شعار قسم مدونات

أزمة منظومة.. أزمة مجتمع

blogs- university

تم تداول مقطع فيديو صادم مؤخرا بمواقع التواصل الاجتماعية انتشر كالنار على الهشيم، نظرا لما يحتويه من عنف مورس على أحد الأساتذة بثانوية سيدي داود بمدينة ورزازات المغربية، من طرف تلميذ لا يتعدى السابع عشرة من عمره.

             

وقد استوقفتني الصور لشناعة الفعل والحالة المزرية التي أصبحت تتخبط فيها منظومة بأكملها: منظومة التعليم بالمغرب بشكل عام، وأن ظاهرة العنف بالمدارس هذه أضحت في تزايد مستمر، وقد تعدى الأمر السب والشتم اللذان يعتبران تصرفات مرفوضة طبعا، إلى الضرب والجرح والذي قد يصل بدوره في أقصى الحالات للقتل أحيانا، فبغض النظر عن نوعية المشكلة بين هذا الأستاذ وتلميذه فإنه ومن الضروري التنديد بأمثال هذه الأفعال التي لا تمت للتربية والتعليم بصلة، ومعاقبة كل من سولت له نفسه المساس بأستاذ كاد أن يكون رسولا.

        
فالتلميذ لم يحترم لا حرمة الفصل ولا باقي زملاءه ولا حتى نفسه ومعلميه، وهو الأمر الذي يدعو للقلق والاستياء، فالقسم المخصص عادة لطلب العلم والتحصيل تحول لساحة عراك وهذه ليست بالمرة الأولى وهو الأمر الطبيعي نسبيا في ظل منظومة فاشلة، فقد أصبحت مثل هذه الأخبار مألوفة لدى العامة، إلا أن الخطير بالأمر هو بعض ردود الفعل حيث وجد البعض فرصة ذهبية كما يفعلون كل مرة ليجعل من مربي الأجيال شماعة يعلق عليها مسؤولية فشل منظومة بأكملها يتحمل الجميع فيها -بمن فيهم أنا وأنت عزيزي القارئ- نصيبا من المسؤولية.

       
وكطالبة علم، أتأسف للوضع الذي آلت إليه الأمور فهذه لا تعتبر المشكلة الوحيدة التي تعاني منها المنظومة، فالجامعات المغربية تعرف نوعا آخر من الفساد، فهي بدورها تعيش العديد من الاختلالات أبرزها دكاترة يقومون ببيع النقط بمقابل مادي (تصل المادة حتى2000درهم مغربي) وآخرون مقابل الجنس، هذا ولم نذكر الانتهاكات المستور عنها التي تقع بداخل الحرم الجامعي، فهذه الوقائع هي ما قد تم فضحه فقط وبالفعل وإن وما خفي كان أعظم!

 

لا خير من تعليم لا تعقبه تربية، كل هدفه هو تكديس المعلومات في عقل المتعلمين، ولا خير في أستاذ وإطار جامعي يبيع النقط ويبتز طلبته
لا خير من تعليم لا تعقبه تربية، كل هدفه هو تكديس المعلومات في عقل المتعلمين، ولا خير في أستاذ وإطار جامعي يبيع النقط ويبتز طلبته
 

إن هذا حقيقة ليضرب في مصداقية الجامعات المغربية ويلغي كل آمال الطالب المغرب في التحصيل العلمي الشريف وتكافؤ الفرص، وحصوله على تكوين متين سيمكنه فيما بعد من ولوج سوق الشغل، ولعل الآثار المترتبة عن هذه الاختلالات لها نتائج أخرى غير ظاهرة أعمق ومشاكل على عدة مستويات أخرى تساهم بطريقة مباشرة في تخلف المجتمع وهو ما يحتاجه بلد يمشي بخطى ثقيلة نحو التغيير، فلن يتأتى هذا التغيير المرجو تحت ضوء كل هذا الفساد الذي يعيق تقدمه بشكل ملحوظ، وإن الأولى بنا تولية التعليم كل الاهتمام نظرا لما نلاحظه من تأثير إيجابي له في النهوض بالمجتمعات، والدول الغربية خير دليل.

     
ولأنني أؤمن أن أول طريق لحل معضلة ما هي الاعتراف بوجودها أولا، فلهذا أطرح اختلالات المنظومة التعليمية للساحة قصد النقاش، وكي نكون واقعيين -ولست بمتشائمة- فإنه لا يمكن لأي حد طرح حلول عقلانية بمفرده، فهذه مهمة جماعية، وكما سلف لي الذكر يتحمل فيها الجميع المسؤولية، إلا أنني أستنكر وبشدة ردة فعل بعض الناس الذين يطالبون الأستاذ الذي تعرض للعنف والاعتداء بالعفو عن التلميذ المعني وذلك حسب قولهم حتى لا نساهم بشكل كبير في الهدر المدرسي ومن ثم الانحراف، فالأزمة في الحقيقة هي أزمة قيم، تربية وأخلاق، فهلا أخبرتني عن انتظاراتك من دكاترة يبيعون النقاط كما تباع الخضار في السوق؟! أو ممن يبتز طالبات، ويطالبهن بالجنس مقابل استيفاء مادته!

   
هذا التلميذ وإن تم العفو عنه من طرف أستاذه واستكمل تعليمه، لن يصبح إلا أحد هذه الأمثلة غير المشرفة، التي ترجع بالأمة للوراء وتلطخ بسمعة التعليم المغربي أكثر مما هو عليه، فإنه لن يقوم إلا بنفس الممارسات اللاأخلاقية وغير القانونية، حتى وإن كان قد تخرج من الجامعة.. فالمسألة مسألة تربية، والذي لا يحترم حرمة فصل، لن يحترم حرمة الجامعة، حتى وإن تخرج منها وأصبح أحد أطرها.

  
فلا خير من تعليم لا تعقبه تربية، كل هدفه هو تكديس المعلومات في عقل المتعلمين، ولا خير في أستاذ وإطار جامعي يبيع النقط ويبتز طلبته، ولا خير ممن يشتري بدعوى فساد المنظومة، وأنه "مرغم لا بطل" ويساهم في زيادة فسادها، ولا فيمن يرى الفساد متفشيا وبدل الحديث عنه، قرر أسهل وأبشع الطرق للتعايش والتأقلم معه، فلا نهضة لمجتمع يتفشى فيه الفساد وينهش هيكلته من الداخل، وإن كانت الأمم تتقدم فبالتعليم والتربية معا، حيث أنهما يشكلان اللبنتين الأساسيتين الواجب إصلاحهما لحل أزمة المنظومة التعليمية ككل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.