شعار قسم مدونات

حزب الله في مواجهة الاحتلال.. مع من سنكون؟

blogs حزب الله

استمرت الشعوب العربية في وحدتها وجدانيا، بعد أن وجدنا أنفسنا مُقسمين ضمن حدود وجغرافيا ذات سياج سياسي (سايكس بيكو)، ساعدتها – أي الوحدة –  بقاء عوامل اللغة والدين، وإجماع شعبي عربي على الوحدة والتخلص من قوى الاستعمار ومخلفاته. لم تبقى كتل استعمارية مستوطنة – غربيّة – في الوطن العربي غير ذلك الكيان الذي مازال يحتل فلسطين، ومهما عَقد من اتفاقيات، وعمليات تطبيع ومحاولات اختراق بأدواته الإعلامية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية لإحداث تغيير في الرأي الشعبي العربي، لم ينجح بذلك سابقا.

بعد الثورات المضادة، وفشل الربيع العربي – حتى الآن – في إحداث واقع جديد تستطيع أن تبني عليه الشعوب العربية مستقبلها بما يُناسب تطلعاتها، ظهرت قوة سياسية لديها أذرع إعلامية، تطرح الاحتلال كوجهة نظر في المنطقة بكل جُرأة، في كسرٍ لكل قواعد النظرة الشعبية العربية للاحتلال ككيان غاصب، وتجاوز لكل الخطوط الحمراء.

الكثير من القضايا بالتعامل مع الاحتلال أصبحت تخضع للنقاش ونجد انقساماً بالرأي حولها هذه الحالة المُستجدة لدى الشارع العربي كانت يوما ما ضربا من الكفر، تودي بصاحبها بجهنم الضمير العربي

لم يتوقف الأمر عند جعل الاحتلال جزءً من المنطقة على أساس الاعتراف السياسي، بل والتعامل والتعاون معه ضد قوى عربية أخرى، بسبب اختلافات أساسها سياسي وانتهت بأزمات أمنية واقتصادية ونزاعات، وذلك كمحاولة استقواء بالاحتلال من خلال نفوذه السياسي وقوته العسكرية والاستخبارية محليا وعالميا. وأصبح مُتقبلا لدى المستمع العربي والمتلقي لمُخرجات الإعلام المؤيد لعلاقات أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية مع الاحتلال، بل إن هناك فئة شعبية أصبحت تتناول هذا الطرح وتتبناه وتروّج له!

الكثير من القضايا في التعامل مع الاحتلال أصبحت تخضع للنقاش ونجد انقساماً بالرأي أحيانا أخرى بين فئات شعبية، لا تُعتبر من ضمن النخب "التي تبني موقفها على ضوء معطيات سياسية وأمنية أو مصالح مشتركة" بل ضمن فئات شعبية، فوجدنا تأييدا شعبيا بل مُطالبة بالمزيد من الحصار على غزة في فترة سياسية مُعينة، ووجدنا تأييدا للتنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة وكذلك تأييدا للضربات الجوية على الأراضي السورية، ورغبة عند فئات شعبية في بعض دول الخليج العربي في الانفتاح على الاحتلال وتطبيع العلاقات من خلال حملات إلكترونية ضمن مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الأمثلة.

هذه الحالة المُستجدة لدى الشارع العربي كانت يوما ما ضربا من الكفر، تودي بصاحبها في جهنم الضمير العربي، وتعتبر من أكبر كبائر الخيانة الوطنية. اليوم نقف أمام حالة جديدة، في ظل تغيّرات سياسية مُتسارعة تعصف بالمنطقة، وتراكم نتائج ما حدث خلال السنوات الماضية، والمواجهة العربية العربية بأشكالها المُختلفة، وقمع للثورات وثورات مُضادة وإعادة تموضع للحلفاء وخنادق جديدة استعدادا لمواجهة حاسمة تلوح في الأفق.

ماذا لو شن الاحتلال حربا ضد لبنان، لاستهداف حزب الله هناك؟ ماذا سيكون رأي الشارع العربي بعد كل تدخلات حزب الله اللبناني في سوريا، ووقوعه في دماء السوريين؟ وأي موقف سنتخذه ضد احتلال نُعارض مبدأه في الوجود أساسا؟ ألا يُعتبر الرضا عن توجيه ضربة لحزب الله قبولا ضمنيا بالاحتلال ورضا عن أحد سياسته؟ ألا يُعتبر التضامن مع حزب الله، خيانة لدماء عربية سالت تحت ضرب بندقيته؟

الحديث هُنا ليس عن مؤيدين ومعارضين للنظام السوري وحلفائه بالمنطقة، بل عن فئات شعبية ترى في هذا النظام وأتباعه أحد أبرز أدوات القمع لحاله تمثل ضميره وآماله – الشعب السوري – وأحد مجهضيها. كيف يُمكن تقسيم الحالة إلى أجزاء.. القبول بضرب حزب الله، الفرح بخسائر الاحتلال، الغضب للاعتداء الذي سيحصل على أرض ودماء عربية -لبنان-؟

هذه الحالة هي أسوأ نتائج ( سايكس بيكو ) بعد مائة عام من القسمة الجغرافية والسياسية وسلخ الوطن العربي عن عمقه الإسلامي، وبعد التقسيم على مبدأ الهويات الوطنية في وقت لاحق، ومن ثم الأكثر تطورا على مبدأ الطائفية والعرقية والهويات الفرعية، حتى وصلنا إلى أكثرها تعقيدا تقسيم ضمير الفرد ودخول الواحد منا في جدليات عقيمة تناقض المرء بنفسه!

لا يُمكن بأي حالٍ من الأحوال أن نغض الطرف ونعطي دورا ثانويا عن المتسبب الأول لكل خلافاتنا العربية في المنطقة وأُس الخلاف بيننا وسبب وجوده ألا وهو الاحتلال
لا يُمكن بأي حالٍ من الأحوال أن نغض الطرف ونعطي دورا ثانويا عن المتسبب الأول لكل خلافاتنا العربية في المنطقة وأُس الخلاف بيننا وسبب وجوده ألا وهو الاحتلال
 

هذه الحالة المتطورة، نتجت أيضا بعد الأحداث السياسة والعسكرية في المنطقة، في ظل وجود كيان يُعاديه الجميع ونتفق على ذلك، حتى وإن اختلفنا في كل القضايا الأخرى، وظهور إيران وأذرعها العسكرية كقوى مُحتلة أيضا، فأوجدت هذه الحالة نوعا من التناقض في التعامل مع قضايا المنطقة، والتعبير عن الرأي فيها ومزيدا من الانقسامات في ظل تحالفات يُعتَبر الاحتلال جزءً منها!

إن القبول والرضا الشعبي بضرب لبنان، من أجل التخلص من جهة تُعتبر معادية هي الأخرى، هي نوع من أنواع الاعتراف الضمني بالاحتلال ونوعا من الهزيمة المعنوية ويقابله الاعتراف بالفشل أمام من شارك بإجهاض آمال الشعب السوري فالأرض والشعب عربيان، وأن أي نصر قد يحققه حزب الله لن يعود للجميع أيضا، سيحققه لنفسه هذه المرة ولحلفائه في المنطقة فقط، وكذلك الحال بالنسبةِ للاحتلال.

الفشل في تحقيق اختراق على صعيد عزل الاحتلال والتخلص منه مستقبلا، ومُعاقبة من تورط بدماء السوريين، حقان مشروعان لا بد من تحقيقهما، ولكن لا يُمكن بأي حالٍ من الأحوال أن نغض الطرف ونعطي دورا ثانويا عن المتسبب الأول لكل خلافاتنا العربية في المنطقة وأُس الخلاف بيننا وسبب وجوده – أي الاحتلال – لذلك لا يُمكن ان نكون طرفا مؤيدا بأي حالا من الأحوال في عدوان عسكري جديد ضد دولة عربية وضد شعبها، والأولى أن نحل قضايانا بالصورة المناسبة، أي عربيا فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.