التعذر بطبيعة الحياة والظروف التي تعيشها فيها، هي من ترغمك على لبس قناع معين ربما من باب المجاملة، وربما هروباً من الواقع قد لا تكون هي الحقيقة، فكثير ممن هم يمارسون الخداع والمكر غالباً ما يتظاهرون بالطيبة والإيجابية كي ينالوا ما يريدون، وسرعان ما يكشرون عن أنيابهم وأعمالهم الشيطانية دونما اعتبار للصداقة والزمالة، لتكتشف بأنك كنت مجرد مخدوع في كاريزما مزيفة متلونة بأقنعة متعددة.
هل نستطيع العيش بطبيعتنا بدون الكذب على ذواتنا أولاً والآخرين من حولنا ثانياً، لماذا لا نعامل الناس بما نقتنع به بدون قناعات التزييف والتملق أو بقناعات المكر والخداع بداعي الطيبة الزائدة والإيجابية المثالية عكس ما نؤمن به بداخلنا! ما الذي سيحدث لو عاملنا الناس بشخصيتنا الحقيقة بدون أي مساحيق وأقنعة نتوارى خلفها، هل سيؤثر ذلك على حياتنا! أم أنه سيمنعنا من الاستمتاع بالحياة!
هل باتت الحياة قبيحة لهذا الحد، حتى صرنا لا نستطيع العيش فيها إلا بالتضليل والتطبيل، فالعامل يتملق لصاحب العمل لكسب وده، والمسؤول يتملق ويتظاهر بالحب كي يكسب تعاطف الناس حوله، والصديق يجامل صديقه كي لا يحرجه، والزوجة تتزين بقناع النفاق كي لا تغضب زوجها، والزوج يضع قناع القناعة كي لا تتفكك العلاقة!
إذا فنحن اليوم نعيش في وهم كبير نغالط فيه أنفسنا ونحاول التأقلم ومع ذلك لا نستطيع، فرغم كل ما نقوم به إلا أننا غير راضين عن حياتنا لأننا نمارس النفاق والتزييف وننشئ جيلا جديدا يحمل ورثنا الذي تركناه له "وضع الأقنعة" كدرع يتحصن به لمواجهة متطلبات الحياة ويستطيع النجاح عبر الوهم المزيف والقناع الخادع، ثم لنعيبه حين يخطئ بحقنا رغم أننا من علمه ذلك!
هل حان الوقت لنكاشف بعضنا البعض، ونتخلى عن هذه العادات السلبية في حياتنا، ونظهر للواقع بحقيقتنا بدون مساحيق التجميل لأخلاقنا وسلوكنا المغاير لما نعيشه، "فصعودك اليوم بقناعك المزيف .. سيرغمك على السقوط غداً بقناع شخص آخر ".
أصبح المجتمع بأكمله قائم على سياسة الوصول عبر بوابة الكذب والخداع من خلال وسائل مختلفة يقوم الناس من خلالها بالظهور، بينما حين تفتش في سلوكهم الحقيقي وحياتهم اليومية ستكتشف الطامة الكبرى، فكم من شخص وقع فريسة، وضاع مستقبله بسبب قناع صديق مقرب منه، وكم من علاقات أسرية تفككت وتمزقت لأن الحياة كانت قائمة على أقنعة مزيفة ومع مرور الوقت اكتشفوا بأنهم يعيشون في صراع وتناقض لما كانوا عليه منذ البداية.
ربما كانت الصورة القاتمة منظمة بالحكام والمسؤولين باعتبارهم أكثر من يضع الأقنعة في الانتخابات والخطابات لتسويق وبيع الوهم للمواطنين، لكن اتضح بأن هذه الأقنعة هي أصلاً تنتج من قبل المجتمع ذاته ومن ثم تصعد للحكام ليقوموا بكي الشعب بنار الأقنعة التي نشئوا عليها خلال حياتهم اليومية.
كن بذاتك وافتخر بشخصيتك، ولا تدع الظروف ترغمك على تغيير قناعاتك مهما كانت المغريات، فلا خير في نجاح على حساب قناعات مزيفة، وكذب فاضح!
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.