شعار قسم مدونات

بطولات في معركة القدس!

bllogs القدسA general view of Jerusalem's old city shows the Dome of the Rock in the compound known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount, October 25, 2015. Palestinian officials reacted warily on Sunday to what U.S. Secretary of State John Kerry hailed as Jordan's "excellent suggestion" to calm Israeli-Palestinian violence by putting a sensitive Jerusalem holy site under constant video monitoring. REUTERS/Amir Cohen

بعد اجتماع مغلق بين جورج بوش وتوني بلير، خرج الاثنان لعقد مؤتمر صحفي قال فيه بوش: "قررنا قتل مليون مسلم وطبيب أسنان" وعلى الفور تعالت أصوات الصحفيين: "من هو طبيب الأسنان يا سيادة الرئيس؟". عندها همس بوش في إذن بلير قائلاً: "ألم أقل لك أن لا أحد سيهتم بقتل مليون مسلم". نكتة قديمة ولكنها ذات مغزى.

فقد فعل ترمب ما فعل وهو يعلم كل ما سينتج عن قراره ولكنه لا يبالي فقد توسد فراشه ونام ملء جفونه غير مكترث بمليار مسلم يعلم جيدًا بأنهم سيعترضون على قراره. ترمب لا يُخفي كُرهه للعرب والمسلمين ويعلم جيدًا شعورهم نحوه إلا أنه يتلذذ بكل فعل يؤدي إلى إهانتهم وإذلالهم، وبشكل متعمد. ولكن حاشاه ترمب "ما قصَّر".. الرجل كان واضحًا وصريحًا فقد رفع السماعة وأبلغ السيسي وسلمان وعبد الله وعباس بقراره، طبعًا أخبرهم من قبيل العلم وليس الاستئذان.. هذا هـو ترمب الذي نعرفه ودوره انتهى هنا.. ولكن ماذا عن أولئك الذين أخطرهم ترمب بقراره؟

"دَعُوا القطعان تُنفِّس عن غضبها لأيام ثم لكم الصوت والصورة والأثير من جديد"… كانت تلك تعليمات "المستر بريزيدينت" لصبيانه ممن يقودون العرب.. ستُحرق عشرات الأعلام الأمريكية والإسرائيلية وصور ترمب ونتنياهو في عدة بقاع من العالم.. سيصدر ألف قرار شجب وتنديد وستعقد الاجتماعات الطارئة.. سيخرج أبناء الأرض ويصطدمون مع قوات الاحتلال ويموت منهم العشرات ويجرح المئات كما يحدث كل مرة.. ستنعقد الجامعة العربية وتطلق مهرجانات خطابية حماسية يتخللها شخير قادتها في مقاعدهم الوثيرة.. ولكن بعدها سيعود كل شيء إلى ما كان وتهدأ العاصفة كما يتأمل هؤلاء..

لا تتوقعوا الكرامة من مجرد غرائز حيوانية محشوة في ثياب بشرية.. لا تهمهم سوى عروشهم وكروشهم.. قادة منهمكين بين التطبيع والتطويع.. يتباكون على القدس ويتمسحون تقربًا لإيفنكا وأمها

ولكن المهم هو أن مجلس الأمن القومي الأميركي سوف لن يعقد جلسة طارئة تحسبًا لإرسال مصر أسرابًا من قوات "الجمبري" لتأديب ترمب ولاسترداد القدس، فترمب يعلم بأن "خير أجناد الأرض" منهمكين في مشاريعهم الاستثمارية.. ولن يهجم "مغاوير" الأردن لاسترداد القدس فهم منهمكين بحراسة السفارة الإسرائيلية في عمان.. أما بشار ونصر الله وما بينهما فسيمارسون أقصى درجات ضبط النفس ويصبون جام غضبهم على أطفال الغوطة الشرقية "الإرهابيين"….

ستعود طائرات السيسي وبن زايد لتقصف درنة وبنغازي.. وستعود طائرات التحالف العربي لتقصف صنعاء وعمران.. أما "الوصي الرسمي" للأماكن المقدسة في القدس فبعد أن هنأ شعبه بتغريدة على تفاعلهم ورفضهم لقرار ترمب سيعود ليتجول هو وزوجته في ردهات البيت الأبيض ولالتقاط الصور مع شيوخ الكونجرس اليهود واستعراض لغته الإنجليزية في خطابات التوسل والتسول.. وسيعود الفتحاويون لمقاطعة حماس ولي ذراعها وستعود مدافع نصرالله وروحاني إلى تمزيق الشعب السوري..

ولكن لن يتجرأ أحد من هؤلاء "الفرسان" على قطع علاقاته مع إسرائيل احتجاجًا.. ولن يتجرأ "أســدٌ" واحدٌ منهم على وقف ضخ النفط استياءً.. ولن يستدع أحد منهم سفير أمريكا أو إسرائيل ليعبر عن رفضه لذلك القرار.. بل أن البحرين بادرت وأرسلت وفدًا لزيارة القدس لإبداء حب السلام والتسامح والتعايش.

لا تتوقعوا الكرامة من مجرد غرائز حيوانية محشوة في ثياب بشرية.. لا تهمهم سوى عروشهم وكروشهم.. قادة منهمكين بين التطبيع والتطويع.. يتباكون على القدس ويتمسحون تقربًا لإيفنكا وأمها.. يحاصرون غزة واليمن ويجودون على لوحات دافنشي.. لا تتوقعوا الكرامة من لصوص لا زالوا غارقين في سباتهم.. يحلمون بـ "صفقة القرن" لتفتيت الشعب الفلسطيني وإعادة رسم خريطة المنطقة وكأنها رقعة شطرنج.. لا تتوقعوا أكثر من ذلك فتلك هي أقصى بطولاتهم !

ولكن يا قدسنا..يا جدتنا الكبيرة لا يحزنك كيدهم.. يا جدتنا الحكيمة لا تقلقي ولا تنزعجي فما قام به ترمب لم يصنع شيئًا جديدًا بل كشف عن واقع مرير.. فالأمر بالنسبة لك لم ولن يتغير.. بل ستتكسر النصال على النصال.. فلا تنتظري خلاصك من الانقلابيين وسارقي العروش.. ولا تغرنك جيوشهم الجرارة.. فهؤلاء متخصصين في إذلال شعوبهم، فلن يحررك "قلقهم" ولن ينصرك "انزعاجهم" وباقي تصريحاتهم المعلبة..

ستنبت أرض فلسطين خلاصها كما ينبت زيتونها.. وستمطر سماء الإسراء رحمة بعبق الأنبياء.. وستهزم خذلان العرب قبل أن تهزم ظلم الاحتلال
ستنبت أرض فلسطين خلاصها كما ينبت زيتونها.. وستمطر سماء الإسراء رحمة بعبق الأنبياء.. وستهزم خذلان العرب قبل أن تهزم ظلم الاحتلال
 

لا تنتظري خلاصك من عمائم "ولاية الفقيه" بين طهران ولبنان.. ولا تنتظري خلاصك من شيوخ البلاط الذين لم يتجرأ أحد منهم أن يذكرك ـ ولو مجاملة ـ في خطب الجمعة.. ولا تنتظري خلاصك من متسولين لا يولون وجوههم سوى شطر البيت الأبيض أو الكرملين.. لا تنتظري خلاصك من خردة العسكر التي انقَضَّتْ على دماء أبنائها في مصر وليبيا وسوريا واليمن ولم تطلق رصاصة واحدة باسم القدس.. فهؤلاء كسابقيهم نمور مجوفة في بزز عسكرية.. 

أما نحن العرب وأشباه المسلمين فسنظل جوقة سرابية وأسودًا إلكترونية تزمجر على الفيسبوك وتويتر.. وسيظل قادتنا مطربين مطبلين يتغنون بفلسطين ليتربحوا بقضية شعبها وترابها وقدسها وأقصاها وباقي بكائيات "اللبن المسكوب". 

فلا تنتظري خلاصك من كل هؤلاء بل اغسلي يديك من رجزهم سبع مرات، إحداهن بالتراب.. أما خلاصك فسيجلبه أحفاد القسام وأحمد ياسين والرنتيسي.. خلاصك ستنجبه الحرائر الشريفات في غزة والضفة وقلقيلية وطولكرم ويافا وحيفا.. خلاصك ستنجبه الشريفات في القدس والخليل وعكا.. سينجبن نصرًا يعانق المآذن وعزًا يمسح الحزن عن الدير والمساجد. 

وختامًا، فستنبت أرض فلسطين خلاصها كما ينبت زيتونها.. وستمطر سماء الإسراء رحمة بعبق الأنبياء.. وستهزم خذلان العرب قبل أن تهزم ظلم الاحتلال.. فليفعل ترمب ونتنياهو ما بدا لهما وليحشدا ما شاءا من الفيلة والمجانيق، وليستمر قادة العرب في تملقهم ونفاقهم بين الحج إلى واشنطن والتباكي على القدس، فلهم نقول "هُراؤُكُمْ عبثٌ لا نُعوِل عليه.. افعلوا ما شِئتم، فلِلأَقْصَى ربٌ يَحميـــه".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.