاعات، حتى تَكوّن على مستوى النظام الدولي قانون دولي لحقوق الإنسان، وأضحى فرعا أساسيا من فروع القانون الدولي العام. كل هذه الإنجازات تفترض أن تترتب عنها نتائج إيجابية على وضعية ومسار حقوق الإنسان في العالم، لكن نظرة فاحصة وقراءة للوضعية الحقوقية على المستوى الدولي، تؤكد عكس ذلك، فالعالم يشهد خروقات وانتهاكات خطيرة وصارخة لحقوق الإنسان، وتزداد هذه الانتهاكات أكثر في المناطق التي تعرف نزاعات وقلاقل.

 

مسار حقوق الإنسان ما يزال طويلا، وطريق شاق تحتاج الإنسانية أن تعبرها لتصل ليس إلى الكمال وإنما فقط إلى مرفأ آمن للعيش بسلام وكرامة
مسار حقوق الإنسان ما يزال طويلا، وطريق شاق تحتاج الإنسانية أن تعبرها لتصل ليس إلى الكمال وإنما فقط إلى مرفأ آمن للعيش بسلام وكرامة
 

وإذا ما تم النظر إلى الأمر من وجهة قانونية، ففي مقابل الحماية القانونية الدولية لحقوق الإنسان بمقتضى القانون الدولي، الذي نص على الالتزامات الدولية للدول في مجال حقوق الإنسان، بما يفرضه ذلك من التزام قانوني على عاتق الملتزمين من الدول التي تختار التفاعل مع النظام القانوني الدولي، بضرورة حماية حقوق الإنسان، وضمان ممارستها وكفالتها، فإن الممارسة الدولية تثبت تنصل الدول من التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، هذا دون الحديث عن الدول التي لم تنخرط أصلا في المنظومة القانونية الدولية لحقوق الإنسان، ورفضها التعامل مع هذه المنظومة واعتبارها مرجعية غير مقبولة بالنسبة لها، من منطلقات مختلفة الكثير منها واهية، وحتى بالنسبة لبعض الدول التي تتفاعل مع النظام القانوني الدولي، فهي تلجأ إلى تقنية التحفظ التي يُتيحها القانون الدولي بمقتضى اتفاقية فيينا للمعاهدات، حتى أضحت هذه الدول تخرق حقوق الإنسان بمقتضى القانون الدولي ذاته.

 

وهي المسألة التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها، مادام أن الهدف الذي وُضعت من أجله تقنية التحفظ بداية قد تم تجاوزه حاليا، وهو الهدف المتمثل في رغبة انضمام وانخراط أكبر عدد ممكن من دول العالم في المنظومة الحقوقية الدولية، حيث تسمح هذه التقنية بالسماح للدول بالتحفظ على المقتضيات والمواضيع التي لا تقبلها، والتي لا تسري في مواجهتها عند قبول التحفظ وسريانه قانونا، وفي المقابل تصبح باقي المقتضيات غير المتحفظ عليها نافذة في حق الدول التي تقبلها وتصادق عليها، وهذا التجاوز يثبته الانخراط الواسع الذي تحظى به المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في الوقت الحاضر، مع بعض الاستثناءات.

 
لكن الأمر لا يتوقف عند هذه الحدود، بل إنه حتى بالنسبة للدول التي تقبل المنظومة الحقوقية الدولية لحقوق الإنسان بدون تحفظ، وتدمجها في نظامها القانوني، ما تزال الكثير من هذه الدول على مستوى الممارسة تشهد هي الأخرى انتهاكات وخروقات للحقوق والحريات الأساسية للإنسان المكرسة بموجب القانون الدولي، والأمر لا يقتصر على الدول المصنفة ضمن دول العالم الثالث أو الدول المتخلفة، بل إن الخرق والانتهاك يمتد حتى للدول التي تُصنَف في خانة الدول المتقدمة، ولو بدرجات متفاوتة، هذه الوضعية تطرح معه سؤال فعالية القواعد والآليات الدولية لحقوق الإنسان على المستوى التطبيقي.

       

وإذا ما كانت هذه الآليات غير مؤثرة في الحماية الفعلية لحقوق الإنسان، مادام أن الدول تناقض التزاماتها الدولية، الأمر الذي يضع المنظومة الحقوقية الدولية ككل على المحك، ويعيد بالتالي عقارب الساعة إلى الوراء لمناقشة لإصدار إعلان عالمي جديد يفتح صفحة جديدة لتعامل العالم مع حقوق الإنسان، ليظل المنتظم الدولي يدور في نفس الدائرة دون تحقيق أي تقدم يسمو بوضعية حقوق الإنسان.

     
إن هذه النتيجة قد لا تكون واقعية وموضوعية، لكن تعبر عن الوضعية الحقوقية التي يعيشها العالم في القرن الواحد والعشرين، من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، تكاد تكون حالة عامة تعرفها سائر البلدان، وهي ما يترب عنه القول إن  مسار حقوق الإنسان ما يزال طويلا، وطريق شاق تحتاج الإنسانية أن تعبرها لتصل ليس إلى الكمال وإنما فقط إلى مرفأ آمن للعيش بسلام وكرامة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.