شعار قسم مدونات

بين الديمقراطية الغربية والشورى الإسلامية

Blogs- man
الديمقراطية، هي ذلك النظام العالمي الذي تنشده المجتمعات، وللأسف كثير من هذه الدول والمجتمعات يحتاج إلى إعادة تفكير وبحث في مفهوم هذا المصطلح، خاصة تلك الدول التي تدين بالإسلام، إذ إن هذا المصطلح قد يتناقض عند التحقيق مع الثقافة الإسلامية. والحديث هنا عن الديمقراطية بمفهومها الغربي لا عن الديمقراطية بمجرد أنها تعني المساواة والحرية وتداول السلطة، بل الديمقراطية الغربية التي هي أيديولوجية لها موقف معين من الدين لا يتناسب مع ثقافتنا الإسلامية. ويتضح ذلك من خلال العلاقة بين الديمقراطية الغربية والعلمانية.

فالعلاقة بين العلمانية والديمقراطية علاقة توافق وتكامل، فالعلمانية مذهب يهدف إلى إبعاد الدين عن الحياة بعزله والديمقراطية الغربية ترمي إلى إسناد السلطة العليا للأمة دون الرجوع لسلطة الوحي وتعطي الحرية الكاملة للشعب ليشرع ما يشاء ولو كان مخالفاً للشريعة.

وكما أن الاشتراكية والرأسمالية هي الوجه الاقتصادي للعلمانية، فإن الديمقراطية هي الوجه السياسي، والعلاقة بين العلمانية والديمقراطية تظهر جلية (إذا علمنا أن نظرية العقد الاجتماعي التي تمثل الأساس الفلسفي لنظرية السيادة التي تقوم عليها الديمقراطية كانت في نفس الوقت تمثل الركن الأساسي في فكر زعماء الثورة الفرنسية التي أقامت دولة علمانية لأول مرة في تاريخ أوروبا المسيحية).

يرى أفلاطون في أن الطغيان ينشأ عن الديمقراطية، فالحرية المطلقة، والثورة والتمرد إزاء كل ضغط، والمساواة بين غير المتساويين، تتحول أمامه الديمقراطية إلى دولة الاستبداد

كما أنه معلوم للقاصي والداني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام دولة في المدينة واتسعت رقعتها وكذلك الخلفاء من بعده وكان لدولة الإسلام (دولة الخلافة) مكانتها واقتصادها وجيشها ولم تحتكم إلا للشريعة الإسلامية ولم يكن نظامها قائماً على مبادئ الديمقراطية الغربية بل انتهجت النصوص الشرعية، وتركت الأمور التي تتطلب الاجتهاد إلى أهل الحل والعقد من المختصين.

فلا يجوز أن توضع مسائل قطع الشرع فيها مثل حرمة الربا أو الزنا لتتم المناقشة فيها، هل يسمح أو لا يسمح بها لأن الله تعالى يقول (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) الرعد 41 وقال سبحانه (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف 26 ولكن (لا بأس أن نسن النظم الإدارية – مثلاً – التي تتم بها مصلحة العباد ولكن دون مخالفة أو مصادمة مع الشرع الحنيف مثل قانون المرور أو قانون الجند والدواوين الذي أنشأه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه والواجب علينا التفريق بين النظام الشرعي والنظام الإداري لأن كثيرا من الناس يخلطون بينهما).

الديمقراطية والاستبداد والأصل المشترك

يرى أفلاطون في كتابه (الجمهورية) أن الطغيان ينشأ عن الديمقراطية، فالحرية المطلقة والفوضى وعدم احترام القوانين، والثورة والتمرد إزاء كل ضغط، والمساواة بين غير المتساويين، لهذه الأسباب تتحول الديمقراطية إلى دولة الاستبداد، حيث يقول أفلاطون في هذه الصدد: (هكذا تنشأ الحكومة الاستبدادية بطريقة طبيعية من الحكومة الديمقراطية، أي أن الحرية المتطرفة تولّد أكمل وأفظع أنواع الطغيان) أما الديمقراطيون فإنهم يضعون كلمة (ديكتاتورية) مقابل كلمة ديمقراطية ولذا فهم يصفون الإسلام الحقيقي (بأنه نظام ديكتاتوري بطبعه لأن الدولة فيه تملك سلطة رادعة ويزيد الأمر سوءاً – على حد زعمهم – أنها تملكها باسم الدين، فمن أين جاؤوا بهذا القول الغريب على الدين؟ أمن قول القرآن (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى 38 وقوله (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْن النَّاس أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) النساء 58. أم من قول أبي بكر (فإذا وجدتم فيّ اعوجاجاً فقوموه).

الشورى في الإسلام تبني على الرأي لا على العدد.. بينما الديمقراطية على غير ذلك ولا اعتبار فيها لوجود أهل الحل والعقد بل يكون الرأي فيها لمن تم اختيارهم في المجالس النيابية
الشورى في الإسلام تبني على الرأي لا على العدد.. بينما الديمقراطية على غير ذلك ولا اعتبار فيها لوجود أهل الحل والعقد بل يكون الرأي فيها لمن تم اختيارهم في المجالس النيابية
 

تهدف الديمقراطية الغربية فرض نظام عالمي ملزم؛ فالدول التي تتحول إلى الديمقراطية الغربية تصبح جزءا من النظام الغربي يسهل السيطرة عليه والتحكم فيه، ويؤكد ذلك باحث غربي بقوله: فالحروب في العراق وأفغانستان إن هي إلا جزء واحد من جهد يفترض أن يكون عالمياً لخلق نظام عالمي عبر نشر الديمقراطية، وليست هذه الفكرة محض خيال فحسب، ولكنها أيضاً تنطوي على خطر كبير فالخطاب المحيط بهذه الحملة يتضمن أن النظام قابل للتطبيق في شكل غربي مقيّس وأنه يمكن أن ينجح في كل مكان. ويمكن تحديد مجموعة من القضايا التي توسع البَون بين الشورة والديمقراطية الغربية فيما يلي:

الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في الإسلام، أما في الديمقراطية؛ فالسيادة في التشريع تكون للشعب، ومعنى السيادة للشعب: (أي هو سيد السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية، فالسلطة التشريعية فيها يشرع الشعب ما يريد ولو خالف حكم الله، والسلطة القضائية فيها يقضي الشعب بما شرعه، والسلطة التنفيذية فيها ينفذ الشعب ما قضى به) فإذا ارتضى تقنين وضع معين فله الحق في ذلك وليس لأي سلطة أن تمنعه، ولذا فإن مفهوم الديمقراطية عند شيريل بينارد (من خبراء مؤسسة راند) يعني رفض مفهوم الدولة الإسلامية، وقد جاء ذلك في تقرير مؤسسة راند الأمريكية لعام 2007م عن الشبكات المعتدلة في الإسلامية، وأنه ينبغي أن يظل الإسلام وصفاً شخصيا للفرد بشرط ألا يتعارض مع حقوق الإنسان والقانون الدولي.

تقول دراسة العالم المسلم بعد 11 / 9 "وهي دراسة صادرة عن هذه المؤسسة: السمة المميزة للدولة الإسلامية تقوم على أن السيادة ليست مستمدة من الشعب وإنما من الله، وأن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون السلطة القانونية العليا في البلاد"، ولأن هذه ميزة للدولة الإسلامية، والإسلام دين يدعو إلى الوحدة دائماً بخلاف الديمقراطية القائمة على تعدد الأحزاب السياسية لضمان مسار الديمقراطية الحقيقي فإن المشروع الديمقراطي الغربي دائماً يسعى إلى إبعاد الإسلام عن السياسة، ذلك لأن "الديمقراطية والدين ينتميان إلى عالمين متناقضين".

تمارس الشورى تحت مظلة سيادة الشرع؛ فإن أحلوا حراماً أو حرموا حلالاً لم يكن لهم ذلك لأن السيادة للشرع لا للأمة إن خالفت أصلاً من الأصول أو غيرت في حكم شيء لا يقبل الاجتهاد

2- الأكثرية ليست مصدراً للتشريع

يقول الله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (يوسف: 40) ويقول (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
– وقد وضح القرآن أن الأكثرية ليست دليلاً على الحق فقال (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) وقال (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) وقال (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)
– أمر القرآن برد الأمر المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة لا إلا رأى الأكثرية فقال (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ).
– كما أن تقنين القوانين من خلال النظر في الأدلة يكون من مهام أهل الحل والعقد في الإسلام قال تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)
وما ينبغي أن ترد الأحكام إليهم هم أحل الحل والعق على قلتهم لأنهم أهل الخبرة والعلم

3- الشورى ليست الديمقراطية

الشورى هي أخذ رأي الآخر في أمور، يقول شاورته واستشرته أي طلبت رأيه في أمر ما وهي بالمفهوم اللغوي تشمل كل تشاور بين الأفراد والجماعات في أي مسألة وفي أي موضوع وفي اصطلاح الفقهاء أخذ رأي الرعية في قضايا الحكم والسياسة في إطار شرع الله تعالى وفق خطة مقصودة ومن الفروق بينها وبين الديمقراطية الغربية:
1- الشورى في أمور المسلمين تكون في غير ما هو قطعي لا مجال للنقاش فيه من الأحكام الواردة في القرآن الكريم بينما الديمقراطية تتيح حق الشعب فى إقرار ورفض ما يشاء.
2- الشورى في الإسلام تبني على الرأي لا على العدد.. بينما الديمقراطية على غير ذلك ولا اعتبار فيها لوجود أهل الحل والعقد بل يكون الرأي فيها لمن تم اختيارهم في المجالس النيابية على حسب الأعداد الناخبة يستوى في ذلك من اختير عصبية ، ومن اختير بالتدليس على العامة.

3- تمارس الشورى تحت مظلة سيادة الشرع؛ فإن أحلوا حراماً أو حرموا حلالاً لم يكن لهم ذلك لأن السيادة للشرع لا للأمة إن خالفت أصلاً من الأصول أو غيرت في حكم شيء لا يقبل الاجتهاد، أما الأمور الاجتهادية فهي التي يكون فيها الشورى حسب آراء المختصين من أهل الحل والعقد
4- ترتبط الشورى وتحكيم الشريعة بالعقيدة، من حيث مراقبة الله تعالى وقول ما يرضيه، وعدم كتم الرأي النافع للأمة وما يعود عليها بالمصالح ودفع المفاسد ، وهذا الارتباط غير موجود فى الديمقراطية، بل إن الديمقراطية الغربية تدعو إلى استبعاد كل ما يعد سلطة دينية على القوانين والتشريعات.
.. يتبع

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.