شعار قسم مدونات

هكذا يؤتمن الخائن.. ويخون الأمين

blogs - السيسي ومرسي

يحاكم مرسي منذ بداية الانقلاب 2013 بتهمة الخيانة والتخابر مع جهات أجنبية، جيشت وسائل الإعلام شياطينها واستفزت من استطاعت بصوتها وجلبت على المصريين بخيلها ورجلها، وشاركتهم في الكذب والافتراء، ووعدتهم بوردى الأحلام إن تخلصوا من الرجل، وما وعدتهم إلا غرورا.

 

رأيت الأحداث تعرض في سياقها الأصلي نهارا، في برلمان أو في لجنة إعداد دستور، فكان الناس يزهدونها، ويلهثون خلف برامج ساخرة ليضحكوا ملء شدقيهم في المساء والسهرة، غير آبهين إن كان ما يقال صدق أم كذب، مقتطع أم موصول في سياقه. عند كل منعطف كانوا يحارون أي اتجاه يسلكون، فكان الاعلام بوصلتهم، التي توجهه حيث شاءت قلوبهم، فتفسر لهم الأمور كما تشتهى أنفسهم، وتضع على ألسنتهم حجج ما كانوا ليصلوا إليها ولو بشق الأنفس، ليدللوا على ما لا برهان عليه سوى في عنابر العقلاء.

  
قالوا على مرسي أنه باع سيناء للفلسطينيين ولحماس! وأتساءل، ما المنفعة التي قد يجنيها ببيعه هذا؟ ماذا تملك حماس لتمنحه إياه في المقابل؟ وكيف يدعم قضيتهم ومقاومتهم كي لا يفرطوا في أراضيهم وفي نفس الآن يريد أن يملكهم سيناء! وبأي عقل نستطيع أن نتقبل حقيقة أن عشرين ألفا هم العدد التقديري لمجندي حركة حماس بأسلحتهم البدائية سوف يتخطوا جيشا تعداد قواته البرية فقط 470 ألف جندي، و800 ألف جندي احتياط ومزود بترسانة أسلحة، جيشا هو ال 13 على مستوى العالم والأول عربيا وإفريقيا، يتخطاه ليقتطع جزء منه ليوطن فيه حوالي 2 مليون نسمة هم عدد سكان غزة! وبأي منطق يمكن أن نتصور أن رئيس مدني منتخب حديثا لم يكمل في مكتبه عامه الأول يقوم بمثل هذا الفعل متجاهلا جيش يتصيد له الخطأ، وشعب في حالة هياج إثر ثورة!

 

لم يحطم مرسي أنفاقا بين مصر وغزة ولم يغرقها، لم يصنفه العدو كبطله المغوار، لم يقف مرسي يوما ليباهي بأنه يعترف بالكيان كدولة، لم يتنازل عن جزيرتين هما عمق استراتيجي له يؤمنان حدوده

قالوا أنه فعل ذلك كسبا لود العدو والدليل "عزيزى بيريز" تلك الديباجة المطبوعة التي ترسل من قبل كل رئيس جمهورية مصري لرئيس الكيان، والتي اختارها الإعلام لتكون دليلا دامغا على خيانة مرسي. وليخبرونا اليوم، بأي صيغة ترسل رسائل الرئيس المنقلب بعد إعادة افتتاح السفارة الإسرائيلية في مصر وحمايتها، وزيارة نتينياهو للاتحادية في جنح الظلام، واللقاء الحار الذي تم على هامش زيارة سيادته للأمم المتحدة!

 
مرسي الذي انتفض وقت ضرب غزة وقال "لن نترك غزة وحدها، وأن الذين يعتدون لن يكون لهم سلطان على أهل غزة، وأن مصر والعرب والمسلمين اليوم مختلفون تماما عنهم بالأمس"، مرسي الذي تجاهل ذكر اسم الكيان منذ توليه وحتى الانقلاب عليه، حتى ما ذكر عن أنه اشترك في صفقة تخليق وطن للفلسطينيين في سيناء ما كان إلا لتتعود أذن المواطن المصري على الفكرة بحيث إذا جاء من ينفذها يكون قد اكتسب بلادة فلا تتحرك فيه شعرة حينئذ.

 
لم يحطم مرسي أنفاقا بين مصر وغزة ولم يغرقها، لم يصنفه العدو كبطله المغوار، لم يقف مرسي يوما ليباهي بأنه يعترف بالكيان كدولة، لم يتنازل عن جزيرتين هما عمق استراتيجي له يؤمنان حدوده، لم يهجر أهل سيناء ولم يهدم منازلهم ويشردهم، لم يخل خط الحدود بيننا وبين أخوتنا ويضع العراقيل، بينما يأمن جانب العدو ليعلن أنه في شراكة معه للحرب على إرهاب ما كنا نعرف عنه لولا أن أتانا بالخوف، لم يرق دم هذا العدد من الجنود على أرض سيناء حين كان مرسي رئيسا، لم تحتف صحافة الكيان يوما بخطابات مرسي كما تحتفي بخطابات من انقلب عليه لأنه قبل ما رفضه مرسي حين طلب منه أوباما أن يظهر فقط أما الجميع مصافحا نتنياهو وأن يدعو لاستكمال مفاوضات السلام.

 
واليوم، وبعد أن اعتاد الناس جملة توطين الفلسطينيين في سيناء، وبعد أن أنسوهم أن قضية فلسطين هي قضية دين وهوية، وبعد أن سمموا حقائق كانت مسلمات لديهم وكذبوا فقالوا إن الفلسطينيين باعوا أرضهم للكيان، وبعد أن نوموا ضمائرهم بغاز الخيانة، تتم صفقة القرن على مرأى ومسمع من هؤلاء الذين باعوا شرعية ديمقراطية وثورة طاهرة مقايضة بجنزير دبابة وبياده ارتدوها قبعات على الرؤوس، ولكن اليوم لا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.