شعار قسم مدونات

موريتانيا تحتفل "بعلمين"!

Blogs- موريتانيا
لأول مرة في تاريخ البلد ينقسم الشعب إلى فريقين، أغلبية تتمسك بعلمها الأصيل و ثلة قليلة تحاول فرض علم جديد أتى من رحم استفتاء فرض بالقوة نظيرها في ذلك نظام الحكم بأجهزته و سلطاته. منذ فجر الإستقلال، كانت موريتانيا شامخة بعلمها الأخضر والأصفر، كان علما استثنائيا في العالم، كان مميزا ومحل توافق وطني لكن نظام ولد عبد العزيز أراد قتل الماضي واستيراد مستقبل كتبت ملامحه بحبر "عسكري" حين أجرى استفتاء شعبيا رفضه مجلس الشيوخ بالأغلبية لكنه استمات في إجرائه، فكانت صناديقه خاوية على عروشها ليلجأ إلى التزوير المكشوف حين صوت الموتى والرضع وحشر الناس ضحى لإنجاح المهزلة الدستورية.
 
حاول أزلام النظام تبرير سقطتهم "الدستورية" بحجة أن الشعب هو الذي يقود نفسه بنفسه ضاربين عرض الحائط بمجلس الشيوخ الذي أسقط التعديلات وجردها من أي شرعية، غض الرئيس وزمرته الطرف عن ردة فعل الشيوخ وأحالوا القضية إلى الشعب بزعمهم، لكن الأخير قاطع الإستفتاء وصان ماء وجهه وحفظ صحائف كرامته، ليكون الخيار الأخير، تزوير نتائج الإستفتاء عن طريق محاضر اللجنة "المستقلة للإنتخابات" التي يصدق فيها فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!
  
كان الأمر مدبرا بليل ونسجت خيوطه العناكب "المخابراتية" واستخدمت كل قواها، استعملت الترغيب والترهيب والفصل التعسفي وأجبرت جميع الموظفين على الحضور للمهرجان الختامي الذي أعلن فيه ولد عبد العزيز، إلغاء مجلس الشيوخ الموريتاني حين نطق عقله الباطن وصدقته جوارحه بكل هيستيريا ونرجسية "ألغينا مجلس الشيوخ"، الذي كان غصة تنغص عليه عيشه الرغيد و تستعيض له عن عذب الكرى سهرا.
  

أراد عزيز بتغيير العلم أن يبدأ تاريخا تكون فيه موريتانيا
أراد عزيز بتغيير العلم أن يبدأ تاريخا تكون فيه موريتانيا "عزيزية" خالصة، فطمس كل رمز وطني، طلس الماضي بمكنسة الديكتاتورية وقتل الشهداء برصاص الإستعمار مرة أخرى حين قضى على علمهم
 

فعلا، نجحت عملية التزوير وأعلنت لجنة الإنتخابات نتيجة افتراضية لا علاقة لها بالواقع حتى الفيسبوك الموريتاني "معارض" بامتياز وذلك ما بدا جليا في خطاب للرئيس ولد عبد العزيز في إحدى مهرجاناته الإنتخابية حين وصف المعارضة بأنها موجودة فقط على الفيسبوك واتهمهم بفتح حسابات "وهمية" لتعكير صفو النظام وأضاف متهكما "نفدت صورهم حتى لجؤوا لصور القطط"، في خطاب سوقي يأنف ساكنو الشارع من ترديده.

أصر ولد عبد العزيز على علم ونشيد جديدين لتكون موريتانيا على مفترق طرق، وطني لا يبغي بعلمه ونشيده بديلا وآخرون مردوا على التملق لكل نظام وباعوا أنفسهم في سوق النخاسة "السياسية" يؤيدون استبدال العلم و النشيد لأن عزيز يريد ذلك و لو دخل جحر ضب لدخلوه معه! في هذه السنة تحتفل موريتانيا بعلمين، علم ضارب في عمق التاريخ، غذي ضروع الشهداء وعلم فرضته الجغرافيا السياسية وأكرهت الناس عليه ومن رفعه منهم ف "مكره أخاك لا بطل" ومن أراد رفع العلم الأصلي وسعى له سعيه قوبل بالتنكيل والسحل في دولة الرأي الواحد ونظام أسس على القمع من أول يوم فيه، حين حالفنا حظ عاثر وامتطى الجنرال عزيز صهوة دبابته وأغار بياتا على الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله مبررا ذلك بأنه "حركة تصحيحية" ما فتئتت تكشر عن أنيابها لتهلك الحرث والنسل.

أراد عزيز بهذه الخطوة أن يبدأ تاريخا تكون فيه موريتانيا "عزيزية" خالصة، فطمس كل رمز وطني، طلس الماضي بمكنسة الديكتاتورية وقتل الشهداء برصاص الإستعمار مرة أخرى حين قضى على علمهم، على كل ما تبقى من تراث. يعيش المجتمع الآن حالة "شيزوفرينيا" سياسية، بين من يرنو للماضي بكل تفاصيله، بحلوه ومره من مخاض عسير قبل ميلاد الدولة وبين من يكسع قفا الرموز ليتقرب إلى النظام زلفى أو ليرسي أصله في سفينة العسكر التي لم تترك للديمقراطية حتى طوق نجاة وأبحرت في ساحل من الغطرسة، ظلمات بعضها فوق بعض!

بعد أيام سنحتفل بالإستقلال بحيرة، سنحتفل بصمت فمن رفع علم موريتانيا كان مجرما في نظر قضاء يملك مفاتيح أحكامه، نظام يمنع الطير حتى نزولا، لتنقسم موريتانيا فريقين، فريق في جنة عزيز بتملقه وفريق في سعيره لأنه تمسك بشرعية علمه وتركه خفاقا دون وصاية من أحد،فأي الفريقين أحق بالأمن!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.