شعار قسم مدونات

لبنان يا صندوق البريد

Blogs-Lebanon

لم يكن المواطن اللبناني العادي من تفاجئ ببيان استقالة رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري، بل ساسته كما صدر عن قصر بعبدا. استقالة أُعلنت من الرياض ودوى صداها في الشارع اللبناني مرعبا لأطرافٍ محذرا لأخرى، مبشرا للبعض ونذير شؤم للبعض الآخر.

    

أم ذاك المحلل السياسي فقد أسقط بيده، والمحلل الاقتصادي راجع حساباته، كيف لا!؟ وقبل فترة وجيزة، كان نفسه رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري، قد بشر بفترة من "الاستقرار" رغم سوء الأجواء الإقليمية المحيطة، التي يلعب بها حزب الله دور الأداة الأكثر فاعلية في تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية خاصة سوريا. وما تصريح الرئيس روحاني عنا ببعيد فقد تحدث دون خجل أن "مكانة الأمة الإيرانية في المنطقة اليوم أكبر من أي وقت مضى"، وتساءل عن "قدرة لبنان على اتخاذ قرار حاسم من دون أخذ الموقف الإيراني في الاعتبار؟".

              
وهذا التصريح لروحاني وإن كان من باب الجرأة الزائدة إلا أن مضمونه لم يكن يخفى على أحد، فكيف بالشيخ سعد الحريري! الذي كان كل ما فعله حينها أن رد عليه مستنكرا لا مستقيلا، علماً أنّ الحريري عمل على تسوية سياسية برعاية سعودية سمحت بانتخاب مُرشح "حزب الله" لرئاسة الجمهورية، الرئيس ميشال عون، مقابل عودته إلى رئاسة الحكومة للمرة الثانية، بعد أن حوّلت استقالة وزراء الحزب وحلفائه حكومته الأولى سنة 2009 إلى حكومة تصريف أعمال. وعلما انه منذ أيام قليلة كان قد وافق على اعتماد سفير للبنان في سوريا!
           
فلماذا الاستقالة اليوم ومن الرياض؟ مضمون بيان الرئيس سعد الحريري فضلا عن مكانه وزمانه وضح بما لا يدع مكان للشك، أن الرياض اليوم تستفيد وتستغل كل أوراقها بالمنطقة وترسل رسائل متقدمة لإيران وذلك فيما يتعلق بملفات كثيرة، خاصة اليمن وسوريا، وتعطيها قوة إضافية على طاولة المفاوضات، وفي هذا جاءت تغريدة وزير الدولة السعودي السبهان معلقا على استقالة رئيس الحكومة اللبنانية بأن "أيادي الغدر والعدوان يجب أن تُبتر".

            

انتهج لبنان دائما سياسة النأي بالنفس عما يحصل في الدول العربية وخاصة سوريا، إلا أن حزب الله أقحمه في صلبها
انتهج لبنان دائما سياسة النأي بالنفس عما يحصل في الدول العربية وخاصة سوريا، إلا أن حزب الله أقحمه في صلبها
 

كم تجعل من لبنان حائط صد جديد لها في مواجهتها مع إيران من خلال هذه الاستقالة، فأعلى ما يمكنها فعله (وقد لجأت إليه) هو تعطيل البلد سياسيا، أم ما يحكى عنه في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن إمكانية الصدام المسلح لتطويق حزب الله فلا أجد أنه من الخيارات المتاحة حاليا وإن كانت واردة في حال كان للأمريكي ضوء أخضر ولدولة الكيان الصهيوني دور! وهو ما يرفضه حتى معارضي الحزب، لا لشيء سوى عدم إعطاء حزب الله ذريعة جديدة وفرصة لتلميع صورته بعد أن تورط بالدم السوري. فكيف سيتم هذا لو فُرض أن الخيار المسلح متاحا؟ وهل سنسمع عن عاصفة حزم جديد خاصة بلبنان؟
                 
أما الإشكالية الأخرى، فضلا عما ستفضي له هذه الاستقالة من توتر في البلد، هي قضية أن هل "لبنان وطن سيد حُر مستقل" ؟ أين هي هذه السيادة في ظل هيمنة إيران أو المملكة العربية السعودية وأحيانا دول وقوى أخرى على القرار السياسي اللبناني! فيوما ما، انتهج لبنان سياسة النأي بالنفس عما يحصل في سوريا، إلا أن حزب الله أقحمه في صلبها، ويوما قبله في 2006، يصادر حزب الله قرار الحرب والسلم فيدخل لبنان في حرب مدمرة يعتذر عن ما أودت إليه لاحقا الأمين العام لهذا الحزب، وكذلك تفعل اليوم المملكة العربية السعودية، من خلال الرئيس سعد الحريري، مصادرةً قراره السياسي.
                  
إن لبنان منذ نشأته رٌكب ضعيفا، كغيره من الدول الضعيفة ومناطق المجال الحيوي. فعلى سبيل المثال لا الحصر ما اندلعت حربه الأهلية سنة 1975، ما تخللها وما لحق بها إلا من هذا الباب. ومصيره دوما أن يكون صندوق بريد تتراسل وتتراشق فيه القوى الإقليمية حول أهدافٍ لها لكن في مكان آخر خاصة وقد زرعت بقربه ما تسمى "إسرائيل" يستغل دعاية مقاومتها طرف ويستغل علاقته بها طرف آخر، كلهم ودوما عبر صندوق بريد اسمه " لبنان ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.