شعار قسم مدونات

كيف ساهم الجيش المصري في العداء مع تركيا؟

blogs السيسي مع قادة الجيش و الشرطة

قصة بدأت فصولها منذ ستة قرون أو يزيد عندما قرر السلطان سليم الأول ضم مصر إلى الدولة العثمانية، وأصبحت مصر ولاية عثمانية ضمن امبراطورية فتية تحمي الحضارة الإسلامية التي عانت لعدة قرون من الغزو المغولي والحملات الصليبية، واستطاع نظام الحكم العثماني الصمود لقرون أمام الصراع الحضاري الكبير أمام النموذج الأوروبي، وكانت مصر مركزا حضاريا وثقافيا كغيرها من البلدان التي تحت الحكم العثماني.

لسنا بصدد مقارنة نظم الحكم القديمة مع النماذج الحديثة، ولكن بالتأكيد حدث تغيير درامي مع سيطرة محمد علي على حكم مصر والذي أعتبره – من وجهة نظري على الأقل – أحد المراكز الاستراتيجية التي عملت على تفتيت المنطقة وإضعافها لصالح النموذج الجديد القادم من أوروبا، سواء كان يعلم ذلك أم لا؛ فإن ما حدث وما زلنا نعاني من تبعاته حتى الآن هو نتيجة مباشرة لما قام به محمد علي ومن تبعه.

لقد أصبح النظام المصري منذ قرنين أو يزيد ومركز هذا النظام هو ما يسمى الجيش المصري المقدمة الرئيسية لمنع أي محاولات تحرر أو إعادة بناء تتوافق مع الموروث الفكري والحضاري للمجتمعات العربية والإسلامية، فقد قام النظام المصري في القرن التاسع عشر بالحرب في جزيرة العرب وفي ليبيا والسودان والشام وتركيا، ولم ينتج عن هذه الحروب نظاما جديدا يتوافق مع الهوية الحضارية للمنطقة بل كان هدفه ربما الوحيد هو التفتيت لتمهيد المنطقة لشيء ما.

الجيش المصري بؤرة توتر دائمة ولم يعد فقط خطرا على مصر ولكنه خطر على كل المنطقة، وعلى شعب مصر الآن التحرك بكل الطرق المتاحة لإنقاذ مصر وحماية ما تبقى من النقاط الفاعلة بالأمة
الجيش المصري بؤرة توتر دائمة ولم يعد فقط خطرا على مصر ولكنه خطر على كل المنطقة، وعلى شعب مصر الآن التحرك بكل الطرق المتاحة لإنقاذ مصر وحماية ما تبقى من النقاط الفاعلة بالأمة

ولم يحاول ما يسمى الجيش المصري مركز النظام السياسي في بلادنا أن يغير من مساره لتفنيد ادعاءاتنا؛ بل قام في بدايات القرن العشرين بمشاركة قوى الاحتلال بالحرب في محاور عدة أشهرها حربه في فلسطين بجانب بريطانيا، وكان أحد الأدوات الرئيسية لاستمرار التفتيت حتى انهار النظام القديم بأكمله ليس لصالح نظام جديد متوافق مع التطور التاريخي والحضاري كما فعل العثمانيون منذ ستة قرون؛ ولكن التدمير لصالح منظومة فكرية وحضارية جديدة، ولم يكن الجيش المصري فقط من فعل ذلك ولكن نحن نتحدث الآن عن القوى الأكبر والتي تحظى برعاية غربية فائقة منذ نشأته منذ ما يقرب من مئتي عام.

ولم يكن دور ما يسمى الجيش المصري خارجيا فقط ولكن كان على مستوى القطر المصري مانعا حاسما أمام كل محاولات التحرر، وربما ما فعله في ثورة 1919 وما بعدها حتى تدخله في الخمسينيات لا تحتاج للتفسير ويمكن الرجوع لكتاب الرافعي عن ثورة 19 لمعرفة ماذا فعل "الجيش" بالشعب عندما اندلعت الثورة.

عودة إلى تركيا التي عانت من الجيش المصري وعمله الدائم مع القوى الغربية ضد أي مشروع يحاول التمسك بالموروث التاريخي والحضاري والديني للأمة، والآن يبدو أننا على أعتاب موجة جديدة من الصراع الذي يتجدد كل مئة عام تقريبا والتي يمارسها ما يسمى الجيش المصري لحصار أي احتمال للتحرر.

ما حدث في 2013 كان أحد تلك الهجمات الشرسة لوأد أكبر قوى بشرية يمكنها قيادة قاطرة المستقبل، ولا أتحدث فقط عن جماعات أو تنظيمات ولكن الحديث عن الشعب المصري ذو المئة مليون والذي يمكنه مع قيادة منتمية للشعب أن يكون قوة هائلة تستطيع مع القوى الإقليمية الأخرى أن تغير من موازين القوى في المنطقة ولا أكون مبالغا إن قلت العالم.

الجيش المصري غير قادر على الحرب بشكل فني ولكنه قادر على التدمير، فالحرب مهما كانت لها آثار كارثية فهي لهدف سياسي بالنهاية أما التدمير فما أسهله على مرتزقة لا يألون بالا بشعوبهم

إن المناورات التي يقوم بها ما يسمى الجيش المصري مع الجيش اليوناني بالقرب من الحدود التركية هو استمرار للعمل المركزي والرئيسي للجيش المصري عبر تاريخه، وهو حصار أي احتمال للتحرر، وتركيا الآن هي القوة الأكبر والأكثر استقلالا سياسيا وإلى حد ما اقتصاديا في المنطقة، ونلاحظ أن النظام المصري يحارب كل القوى الحرة بالمنطقة أو على الأقل التي تحاول الوقوف بجانب المقاومة، فأعداء هذا النظام هم تركيا وحماس وقطر، ونلاحظ أيضا أن القوى التي يدعمها أو يدخل معها في تحالفات هي القوى الإقليمية المحاربة لمشروع التحرر سواء النظام السعودي أو الإماراتي أو الصهيوني.

إن أهمية تلك المعلومات أنها تخرج الصراع مع الجيش المصري من الدائرة الصغيرة المتعلقة بالانقلاب العسكري في مصر، إن الانقلاب هو أحد مظاهر الصورة الأكبر والأوضح عبر التاريخ، والإصرار على الوقوف عند نقطة انقلاب 2013 أصبح غير مقبول بل يدعو للشك حول أهداف الواقفين عنده.

ما أصبح مؤكدا – على الأقل بالنسبة لي-أن هذه المؤسسة مبنية هيكليا على معاداة كل فكر تحرري للمنطقة وأنها مركز متقدم لقوات الاحتلال ليس فقط لمصر ولكن لكل المنطقة، ولن أتفاجأ إن دخلت مصر في صراع عسكري مع تركيا لأي سبب، وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا فإن ما يسمى الجيش المصري سيكون واجهة الصراع وسيكون شعب مصر البائس وقود معركة لهذه الكارثة، فما يسمى الجيش المصري غير قادر على الحرب بشكل فني ولكنه قادر على التدمير وهناك فارق بين الاثنين، فالحرب مهما كانت لها آثار كارثية فهي لها هدف سياسي في النهاية أما التدمير فما أسهله على مرتزقة لا يألون بالا بشعوبهم ويستمتعون بالخيانة المعلنة، وربما الزيادة الهائلة في التسليح الفترة السابقة لها مؤشرات خطيرة حول هذا الأمر.

لقد كان الجيش المصري بؤرة توتر دائمة ولم يعد فقط خطرا على مصر ولكنه خطر كبير على كل المنطقة، وعلى شعب مصر الآن التحرك بكل الطرق المتاحة ليس فقط لإنقاذ مصر ولكن لحماية ما تبقى من النقاط الفاعلة في الأمة من السرطان الذي ينهش في المنطقة والذي نسميه اصطلاحا الجيش المصري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.