شعار قسم مدونات

القدس والطير الأبابيل ورص الصفوف

blogs القدس

صدق الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" وعده، وأعلن يوم الأربعاء ال 6 من ديسمبر، رسميا، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، باعتبارها العاصمة الجديدة لدولة إسرائيل. القرار خلف ردود فعل واسعة في العالم، وعبرت عدة بلدان أوروبية عن قلقها مطالبة بفتح الحوار الإسرائيلي الفلسطيني، في حين استنكرت الدول العربية هذا الأمر ب"احتشام" بالغ، فيما كشفت الصحافة الصهيونية أن بعضها _البلدان العربية_ كان راعيا للخطوة منذ البداية!

أما الشعوب؛ الفارسية والعربية والكردية والتركية والأمازيغية والباكستانية… المسلمة خاصة، وعدد من المسيحيين واليهود، ممن تعنيهم القضية من قريب أو بعيد، ويؤمنون بحق الشعب الفلسطيني المضطهد في التحرر من الاحتلال، استنكرت الحماقة الأمريكية، وخرجت تحتج وتطالب بالتراجع عن القرار، لكن في كنف هذا الرفض، هناك أصناف من الناس المسلمين ينتظرون "ريحا صرصرا عاتية" تخرج الصهاينة من القدس في ليلة ونهار! وهناك من يدعو الله لإنقاذ الأقصى، ويخيل إليه أن "طيرا أبابيل" سترمي ترمب بحجارة من سجيل. ناسين أن الله لا ينصر "النائمين"، ولا يخسف الأرض بمن عمل جاهدا متخذا الأسباب لتحقيق نبوءة الإله التوراتي.

أنهت الخطوة الأمريكية مسلسل السلام والمفاوضات، وأكدت أن العدو لا يفهم إلا لغة
أنهت الخطوة الأمريكية مسلسل السلام والمفاوضات، وأكدت أن العدو لا يفهم إلا لغة "الحراب"، كما سبق وعبر عنها الزعيم الراحل لحماس، "عبد العزيز الرنتيسي"
 

مليار ونصف، تعنيهم القضية بشكل مباشر، والملايين غيرهم تعنيهم بشكل غير مباشر، والبعض ما يزال يقد الله قد هواه ويعتقد أنه، سيحرق أمريكا بعدها بيوم، فقط لأنه هو _أي الشخص_ أراد، كأن الله لم يخلق أمريكا! لدرجة أن عددا منهم نشروا على صفحاتهم بموقع التواصل الاجتماعي " فيسبوك"، صورا لحريق، قيل أنه نشب في إحدى ولايات بلاد "العم سام"، معلقا عليه بأنه عقاب رباني. يعتقدون أنهم مركز الكون ويفسرون الوقائع حسب الأهواء، ويقسمونها بين العقاب والابتلاء!

من جانب آخر، أنهت الخطوة الأمريكية مسلسل السلام والمفاوضات، وأكدت أن العدو لا يفهم إلا لغة "الحراب"، كما سبق وعبر عنها الزعيم الراحل لحماس، "عبد العزيز الرنتيسي"، وقد تكون سببا في توحيد المقاومة الفلسطينية؛ الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وحماس… وربما فتح… مع أن ذلك مستبعد، _توحدهم_ على كلمة سواء؛ السلاح هو الحل. لكن الشعوب التي تهمها القضية الفلسطينية، تحتاج لإعادة رص الصفوف ولن تكون الواقعة كافية لذلك، فما زال الخطاب الذي يطلقه الفقهاء والعلماء والمثقفون _في رأيي_ أجوفا، ما دام موجها للعرب والمسلمين، هذا إن اعتبرنا أن توجيهه إليهم، وبتلك الصيغة صحيح!

الزعماء الذين أعطوا مواقف مشرفة مسلمون لكن ليسوا عربا، ومنهم من ليس مسلما ولا عربيا، فقد هدد الرئيس التركي بقطع العلاقات مع أمريكا وإسرائيل قبل تنفيذ الوعد وقطعها فور تنفيذه، وهو مسلم، لكن ليس عربيا، والنائب الأول للرئيس الإيراني قال في تغريدة له على تويتر، أن القرار الأمريكي "سيمنى بهزيمة نكراء"، وهو مسلم، لكن ليس عربيا، وعلى نفس المنوال نسج رئيس الوزراء الماليزي ودعا "للتصدي بقوة" لهذه الخطوة، وهو الآخر مسلم وليس عربيا، أما الرئيس الكوري الشمالي فأكد رفضه الاعتراف بدولة إسرائيل ناهيك عن الاعتراف بعاصمتها، ولا يتقاسم مع الفلسطينيين لا عرقا ولا دينا، وهناك مسيحيون من الداخل الفلسطيني، تعنيهم القضية ويدافعون عنها بوسائل مختلفة، وفي أوروبا يوجد يهود وملاحدة ومسيحيون وغيرهم يرفضون ما يفعله الصهاينة في أرض فلسطين، و"تشومسكي" الأمريكي الملحد، ذو الأصول اليهودية، يرفض ما تقوم به إسرائيل وبلاده معا، في حين أن المسلم العربي، إمام الحرم المكي، "عبد الرحمان السديسي" ، يرى أن بلاد العم سام تقود العالم نحو السلام، كما صرح بذلك في وقت سابق!

تحرير فلسطين من المحتل يقتضي منا أولا نحن سكان العالم الثالث، تحرير بلادنا من الاستبداد الذي كان السبب الرئيسي في تجرأ الرئيس الأمريكي على تنفيذ هذا الأمر

القصد من كلامي، ليس انتقاصا من العرب، فقد انصهرت الأعراق على أرضية الدين، لكن محاولة لتصحيح خطأ، فالكردي "يستفزه" أن يصفه الآخر بالعربي، ليس احتقارا لهذه القومية ولكن افتخارا بأصله، والتكلم بالعربية لا يعني أن القوم عرب، فالعربي الذي نشأ وسط الألمان ويتكلم لغتهم ليس ألمانيا، العرق لا يتغير، ولا أحد اختار منا عرقه وقومه وأهله، وإن الافتخار بهم واجب ديني، لا حمية جاهلية، كما يعتقد البعض، ولمخاطبة قوم لابد من وصفهم بالوصف الصحيح، فلا يوجد عربي واحد يقبل أن يخاطب بوصفه أمازيغيا، حتى ولو كان الكلام الموجه إليه باللغة العربية.

ونفس الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية، حتى وإن كانت تعني العرب تاريخيا، والمسلمين دينيا، فهي تعني اليهود والمسيحيين والأكراد والأمازيغ والأتراك، تعني كل من في قلبه مروءة تأبى الظلم وترفض قتل الإنسان لأخيه الإنسان، وتفرح بتحرر شعوب أقصى مشارق الأرض من الاستعمار، وتحزن لتعرض أناس أقصى مغارب الأرض للاحتلال، كما عبر عن ذلك، ملهم التحرر، وأستاذ حرب العصابات، الأسد الريفي، الأمازيغي، محمد بن عبد الكريم الخطابي.

قلتها في موضع سابق، وسأعيدها هنا، إن حصر القضية الفلسطينية، في دائرة العربية الإسلامية، حصار آخر يفرض عليها، وهذا ليس استنجادا بالغير، بل وصفا للأشياء بمسمياتها، فالقضية تهم كل الإنسانية، تهم كل الأحرار من كل الأعراق والديانات. وتحريرها من المحتل يقتضي منا أولا نحن سكان العالم الثالث؛ الخليج أو الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، تحرير بلادنا من الاستبداد الذي كان السبب الرئيسي في تجرأ الرئيس الأمريكي على تنفيذ هذا الأمر، فلو لم تكن الأنظمة العربية، تقف بجانب البيت الأبيض، لما اتخذ ترمب قراره. "الاستيلاء" على الدار تم ب"موافقة" الجار!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.