شعار قسم مدونات

تزوير التاريخ.. كيف بدت الوسطية الدينية بالسعودية قبل الصحوة؟

blogs محمد بن سلمان

قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال مشاركته في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار"، الذي جرى يوم الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض بحضور كبير لرجال الأعمال والإعلاميين، ردا على سؤال بشأن النهج الأكثر انفتاحا الذي تتخذه المملكة مؤخرا: "إن السعودية لم تكن كذلك قبل العام 1979 السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع صحوة بعد عام 1979، لأسباب كثير ليس من مجال اليوم ذكرها، فنحن لم نكن بهذا الشكل في السابق" ثم قال:

"إننا فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وجميع التقاليد والشعوب"

 

امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن هذا التصريح والاحتفاء به وذم الصحوة وتعليق جميع مساوئ المجتمع عليها. فالصحوة كانت سببا في التخلف، وكبت المجتمع، وتجريد المرأة من حقوقها، ومصائب أخرى كثيرة. ليظهر السياسي بريئًا من كل التبعات التي عاناها المجتمع في العقود الأخيرة، فالصحوة هي أساس البلاء، وبنبذها يتحقق للمجتمع كل خير ورفاه. ونحن نقوم في هذا المقال باختبار صدق هذه الإدعاءات بالعودة إلى تاريخ المملكة قبل التاريخ المعين (1979) لنرى "الوسطية الدينية والاعتدال والانفتاح على العالم وجميع الأديان" التي رعتها الدولة وساهمت في شيوعها بإضفائها عليه وصف الرسمية وتسخير أجهزتها له.

 

ولعل أقصر طريق يمكننا من خلاله الوصول إلى اختبار صدق هذه المقولة هو دراسة آثار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله المفتى العام للمملكة العربية السعودية والشخصية الدينية الأولى في البلاد. فالشيخ كان بذاته ممثلًا للمرجعية الدينية بلا منافس للمناصب التي تولاها من الافتاء، ورئاسة القضاء، ورئاسة المعاهد العلمية والكليات، ورئاسة رابطة العالم الإسلامي، وتشكيله لهيئة كبار العلماء وغيرها من المناصب، وفي الجملة فقد كان الرجل "راعيًا للدين" حسب الاتفاق المبرم بين جده محمد بن عبدالوهاب، ومحمد بن سعود. يقول محمد بن قاسم محقق فتاوى الشيخ بن إبراهيم "وبعبارة عامة فقد كان له رحمه الله الإشراف التام على جميع الشؤون الإسلامية داخل المملكة وخارجها مما يتصل بالمملكة العربية السعودية وتعنى بتوجيهه"

 

بعد الاستماع لكلمة ولي العهد بحثنا بالفتاوى عن الإسلام الوسطي المعتدل فلم نجد إلا نقيض ما سمعناه، ووجدنا الحركة الصحوية مجنيًا عليها حيث نشأت بجوّ تديّن وفتاوى رسمية بغاية التشدد والتضييق
بعد الاستماع لكلمة ولي العهد بحثنا بالفتاوى عن الإسلام الوسطي المعتدل فلم نجد إلا نقيض ما سمعناه، ووجدنا الحركة الصحوية مجنيًا عليها حيث نشأت بجوّ تديّن وفتاوى رسمية بغاية التشدد والتضييق
 

وإذن نكون برجوعنا إلى دراسة موروث الشيخ

"نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وجميع التقاليد والشعوب."

 

فقد توفي الشيخ رحمه الله قبل التاريخ المرسوم لانبعاث الصحوة بعشر سنوات، حيث توفي عام 1969.

 

وقد عدنا بعد الاستماع لكلمة ولي العهد إلى مجموع الفتاوى للشيخ محمد بن إبراهيم وأخذناها مجلدًا مجلّدًا (وهي في 13 مجلد) لنبحث عن الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وجميع التقاليد والشعوب فلم نجد إلا نقيض ما سمعناه، ووجدنا الحركة الصحوية مجنيًا عليها حيث نشأت في جوّ تديّن وفتاوى رسمية في غاية التشدد والتضييق، فخالفت ما كانت عليه صحوات دينية أخرى في بلدان عربية مختلفة.

 

ونحن نعرض عليكَ ما انتهى إليه استعراضنا لفتاوى المفتى العام والمرجعية الدينية الرسمية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله من قبل بعث الصحوة.

 

نفتتح أولًا بأفضلية أهل نجد وخيريتهم:

"وأهل نجد أعظم الناس حفظا لحقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم خير من جميع النواحي فإنه لم يوجد إطباق على الخير مثل إطباق أهل نجد." (المجلد الأول للفتاوى ص73).

 

جاهلية جديدة ومسلمون بدون إسلام؟

"وقال: إسلام الأكثر إسلام اسمي، فإن أكثر المنتسبين إليه في هذا الوقت يقال لهم مسلمون اسمًا، ضد اليهود والنصارى" (المجلد الأول من الفتاوى ص77).

 

امتحان الناس في عقائدهم حتى مع شهادتهم بالشهادتين وأدائهم الفرائض! مسكين يا فاضل الدين:

الانحناء عند التحية حرام إن قصد به السلام، وأما إن قصد به العبادة فكفر (الفتاوى م1 ص109)

"يشترط في القصاب فاضل الدين أن يكون مسلمًا صحيح المعتقد ينكر جميع الخرافات كعبادة القبور وغيرها مما يعبد من دون الله وينكر جميع المعتقدات والبدع الكفرية كمعتقد القاديانية والرافضة والوثتية وغيرها ولا يكتفي في حل ذبيحته بمجرد الانتساب إلى الإسلام مع عدم الشروط التي ذكرناها… ويعتبر في ثبوتها نقل عدل ثقة يعلم حقيقة ذلك من هذا الرجل وينقله الثقة عن هذا العدل حتى يصل إلى من يثبت لديه ذلك حكما ممن يعتمد على ثبوته عنده شرعا" (الفتاوى م1 ص78).

 

صيغة موحّدة للتحية والسلام!

"الانحناء عند التحية حرام إن قصد به السلام، وأما إن قصد به العبادة فكفر" (الفتاوى م1 ص109).

 

كيف سيتم لهيئة الترفيه أداء مهامها مع هذه الفتوى الرسمية؟

"وأما اختلاط الرجال بالنساء سافرات الوجوه فلا شك في تحريم ذلك وأنه أعظم وسيلة إلى الفاحشة" (الفتاوى م1 ص 126).

 

في رثاء التنمية البشرية:

"من قال تجب الثقة في النفس؟ لا تجب ولا تجوز الثقة في النفس، وفي الحديث ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، من يقوله؟ أخشى أن هذه غلطة منك، لا أظن أن إنسان له عقل يقول ذلك" (الفتاوى م1 ص 170).

 

شركٌ يعني شرك!

"قول العامة توكلت عليك يا فلان؟ ج. هذا شرك." "متوكل على الله ثم عليك يا فلان؟ ج. شرك" (الفتاوى م1 ص170).

 

من سماحة المفتي العام إلى نقّاد شيوخ الصحوة:

"ثم نعلم هنا أن الذين من شأنهم الاستهزاء بأهل الدين هذا قد يصل إلى الكفر الذي يكون ديدنه -لايسمع بأحد أهل الخير إلا وتكلم فيه- فهذا لا يكاد يصدر إلا من منافق" (الفتاوى م1 ص 175).

 

الفنون الجميلة:

"تحريم الصور الرسم والنحت" (الفتاوى م1 ص179-180)

"فالشريعة منعت من التصوير مطلقًا حتى الذباب" (الفتاوى م1 ص 189)

 undefined

طفولة من غير باربي وفُلّة:

"تحريم ألعاب الأطفال من الدمى" (الفتاوى م1 ص181)

 

اطفئ الكميرا:

"تحريم التصوير الشمسي لذوات الأرواح سواء بظل أو بدون ظل" (الفتاوى م1 ص 183)

 

القاضي في قفص الاتهام:

"مراقبة القاضي محمد الفاسي المكي في دعوته للطريقة الشاذلية وأنها طريقة بدعية خارجة عن الدين الإسلامي" (الفتاوى م1 ص266)

 

الانفتاح الديني المفقود:

"ونفيدكم أن دخول القيادينيين إلى المملكة العربية السعودية محظورا حظرًا باتا ومشددا فيه تشديدا بليغا.. وقد عثر على شخص من تلك الطائفة الخبيثة منذ سنتين دخل خلسة فأمرت الحكومة بطرده فورًا" (الفتاوى م1 ص 265)

 

لابدّ من صنعاء وإن طال السفر:

ليس من حق النساء الأذان أبدا … أما على أصل النصارى المخذولين فإنهم يرون للنساء مراتب عالية (الفتاوى م2 ص113)

"طرد يماني يفتي بمذهب الظاهرية" (الفتاوى م2 ص22)

 

المنع دائمًا مقدّم:

"سؤال سائل عن حكم فتح حمام بخاري يكون خاصا بالرجال مع مراعاة الآداب الشرعية؟ ج. لا نرى أن يفتح هذا الحمام لأن الضرر سيكون أكبر من النفع" (الفتاوى م2 ص 82)

 

موعظة للنسويات الحكوميات:

"ليس من حق النساء الأذان أبدا … أما على أصل النصارى المخذولين فإنهم يرون للنساء مراتب عالية" (الفتاوى م2 ص113)

 

موت الموضة وغير الموضة:

تحريم القمصان النسائية المستوردة وحمالات الثديين والبنطلونات الخ (الفتاوى م2 ص 160)

تحريم لبس الكرته للنساء وللقاريء غير الخليجي فليسأل قوقل عن الكرته فإنه يعرفها (الفتاوى م2 ص 166)

 

اغلق عيادتك وإلا..:

"التوجيه بإغلاق العيادات الطبية وقت الصلاة" (الفتاوى م2 ص273)


الطبيب تحت السوط:

"التعزير لإغلاقه العيادة على نفسه وقت الصلاة" (الفتاوى م2 ص274)

 

الصلاة وسط مُخبرين:

"التوجيه بمراقبة المتخلفين عن صلاة الفجر جماعة ورفع أمرهم للهيئة" (الفتاوى م2 ص277)

 

الوسطية:

"تعزير شخص ترك صلاة الجماعة" (الفتاوى م2 281)

"يصدّق إذا قال صليت في بيتي ويؤدّب" (الفتاوى م2 ص282)

 

محنة الشعب ليس مع الصحوة، وإنما مع التسلط السياسي الذي سلّط الدين عليها حينا ويريد أن يسلّط الانفتاح عليها حينًا آخر
محنة الشعب ليس مع الصحوة، وإنما مع التسلط السياسي الذي سلّط الدين عليها حينا ويريد أن يسلّط الانفتاح عليها حينًا آخر
 

"إنما للانفتاح حدود":

"لا تجوز إمامة الأشعري لسني" (الفتاوى م2 ص298)

 

سماحة مين؟:

"تحريم تقديم الهدايا للمسيحين في أعيادهم" (الفتاوى م3 ص105)

"منع استنابة شيعي عن سنية في الحج عنها" (الفتاوى م5 ص202)

 

وطن بلا عيد؟!:

"تحريم العيد الوطني" (الفتاوى م3 ص107)

 

يا شيخ!:

تحريم العرضات (الرقصات الشعبية) في الأعياد (الفتاوى م3 ص 124)

"فصل ثلاثة موظفين شربوا الدخان في رمضان من وظائفهم" (الفتاوى م4 ص189)

 

الأخ الكبير يراقبك:

"الأمر بتعزير من سُمع في بيته صوت منكر وإن لم يره أحد" (الفتاوى م6 ص176)

 

عصمة رجال الهيئة:

عقد شيعي على سنية عقد غير صحيح لعدم الكفاءة الدينية لأن الشيعة ليسوا أكفاء للسنة (الفتاوى م10 ص 119)

"التوجيه برد طعن من متهم لرجال الحسبة وجعل شهادة أهل الحسبة من البينات التي لا تقبل الدعوى فيها" (الفتاوى م6 ص179)

 

شغب على المسرح:

"جواز إتلاف آلات اللهو والتصاوير المجسمة" (الفتاوى م6 ص 185)

"وجوب اتلاف آلات اللهو" (الفتاوى م8 ص 170)

 

أين مكتب الهجرة؟:

"البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام ويجب الهجرة منها" (الفتاوى م6 ص 188)

 

اللطف الممنوع:

"المنع من مصافحة غير المسلمين لكونها من زيادة اللطف معهم" (الفتاوى م6 ص253)

 

"باقي السينما يا محمد":

"ولهو السينما يفوق كل لهو وهو حرام" (الفتاوى م7 ص8)

"من أعظم المعاصي استعمال الملاهي: من فتح السينما" (الفتاوى م10 ص 253)

 

نيوم بلا رائحة:

"تحريم الكلونيا بيعا وشراءً وتطيّبا" (الفتاوى م7 ص12)

 

وداعًا جافا تايم:

"منع إحداث مقهى أمام البيوت" (الفتاوى م7 ص264)

"منع المقاهي إذا كانت مقرا للهو والبطالة" (الفتاوى م10 ص260)

 

وكاس العالم؟!

"المنع المطلق لكرة القدم" (الفتاوى م8 ص120)

 

لعبة أمي المفضلة:

"توجيه بمنع لعبة الكيرم" (الفتاوى م8 ص130)

 

الأكل من اللحمة الوطنية:

منع النساء السافرات الأجنبيات من الخروج إلى الشوارع (الفتاوى م10 ص44) ومهنة البيع لا يتولاها النساء الفاتنات (الفتاوى م10 ص 49)

"ورافضة هذا العصر مرتدون عبدة أوثان، فيدخلون في هذا الحكم، لكن إذا ألزموا بالإسلام والتزموه وتركوا الشرك ظاهرا فالظاهر أن حكمهم حكم المنافقين" (الفتاوى م8 ص189)

"لا يجوز الإذن للشيعة ببناء مسجد لهم" (الفتاوى م9 ص56)

 

العشق الممنوع:

"عقد شيعي على سنية عقد غير صحيح لعدم الكفاءة الدينية لأن الشيعة ليسوا أكفاء للسنة" (الفتاوى م10 ص 119)

 

شوارع بلا جميلات:

"منع النساء السافرات الأجنبيات من الخروج إلى الشوارع" (الفتاوى م10 ص44)

"مهنة البيع لا يتولاها النساء الفاتنات" (الفتاوى م10 ص 49)

 

خلوة وجمع! كيف؟!:

"الخلوة بجمع نسوة؟ ما يصلح الشيطان غير مأمون" (الفتاوى م10 ص50)

 

أوبر وكريم منكران:

"ركوب النساء في سيارات الأجرة التاكسي منكر" (الفتاوى م10 ص52)

 

يريد السياسي أن يلقي بأخطائه على أصدقاء الأمس وغرماء اليوم، لم تكن الصحوة هي الإشكال ولن تكون إشكالًا لو امتلك الشعب حرية الاختيار من غير إكراه وإجبار
يريد السياسي أن يلقي بأخطائه على أصدقاء الأمس وغرماء اليوم، لم تكن الصحوة هي الإشكال ولن تكون إشكالًا لو امتلك الشعب حرية الاختيار من غير إكراه وإجبار
 

"إننا فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وجميع التقاليد والشعوب"!

لقد كانت الفتاوى من المؤسسة الدينية الرسمية التي يرعاها السياسي بهذا الشكل المخيف في الانغلاق وفرط الاحتياط والتضييق على الناس في الفتوى من قبل أن تنبت لحى مشايخ الصحوة. فمحنة الشعب ليس مع الصحوة، وإنما مع التسلط السياسي الذي سلّط الدين عليها حينا ويريد أن يسلّط الانفتاح عليها حينًا آخر، فمتى انحلت عقدة التسلط استقام أمر الناس وعاشوا عيشةً طبيعية.

 

يريد السياسي أن يلقي بأخطائه على أصدقاء الأمس وغرماء اليوم، لم تكن الصحوة هي الإشكال ولن تكون إشكالًا لو امتلك الشعب حرية الاختيار من غير إكراه وإجبار. لقد حاولت الصحوة ممثلة في رؤوسها أن تخرج مرةً عن النسق الديني الرسمي في حرب الخليج فدونوا الفتاوى في مخالفة المسار الرسمي الذي يؤيد نظرة السياسي، فزُجّ بهم في السجون، وحين خرجوا انصرفوا عن هم الاستقلال وتوجهوا للعامة ووعظهم، مستفيدين من جوّ التدين العام، فصاروا غرضًا للرمي من الشعب الذي ملّ من الاجتزاء الديني ولم تكن فيه من الشجاعة أن ينتقد السبب الرئيسي ولا الممثل الرسمي، فكتفى بنقد شيوخ لا مخافة من ذمهم وانتقادهم.

 

وأصبحوا اليوم غرضًا للحكومة فألقت عليهم بتبعات حقبة كاملة، فلم يكن من الممكن إلقاء اللوم على الشعب، فهل كانت هذه ضريبة البرنامج الإصلاحي المريح الذي لجأ إليه رؤوس الصحوة؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.