شعار قسم مدونات

جندُ الصهاينة الجدد

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu speaks at the 2nd International Conference on Digital Diplomacy, in Jerusalem December 7, 2017. REUTERS/Ronen Zvulun

كيف تجرأ دونالد ترمب على هذا القرار المشؤوم الذي لم يتجرأ رئيس أمريكي عليه من قبل، هل هي شجاعة منه أم طيش وتهور؟ لا هذا ولا ذلك، إنه الوقت المناسب لطرح قرار كهذا القرار والذي كانوا جميع الرؤساء السابقين ينتظرونه على أحر من الجمر، لقد تمكن المحتل أخيراً من التغلغل إلى المعرفة والفكر العربي، فقد تمكن منذ سنوات طوال من احتلال الأرض بمكانها وزمانها، فمنذ منتصف القرن الماضي وفلسطين تحت وطأة الاحتلال الصهيوني المدجج بكل الأسلحة المتطورة والمدعومة من الدول العظمى ولكنه عجز على أن يجعل القدس عاصمةً له.

 
لقد استطاع المحتل الصهيوني سلب الأرض الفلسطينية "المكان والزمان" ولكنه عجز بشكل كامل عن إخراج فلسطين من ذاكرتنا وأفكارنا ومعتقداتنا، لقد تمكن احتلال الأرض وعجز بشكل مخزي عن احتلال الفكر أو المساس بمعتقداته أو تلويثها. يصف ميشيل فوكو علاقة السلطة بالمعرفة فيقول: "أصبحت المعرفة في خدمة السلطة فالمعرفة تمهد الطريق للسلطة والسلطة تفرض علاقة القوة، وبواسطة المعرفة تعزز السلطة الواقع وتسخر الطبيعة لصالحها".

  
لذا فإن السلطة الصهيونية تصبح سلطة غير مكتملة بلا المعرفة التي هي السلطة الحقيقة في هذا العصر تحديداً، لذا فإن المتصهينون العرب هم الجند الجدد للكيان المحتل، فهم الجناح المعرفي الفكري للسلطة المحتلة فلا يقل دورهم عن دور ذلك الجندي المحتل المدجج بكل أنواع الأسلحة المصوبة إلى صدور المسلمين العزّل.

  
ولهذا بدأ الصهاينة ينتقلون إلى ما بعد المكان والزمان إلى الفكر ولأنهم يعلمون أن لا سلطة لديهم على الشعوب العربية فكرياً ولا يمكنهم بأنفسهم أن يصلوا إلى العقل العربي إلا عبر قنوات عربية، لذلك ظهر المتصهينون العرب، وهم ذو سلطة معرفية في مجتمعهم كونهم مثقفون شُرعت لهم أبواب وسائل الإعلام بشتى مجالاتها فهم يمارسون سلطتهم تلك لتطويعها لاستكمال الاحتلال الصهيوني من ناحية فكرية. إن زرع فكرة خبيثة واحدة تكفي لنسف قضية برمتها، فهي تتكاثر من تلقاء نفسها فيتبناها كتاب ومفكرين متصهينون عمداً أو جهلاً يقومون على بثها في كل عقول المجتمع وخصوصاً في مجتمعات كمجتمعاتنا العربية، مجتمعات متخلفة يمكن زرع الأفكار بها بأقل جهد، فيكفي بأن تُعطيها طابعا دينيا من قبل بعض العلماء لترتدي رداء القداسة، أو أن تعطيها طابعاً ثقافياً نخبوياً عبر مثقف متصهين لترتدي رداءً الثقافة. إن الأفكار التي تغادر لا تعود بسهولة، لأنها حين تغادر تحتل أفكارا بديلة بمكانها، فلا يبقى لها أرضاً لتعود إليه وفي حال عودتها فإنها تتصادم بالأفكار البديلة.

 

undefined   

لقد مهد المتصهينون العرب الطريق للسلطة المحتلة، فقبل إعلان ترمب المشؤوم سبق ذلك تمهيداً معرفياً فكرياً من قبلهم، فقد عملوا على ترحيل القضية الفلسطينية واحلال قضايا كثيرة متعددة لا حلول لها في الوقت الراهن في مكانها، ثم زرعوا أفكار التطبيع مع الكيان المحتل، ونثروا فكرة إنهاء الصراع وروجوا لفكرة الاستسلام للعدو القوي وبأنه لا جدوى من هذا الصراع …إلخ. إن فكرة كفكرة التطبيع مع إسرائيل لم تكن في السابق فكرة تٌقبل أن تكون مادة للنقاش بأي شكل من الأشكال، أما اليوم فهي الموضوع الأكثر تداولاً في المجتمعات العربية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، إن السلطة الصهيونية باتت أقوى من قبل بأضعاف المرات حين جندت المعرفة العربية لصالحها، وبفضل تلك القوة أتى هذا الإعلان وليس كما يصف البعض بأن هذا الإعلان أتى بحكم القوة العسكرية، لأن القوة العسكرية في الأصل كانت موجودة منذ سنوات ولم يأت هذا الإعلان إلا الآن تحديداً، لأنه الوقت المناسب. 
 
إن القوة العسكرية وحدها لم تكن كافية لإعلان القدس عاصمة إسرائيلية فلولا الخدمات الفكرية والمعرفية التي قدمها المتصهينون العرب للمحتل الصهيوني لما أتى هذا الإعلان، إن خطر المتصهينون العرب يمثل خطراً يفوق خطر الاحتلال العسكري، لذا فإن تعريتهم ومحاربة أفكارهم هي العتبة الأولى للتحرر من الكيان الصهيوني المحتل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.