شعار قسم مدونات

حاشية على تجارب الإسلاميين العرب

blogs الإسلاميون

شكّل "الربيع العربي" اختباراً عسيراً للقوى والحركات والتيارات الإسلامية سواء تلك التي وصلت إلى السلطة من خلال الانتخابات أو التي ظلت في المعارضة كحالها منذ عقود. وفي الوقت الذي نجحت فيه بعض هذه القوى في التكيّف مع مخاض وتقلبات "الربيع العربي" كما هي الحال في تونس والمغرب والكويت واليمن، ظلت قوى أخرى على حالها ولم تستطع التأقلم مع الأوضاع الجديدة كما هي الحال في مصر والأردن وليبيا. وفي حين لا يزال بعض الإسلاميين يتعاطى مع ما حدث خلال السنوات الست الماضية وكأن شيئاً لم يتغير، فقد سعى أخرون إلى إحداث تحولات هيكلية سواء في خطابهم أو بنيتهم التنظيمية والإيديولوجية وذلك من أجل البقاء والاستمرار.

 

وقد كشفت تجربة الأعوام الست الماضية مدي تنوع استجابة الإسلاميين للتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وأنه من الصعوبة بمكان إطلاق حكم تعميمي على هذه الاستجابة، أو اعتبارهاً امراً متشابهاً في جميع الحالات. بل على العكس، فإن ثمة فروق واسعة في ردود فعل الإسلاميين على هذه التغيرات، شأنهم في ذلك شأن بقية التيارات والأحزاب السياسية في العالم العربي. وهو ما ينفي عنهم صفة التطابق أو التشابه التام وكأنهم استنساخ لبعضهم البعض.

ومن بين ما كشفته تجارب الأعوام الماضية أيضا هو صعوبة تحويل الشعارات إلى واقع، خاصة في ظل عالم متغير يسير باضطراد نحو الضبابية واللايقين. فالشعارات التي صدّرتها تلك الحركات مثل "الإسلام هو الحل" وإقامة "الدولة الإسلامية" و"تطبيق الشريعة"… إلخ، ظلت جميعهاً حبراً علي ورق بعض وصول بعضهم للسلطة أو مشاركته فيها. والأمر هنا لا يتعلق بالتخلي عن الشعارات كنوع من التنازل من باب الخداع لجماهيرهم، بقدر ما كان الاصطدام بواقع مختلف وأكثر تعقيداً عن ذلك "الحلم" الذي عاش فيه الإسلاميون حين كانوا في المعارضة. وكادت الفجوة بين الشعار والواقع أن تفقد هذه الحركات جمهورها، خاصة في ظل حالة الخصام والعند التي مارستها، ولا تزال، الأنظمة والمؤسسات السلطوية تجاهها.

بدون أن يحسم الإسلاميون مواقفهم من قضايا أصبحت بديهية كالمواطنة والحريات الفردية والدولة الوطنية والديمقراطية، فلا مستقبل لهم ولأفكارهم وشعاراتهم
بدون أن يحسم الإسلاميون مواقفهم من قضايا أصبحت بديهية كالمواطنة والحريات الفردية والدولة الوطنية والديمقراطية، فلا مستقبل لهم ولأفكارهم وشعاراتهم
 

ومن بين ما كشفته تجارب الأعوام الماضية أيضا هو صعوبة تحويل الشعارات إلى واقع، خاصة في ظل عالم متغير يسير باضطراد نحو الضبابية واللايقين. فالشعارات التي صدّرتها تلك الحركات مثل "الإسلام هو الحل" وإقامة "الدولة الإسلامية" و"تطبيق الشريعة"… إلخ، ظلت جميعهاً حبراً علي ورق بعض وصول بعضهم للسلطة أو مشاركته فيها. والأمر هنا لا يتعلق بالتخلي عن الشعارات كنوع من التنازل من باب الخداع لجماهيرهم، بقدر ما كان الاصطدام بواقع مختلف وأكثر تعقيداً عن ذلك "الحلم" الذي عاش فيه الإسلاميون حين كانوا في المعارضة. وكادت الفجوة بين الشعار والواقع أن تفقد هذه الحركات جمهورها، خاصة في ظل حالة الخصام والعند التي مارستها، ولا تزال، الأنظمة والمؤسسات السلطوية تجاهها.

 

كذلك كشفت التجربة أن ثمة فارقاً كبيراً بين إدارة شؤون الحكم والمعارضة. فانعدام خبرة كثير من الإسلاميين في إدارة الشأن اليومي وعدم مشاركتهم في السلطة لفترات طويلة، جعلهم الأقل كفاءة وقدرة على تلبية طموحات شعوبهم ودوائرهم المؤيدة. وهو أمر بقدر ما قد تُلام عليه الأنظمة السلطوية التي لم تسمح لهؤلاء بالمشاركة في إدارة الشأن العام، فإنه لا ينفي افتقاد الإسلاميين لبرامج عمل محددة يمكنها أن تعالج قضايا حياتية كالفقر والبطالة وإدارة الدولة…إلخ.

 

وإذا كان يُحسب دائماً للإسلاميين عدم وقوعهم في الفساد الحكومي والمؤسسي والخاص، فإنه يؤخذ عليهم التركيز على مسألة الطاعة والثقة على حساب الكفاءة والمهارة فيما يخص اختيار قياداتهم وطرق تأهيلهم وتصعيدهم. كما بدا واضحاً، بعد مرور هذه السنوات، أن إدارة الشأن السياسي لا يجب أن تكون من خلال الوعظ وإبداء حسن النية أو نظافة اليد فحسب، وإنما عبر الممارسة والقدرة على الكرّ والفر والتفاوض مع الخصوم قبل الحلفاء.

 

كذلك كشفت تجارب الإسلاميين، أن مسألة الخلط بين النشاطين الدعوي والسياسي لا تضر فقط بهم وبتنظيماتهم وقواعدهم وأداءهم، وإنما أيضا بالحالة السياسية في بلدانهم ككل. وفي الوقت الذي حسمت فيه بعض القوى الإسلامية هذه المسألة كما هي الحال في تونس والمغرب، فإن أقرانهم في المشرق العربي لا يزالون على حالهم. وهي مسألة على بداهتها وأهميتها، لا تزال محل نقاش وجذب داخل بعض الحركات بشكل يعكس عدم نضج وافتقاد للقدرة على التعلم من التجربة.

 

رغم موجة القمع والاقصاء التي يتعرض لها كثير من الإسلاميين العرب، إلا أنهم لا يزالون رقماً صعباً في معادلات السياسة العربية، وهو وضع قد يسمح لهم ببعض من المناورة، لكنه قطعاً لا يضمن لهم النجاح بها

كما كشفت التجربة أيضا أن تماسك الإسلاميين له حدود. وأن مسألة الانتماء الحزبي والتنظيمي مرتبطة بالقدرة على الإنجاز وليس فقط الإخلاص والالتزام الديني. كما بيّنت أن الصمت على أخطاء ورعونة القيادات في إدارة الملفات السياسية والتنظيمية، قد يودي بالحركة كلها ويرفع كلفة ممارسة أعضاءها للعمل العام. وكشفت أيضا أن مبدأ الطاعة والولاء والتسليم للقيادات بحجة شرعيتها التاريخية والتنظيمية لم يعد كافياً لمنحها صك علي بياض كي تفعل ما تشاء دون حساب. كما أن الشراكة في إدارة شؤون الحركة وصنع قراراتها لم تعد مسألة شكلية وإنما باتت ضرورة. لذا فقد شهدنا تشققات وانقسامات غير مسبوقة في أكثر من جماعة وحركة كما هي الحال مع إخوان مصر والأردن.

 

ومن بين ما كشفته التجربة أيضا، أنه بدون أن يحسم الإسلاميون مواقفهم من قضايا أصبحت بديهية كالمواطنة والحريات الفردية والدولة الوطنية والديمقراطية، فلا مستقبل لهم ولأفكارهم وشعاراتهم. نقول ذلك ونحن على وعي بأن كثير من أقرانهم في التيارات المدنية ليسوا أفضل حالاً منهم. ولكن يبدو الأمر مختلفاً مع الإسلاميين ليس لحجم تأثيرهم السياسي والمجتمعي فحسب، وإنما أيضا بسبب تصدرهم للمشهد السياسي في أكثر من بلد عربي ووقوعهم تحت ضغوط دوائر داخلية وخارجية تتربص بهم.

 

ما سبق يطرح تحديات عديدة أمام الإسلاميين، وذلك في ظل مناخ محلي وإقليمي ودولي متغير يحمل من اللايقين والضبابية ما لم يشهده العالم من قبل بحيث لم تعد هناك قواعد ثابتة للسياسة، وإنما بات الأمر مفتوحا على جميع الاحتمالات. ويزداد الأمر صعوبة مع صعود التيارات الراديكالية والمتطرفة شرقاً وغرباً. فظهور تنظيمات عدمية مثل "داعش" و"القاعدة" وضع بقية الإسلاميين في مأزق دفاعي غير مسبوق. كما أن ظهور اليمين المتطرف في الغرب، وجهله بالفروق الشاسعة بين هؤلاء الإسلاميين، حوّلهم إلى "عدو" جديد يجري العمل على محاصرته وتفكيكه وذلك علي نحو ما يفعل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وحلفاءه من السلطويين العرب.

 

ورغم موجة القمع والاقصاء التي يتعرض لها كثير من الإسلاميين العرب، إلا أنهم لا يزالون رقماً صعباً في معادلات السياسة العربية، وهو وضع قد يسمح لهم ببعض من المناورة، لكنه قطعاً لا يضمن لهم النجاح بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.