شعار قسم مدونات

ابن سلمان بين الذات الملكية والذوات المماليك

Blogs- بن سلمان

انبهر شقٌ من العالم وانصدم شقٌ ثان يوم تعرى الكرم والسخاء السعودي لمصلحة أمريكي يراهن على لجم المسلمين إن لم تكن إبادتهم، وتعرت الدولة من جلبابها الوهمي بأنها حامية الحرمين الشريفين وكل من يتطلع إليهما شوقا لأداء فريضة أو باعتبارهما سنام الإسلام وقداسته وحرمته، يومها سقط هرم هيبة الدولة وهم لا يشعرون -لا المقدسات طبعا- سقوطاً فعلياً شكلاً ومضمونا من قلوب المسلمين التي ودّت لو احتوت مقدساتها بعيداً عن طمع الطامعين وعبث الضالين المستهترين.

             

الأمر لم يعد مجرد مصافحة أو مجاملات غير نزيهة أو لقاءات ودية، بل تجاوزه لاتفاقات مهينة مشبوهة مع الأب الحنون ومن ورائه طفلته المدللة اللعوب ولا يحتاج الأمر لذكاء مفرط كي ندرك سبب ذلك، فمكانة السعودية كانت تقوم على حرمة رمزيتها الدينية وعندما تنازلت عن كبريائها المتشرّع انكفأت وتعثرت بل استبدلت وعلى أعين الملأ الأمة الإسلامية بعدوها ولم تعد تعمل ب: "إذا عصيتم فاستتروا" لأنها على ما يبدو ملّت من لعب دورها المزيف -حامي الحما- وأرادت أن تكون ندّا لمعلمها أو أن تتمعش من تملّقها له، يومها قال الكثيرون صارت السعودية على كف عفريت، ومن العارفين من قال أنها ستعيش مخاضاً عسيراً، والحقيقة أن الأرض تزلزلت من تحت أقدام الأسرة المالكة آنذاك.

                

اليوم نُفاجأُ بمساحة الحرية -المسموح بها طبعاً- تضيق بين أقدام أبنائها وحتى بعض أمرائها بل وربما سلبت تماماً منهم ولنا أن نتساءل لم كشرت الدكتاتورية الملكية عن أنيابها؟ وهل هي ردة فعل لمحاولات لمسّ سيادتها؟ أم هي خطوات استباقية كي لا يحدث المحظور؟ ومن حقنا أيضاً أن نتساءل، وأي محظور يمكن توقعه وذاك الأمريكي صال وجال في الحما ليؤمن السلطة السعودية من غائلة أبنائها؟ وربما إخوانها وجيرانها، تساؤلات كثيرة تدور في خلد الأمة وغيرها خاصة وأن تحركات غير طبيعية أو مشبوهة على الأرجح تدور في عدة دول عربية، ولو صدق الحدس وطفت الفطرة للسطح لقلنا ما يحدث هذه الفترة في تلك الدول عبارة عن هزات ارتدادية لما حدث ويحدث في السعودية، ومن منا لا يتكهن بقوة أو مدى خطورة هذه الهزات سيما إذا امتدت شرقاً وغرباً وأيقظت فتناً أخرى نائمة لا يعلم بها إلا الله؟

         

دفع سلمان بن عبد العزيز ابنه للواجهة بدلاً عن ولي العهد الشرعي، لذلك ما فعله محمد بن سلمان فهو تمهيداً للصعاب وتعبيد طريقه للقصر الملكي لينتصب على العرش
دفع سلمان بن عبد العزيز ابنه للواجهة بدلاً عن ولي العهد الشرعي، لذلك ما فعله محمد بن سلمان فهو تمهيداً للصعاب وتعبيد طريقه للقصر الملكي لينتصب على العرش
 

عندها لن يُفسح المجالُ لنستوعب مخاطر ما اقترفته يد السلطة بالأمس من الاضطهاد وإلغاء الآخر أو بتر كل نزوع للتجديد في مجتمع عاش الكبت بكل أطيافه وبانت فيه -في آن- مظاهر التخمة والفاقة، ومظاهر الترف والحرمان، ومظاهر التدين والانحراف، ومظاهر الخنوع والتمرّد وعم فيه الجهل رغم كل مظاهر التعلم والتحضر في تفاصيل هي أقرب للتفاهات والقشور ولا تتجاوز المسكن والملبس والمأكل ومرافق المدينة، وأما السفر فكان للتحرر من الأعراف والقيود الاجتماعية وهذا ما يجعله جاهزاً للتفاعل مع المتغيرات.

        

على الساحة السياسية الداخلية خاصة وحتى الخارجية وإن عُرّف بالمتطرف أو الإرهابي أو المتحلل من القيم، فهو يرنو لمن حوله تمرّداً أو وعياً أو إثباتاً لحيويته المجمّدة منذ قرون ومطالبة بحقوقه، ولطالما السلطة تطالبه بمزيد من الخنوع وإلغاء الذات فهي التي تحتكر كل الحقوق ولا تمن بزهيدها إلا بمقدار، ولذلك هي تبادر اليوم بطريقة غير معهودة فتسحب البساط من تحت أقدامهم وتُجرّم الداني قبل القاصي لتمرير تلك التحديات التي تواجهها ظناً منها بنجاعة أساليبها في القمع والقضاء على كل من يعترض طريقها وهي تهرول لحماية شخوصها المالكة للبلاد والعباد، إلا أن براقش تجني على نفسها كلما تجاهلت حقيقة إفرازات السياسة العالمية وراعيتها الصديقة من جهة، والمصالح والآفاق العامة لتطلعات شعبها المشروعة في مواكبة ذلك والبناء عليه من جهة أخرى، عندها ستتلقى النتائج والعواقب فقط وينزل عليها وبال أفعالها ولا شيء غيره.

                  

وهنا نتوقف لنتساءل عن سرّ تلك القضمة على الأصابع التي قام بها ابن سلمان والسلطة من ورائه فتقفز أمامنا مشاهد سابقة طالت صميم السلطة أبصرنا الإجحاف فيها، وذلك بدفع سلمان بن عبد العزيز ابنه للواجهة بدلاً عن ولي العهد الشرعي، فلا ننسى استحقاق تلك الخطوة لتمهيد الصعاب وتعبيد طريقه للقصر الملكي لينتصب على العرش فتعطينا مبررات لتلك القضمة أكثر إقناعاً مما يروّج له كالقضاء على الفساد واجتثاث الأيدي التي تموّل الإرهاب وقطع دابر التطرف والمتطرفين وإن كانوا ذوي قربى -مثلما أقنعه أولي أمره من الأصدقاء الأعداء-، وفي نهاية الأمر أجيز لنفسي تخيّل الأثمان الباهظة التي عليه أن يدفعها لتقديم فروض الطاعة لذاك الذي نزل ضيفاً بالأمس، فأُطلقت يده في أوتاد خيمة مضيفه مقابل نيل هذا الأخير الرضا منه وحفظ العرش المصون لنجله. وقديماً سمعنا من جداتنا ما نستعين به على تهدئة روعنا اليوم وغداً "إلي يعيش يشوف ويا خبر بفلوس بكرة يبأى ببلاش". 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.