شعار قسم مدونات

لن أكرر ثيابي

blogs مللابس

أنا فتاة عربية، مصابة بداء الشراء المستمر ل"حاجيات" لا أحتاجها. "وهالعالم كلها متلي". أكثر جملة أكررها يومياً هي "ليس لدي ما أرتديه". أكثر هواية أحبها هي التسوق واكتشاف متاجر ثياب جديدة. يئست من محاولة إيجاد فراغ في خزانتي التي تصيح "ارحميني"!. ألاحق صيحات الموضة وأتابع ما يسمى "بالفاشنيستات" و"المؤثرات" حتى فرغ جيبي لأستيقظ غصباً على حقيقة مؤلمة وهي أنني مبذرة! بالطبع تم "تبهير" ما كتبته أعلاه لإضافة عنصر التشويق، فأنا لم أخسر ما في جيبي بعد والحمد لله فقد استيقظت على هذا الواقع قبل فوات الأوان.

إنه داء شراء الثياب. أو ربما علي أن أسميه وباء متفشٍ في مجتمعنا النسائي. فنحن الفتيات نفتتن بالثياب الجميلة وخصوصاً الجديدة ونهرول لاستنساخ إطلالة شخصيةٍ معروفة. كيف لا وهنّ "مؤثرات".. لقد أثّرن على جيبي فعلاً أما نفسي، فلم يزدنني إلا إحباطاً ويأساً.

أقلب في اليوتيوب فأجد مقابلة لفلانة هنا وحضور لها هناك، وهي تلبس في كل مقابلة ثوباً جديداً وأجمل من ذي قبل وأتابع حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي فأجد الآتي: "لقد جربت هذا المتجر وثيابه رائعة".. "شكراً".. على الثوب الجديد أنا متحمسة لارتدائه".. "بنات عليكن تجريب هذا المتجر للمناسبات". وبعضهن يتفاخرن بتصوير غرف الثياب التي تقتنيها وأخريات يتذمرن: "لديّ ثيابٌ كثيرة، لا أستطيع أن أصف لكم كم هي كثيرة ولا أدري ماذا أفعل!".

كان صعباً علي أن أعترف بوجود مشكلة حقيقية في أسلوب التبضع عندي. لكني أخيراً صارحت نفسي:
كان صعباً علي أن أعترف بوجود مشكلة حقيقية في أسلوب التبضع عندي. لكني أخيراً صارحت نفسي: "لا أستطيع الاستمرار في ذلك! فميزانيتي محدودة وأنا مبذرة!"

أتساءل، هل كررت إحداهن إطلالتها قط؟ أين تذهب بأكوام الثياب هذه؟ كم خزانة تملك؟ تمنيت لو أن واحدة منهن خرجت في مقابلة أو حفل بثياب مكررة وتقول علناً أنها ستساهم في نشر ثقافة إعادة استهلاك الثياب -علماً أن الثياب صنعت لهذا الغرض أصلاً- لكنهن يتسابقن ويتنافسن على شراء الأجدد والأجمل. ونحن المتابعات نستنسخ.

صادفت منذ يومين منشوراً يقول أن المغنية أحلام أعادت ارتداء ثوبها للمرة الثالثة. والتعليق يقول "نقبلها من أي مطربة إلا أنت يا أحلام!"، يا لهذا الهراء! إن تجرأت إحدى المشهورات وشجعت على ثقافة إعادة الاستهلاك تنهال عليها الاتهامات بالبخل أو تقابل بالاستهجان. ما المشكلة أن تعيد ثوبها ثانية وثالثة وعشراً وأكثر؟!

سألت نفسي، كم أنفق من راتبي على ثيابي فوجدت أني أعمل لأشتري ثياباً جديدة.. أقولها بخجل لأني أستحي أن أكون هكذا. لكنه واقعٌ عليّ مواجهته لكي أجد له حلاً. كان صعباً علي أن أعترف بوجود مشكلة حقيقية في أسلوب التبضع عندي. لكني أخيراً صارحت نفسي: "لا أستطيع الاستمرار في ذلك! فميزانيتي محدودة وأنا مبذرة!" وفي هذا الاعتراف وجدت مفتاحاً لحياة أسهل، ومتصالحة أكثر مع الذات وفيها مجال أكبر للابتكار.

كيف؟
قد يكون من الصعب أن نربي أنفسنا على ثقافة إعادة الاستهلاك والتفكير قبل شراء ثياب جديدة لكن إن بدأنا بذلك مع مجموعة سنشجع بعضنا بعضاً

أولاً: بدأت أفكر في طرق جديدة لاستحداث إطلالاتي باستخدام نفس القطع ولكن بإضافة عنصر بسيط لها يجعلها تبدو جديدة.

ثانياً: سألت نفسي، ما هو الشيء الذي سأضحي بشراء ثياب جديدة لأجله فوجدت أنه السفر أو معدات إلكترونية أحلم بالحصول عليها منذ زمن لأطور مهارات التصوير والمونتاج لدي. وهنا بدأت أقنع نفسي أن أدخر بعضاً من المال كي أسافر أكثر وأشتري كاميرا جديدة تفيدني في الفيديوهات التي أصنعها.

ثالثاً: تخصيص سقف معين لمصاريف الثياب وربطه بجدول زمني. فكل شهر أستطيع صرف "هذا" القدر على الثياب لا أكثر. بالتأكيد لا أقصد هنا الامتناع عن الشراء تماماً بل تقنين العملية والتفكير بمنطقية قبل شراء ما نحتاج وما لا نحتاج. أتذكرون طعم ثياب العيد الجديدة عندما كنا صغاراً. ربما قد حان الأوان لنشعر بذلك من جديد.

رابعاً: قد يكون من الصعب أن نربي أنفسنا على ثقافة إعادة الاستهلاك والتفكير قبل شراء ثياب جديدة لكن إن بدأنا بذلك مع مجموعة سنشجع بعضنا بعضاً. بادري مع أخواتك أو صديقاتك فقد يعطينا ذلك دعماً لنجعل من التبذير عادة مستهجنة ونتفنن في إعادة ابتكار إطلالاتنا.

خامساً: بدلا من الخروج مع الصديقات للتسوق فقط، لنفكر بنشاط آخر نقوم به. نشاط يسلينا ويفيدنا ويضيف لقاموس مغامراتنا.

سادساً: اعتزلي "المشهورات" على مواقع التواصل ممن يؤثرن سلباً عليكي وعلى اسلوب حياتك ويشعرنك بحاجة التبضع الدائم واجعلي من نفسك المؤثر الأول على ذاتك فهذه هي الخطوة الأولى لتتحكمي بحياتك وتحققي أحلامك أنت لا تستنسخيها..

تتبع هذه الخطوات سيتحول إلى أسلوب حياة لدينا ولن يقتصر فقط على قضية شراء الثياب وسيجعلنا نُثمّن ما نملك.. لا ما لا نملك.. وفي النهاية رحم الله القائل "يلي مابتزينو عروقو.. ما بتزينو خروقو".. نعم سأكرر ثيابي، لكن بذكاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.