شعار قسم مدونات

التشبيح الثوري وبرامجه الثورية الهدّامة

Blogs-سوريا

في البداية فإن مصطلح "شبيح" أو "سرسري" ولد في الشارع السوري بعد خروج أحرار الشعب في ثورة الخامس عشر من آذار/مارس 2011، وهو لقب يصف من ينتسبون لصفوف النظام من المدنيين المتكسّبين الانتهازيين أو الميليشيات، ويتم اختيارهم على أساس سجلهم الحافل بالجرائم، للوقوف في وجه إرادة الشعب وقمع رغباته، عن طريق إرعاب الناس وإرهابهم، أو حتى قتلهم إذا استلزم الأمر بالعصيّ والهراوات أو الأسلحة النارية.

               

لكن منذ فترة بدأت ظاهرة جديدة بالتفشي، بعد ظهور مجموعة من الأشخاص المنتفعين مادياً والانتهازيين، وباعتقادي أنّ الاسم الأنسب لهذه الظاهرة هو "التشبيح الثوري"، والذي غالباً ما يكون ممارسوه هم إمّا مراهق سياسي أو شيخٌ شبّيح أو كوميدي سرسري، والمشاع بينهم أو القاسم المشترك أنّهم منتفعين أو ممن يتربعون على عرش الدولار. وريش النعام بخلاف الثوار، بعد أن نصّبوا أنفسهم كشخصيات ثورية أو تم تنصيبهم مسبقاً وروّج لهم بحملات دعائية، من خلال بعض المحطات الفضائية المدعومة من الدول الراعية للثورة والتي تطمح لمآرب أخرى في المنطقة تحت غطاء "دعم الشعب في نيل حرياته".

        

فما يشهده الشارع الثوري حالياً هو تشبيح هؤلاء المرتزقة على الثورة وثوارها ومثقفيها، وعلى من قدّموا ومازالوا يقدمون الغالي والنفيس ضريبة انخراطهم في صفوف الثورة دون إيّ مقابل، ومع كامل الأسف فإن ما يجري أيضاً يعود على الثورة أو الثوار الحقيقيين بالتهميش، لا بل و ينقل عدواه إلى الجمهور المتابع فيكفي أنّ تنتقد أحدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتتلقى ما تتلقاه من إهانات صارخة مصحوبة بعبارات تشبيحيه متناغمة القوافي، تتفنن في الدفاع عن آلهة الحرب وتمجيدهم هم وبيادقهم، واستحقارك وإظهارك على أنك عميل لأجهزة المخابرات العالمية، وتسعى إلى شق صف الثورة، وضلالها عن طريقها الأول.

                

الثورة ليست ولم تكن يوماً لكم، ولسنا بحاجة إلى خشبة المسرح الشعبي السوري في شارعنا مرة أخرى

لن أتحدث عن بلطجية الفيس بوك أو تويتر، الذين يروّجون لجلب الشهرة لبعض الدول وآلهة الحرب وتكوين قاعدة جماهيرية لهم، وإلباسهم قناع التقى والوفاء للثورة. ولن أتحدث عن بيادق سلاطين الثورة الناطقة عبر بعض محطات التلفزة، والذين يعتمدون في خطاباتهم البالية بشكل أساسي على استغلال العاطفة والتي ترهق الشعب السوري وغالباً ما تخفي صوت عقله أو استغلالهم للنصوص الدينية في غير مقامها لأقناع الشارع الثوري بهم، فإن لم تغلب العاطفة فعل الدين.

        
بل سأتحدث عن دمى الماريونيت أو من يدّعون أنّهم يجسّدون الثورة عن طريق البرامج الساخرة، مستغلين حاجة الجمهور للتنفيس عن همومه، فما يقومون به هو تشبيح إعلامي يرمي إلى غض البصر عن معظم أعلام الثورة الحقيقيين بالترويج لغلمان الثورة وحدثاء الأسنان وتصويرهم للجمهور على أنّهم أبطال ثوريين ناضلوا من أجل القضية، ونقش رسائل خفية في عقول جمهور الثورة لتوجيه بصيرته سواء نقاط معينة فقط، بغية حصر تفكيره بعيداً عن مصالح قياصرتها، بالإضافة إلى توسيع دائرة المشاهدة لهذه القنوات وزيادة جمهورها وتصوير مثقفي الثورة على أنّهم مجرد هواة ودمى لا يفقهون شيئاً سوى السباب واستخدام المصطلحات السوقية في برامجهم الكوميدية، فشتان بين النقد الساخر وبين ما يفعلون.

        
ولأن البعض يظن أن كل من ظهر على شاشات التلفزة يمثل الثورة والثوار، فإن لبرامج الكوميديا الهدّامة هذه، والتي تعرض على سائر العالم، الفضل الأكبر في صياغة فكرة للمشاهد أن برامج الثورة وثوارها هم مجرد عراضات وأهازيج راقصة تطرب الأذن، مستعينة بالشتم والألفاظ النابية، دون أي قيمة فكرية يستفيد منها المتلقي، أو حقائق وإثباتات ترشده إلى أهداف الثورة الرئيسية وأسباب قيامها، إلى أن أصبح الفرق بينها وبرامج النظام هو المحطات التي تعرض عليها فقط. وأخيراً أقول: "الثورة ليست ولم تكن يوماً لكم، ولسنا بحاجة إلى خشبة المسرح الشعبي السوري في شارعنا مرة أخرى".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.