شعار قسم مدونات

رحلة السعودية إلى الهاوية!

RIYADH, SAUDI ARABIA - APRIL 19: Saudi Arabia's Deputy Crown Prince and Defense Minister Mohammed bin Salman (2nd L) takes his seat to meet with U.S. Defense Secretary James Mattis and his delegation on April 19, 2017 in Riyadh, Saudi Arabia. (Photo by Jonathan Ernst - Pool/Getty Images)

الدكتاتورية في المملكة العربية السعودية هي الأشد قسوةً من بين نظيراتها في العالم، حيث يعتبر النظام في السعودية من أشد الأنظمة العالمية قسوة، والذي يغلب عليه الطابع الشمولي والسلطوي الذي يتحكم بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية والدينية في البلد، كما أن قمع الحريات، وتكميم الأفواه، ودعم الإرهاب، واستغلال الدين لتثبيت الحكم، وعدم استقلال القضاء، والتسلط الشامل على كافة مقومات الدولة، وفرض قدسية الأسرة الحاكمة على الشعب وادعاء القدسية لها، والسيطرة المطلقة على وسائل الإعلام وتحويلها إلى بوق للدعاية للأسرة الحاكمة، كلها عوامل أكدت بجلاء دكتاتورية نظام الحكم هناك.

 
القرارات الأخيرة التي قضت بتوقيف وتجميد أرصدة العديد من الأمراء ورجال الأعمال البارزين في السعودية على رأسهم كل من الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني، وأخيه تركي، وابن عمه الأمير الوليد بن طلال الذي يعد واحداً من أثرياء العالم، مردها الخوف من أي ردات فعل من قِبَل هذه الشخصيات من شأنها عرقلة مشروع التوريث الذي يسعى الملك سلمان وابنه إلى فرضه كأمر واقع على الجميع تقبله بأي حال من الأحوال، الأمر الذي دفع الأمير الشاب إلى اتخاذ مثل هذه القرارات الكارثية التي من شأنها الانزلاق بالمملكة إلى الهاوية إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه الآن.

 
القرارات المتهورة التي يصدرها محمد بن سلمان بحق المناوئين لسياساته الغبية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، ومع كل قرارٍ يتم إصداره نجد عذراً يبرر ذلك القرار، وهذه الأعذار تتباين من قرارٍ لآخر وفقاً لعدة معايير أبرزها أهمية الضحية وثقلها في الوسطين السياسي والعسكري، والبداية كانت من نصيب مقرن بن عبد العزيز الذي تم اعفائه من منصبه كولي للعهد خلفاً لسلمان بحجةٍ واهية لا يستسيغها عقلٌ ولا يقبل بها منطق، عندما تحججوا بأن ذلك القرار جاء استجابةً لرغبة مقرن الذي لا يريد شغل هذا المنصب الذي سيتوِّجُه في نهاية المطاف ملكاً على السعودية، ولكن كانت هناك حجر عثرة في طريق بن سلمان إلى العرش توجب عليه إزالتها فمحمد بن نايف هو من شغل منصب ولاية العهد خلفاً لمقرن، وهو رجل سياسيٌ وعسكريٌ بامتياز كما أنه كان يمثل الذراع الأميركية داخل الأسرة الحاكمة، الأمر الذي جعل بن سلمان يعد العدة لإقالته وهذا ما تم بعد ذلك، وعندها بات الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام كل التكهنات التي تنبأت بإقالة الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز وهذا ما حدث بالفعل، وهذا القرار لم يشكل صدمة بالقدر الذي شكله العذر المبرر لمثل هذا القرار والذي اتهمهم هذه المرة بالفساد، مما دفع السلطات المسؤولة إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة من توقيف، واعتقال، وتجميد أرصدة وهذا سيكون له نتائجه العكسية والخطيرة على المملكة في قادم الأيام.

 

القرارات الأخيرة لولي العهد ستؤدي إلى تزايد خصومه الطامعين بالحكم من جهة والناقمين عليه من جهة أخرى، مما سيزيد من حدة الصراع داخل الأسرة الحاكمة
القرارات الأخيرة لولي العهد ستؤدي إلى تزايد خصومه الطامعين بالحكم من جهة والناقمين عليه من جهة أخرى، مما سيزيد من حدة الصراع داخل الأسرة الحاكمة

 
بقية الأمراء السعوديين الذين لم تشملهم قرارات التوقيف والاعتقال بعد لم يعودوا في مأمن، مما سيجعلهم يبحثون عن كافة السبل الممكنة التي من شأنها إيقاف بن سلمان عند حده، وهذا قد يفضي إلى انقلاب في القريب العاجل، خصوصاً أن معظم الأمراء السعوديون لا يرغبون ببن سلمان ملكاً عليهم، فغطرسته وتهوره وصغر سنه من أهم الأسباب التي دفعتهم إلى اتخاذ مواقف ضبابية تجاه البيعة للأمير محمد بن سلمان كولي للعهد، وقريباً كملك للملكة العربية السعودية.

  
الهستيريا الأخيرة التي أصيب بها ولي العهد السعودي دفعته إلى اتخاذ مثل هذه القرارات، وهذا بدوره يؤدي إلى تزايد خصومه الطامعين بالحكم من جهة والناقمين عليه من جهة أخرى، مما سيزيد من حدة الصراع داخل الأسرة الحاكمة، ويعجل بانهيار نظام الحكم هناك، فالتصدعات التي أصابت قصر الحكم جراء هذه القرارات من الصعب ترميمها، الأمر الذي يشي بمستقبل قاتم ينتظر المملكة اذا ما توج هذا الأمير ملكاً على السعودية، فجميع السياسات التي انتهجها محمد بن سلمان في المملكة باءت بالفشل، فهناك تضخم اقتصادي مهول جراء إهدار مئات المليارات من الدولارات في كل من حرب اليمن وسوريا، وكذلك في شراء ولاءات الدول للوقف إلى جانب السعودية في وجه قطر التي رفضت الوصاية السعودية جملةً وتفصيلاً، وهذا بدوره رجح من كفة إيران العدو اللدود في السعودية التي تعد المستفيد الأكبر من كل هذه السياسات، فإيران تحاول منذ مدة ضرب نظام الحكم في السعودية من الداخل وهو ما تحقق لها الآن دون أن تبذل أي مجهود يذكر، فالأمير المتهور قد حقق لهم كل تلك المكاسب دون أن يدري!

 
الغريب في الأمر هو صمت الشعب السعودي على استبداد هذه الشاب التي يتخذ من الحكم المطلق سياسةً يسير من خلالها كافة شؤون البلد، وهذا الصمت مرده إلى انعدام الروحية المتحركة، والفكر المتطور، وغياب الوعي الجماعي عن السلطة الفوقية، الأمر الذي مكن هذا الشاب من التمادي أكثر فأكثر، مما يحتم على جميع السعوديين المطالبة بإيقاف هذه المهزلة، فالقرار لهم أولاً وأخيراً، ولكن للأسف هذا الحق لا يمتلكه الشعب السعودي البته، فقد كتب عليه تحمل كافة المآلات الكارثية لمثل هكذا قرارات حمقاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.