شعار قسم مدونات

عن رواية "كن خائنا تكن أجمل"!

مدونات - زواج خيانة حب خطوبة

على ظهر الرواية كتب الروائي نصيحة للمقبلين على الزواج بأن لا يقرؤوا الرواية، وقال إنه كتب ذلك ليبرئ ذمته أمام الله، فالرواية بحسب اعتقاده قد تحدث في أنفسهم صراعات نفسية لا فكاك لهم من أثرها! هلا تنازل الروائي قليلا عن يقينه الجازم بقدرته الخارقة على قلب رؤوس القراء والعبث بنفسياتهم وتحويل مجرى عواطفهم وتغيير نظرتهم للأمور المتعلقة بالحب والزواج والخيانة؟! هلا ترفق قليلا وقدم ذلك اليقين الجازم كتردد بندولي يراوح بين رغبته في التعبير ومظنة الأثر السلبي لذلك التعبير؟!
 
قد تستغرق قراءة الرواية ثلاث ساعات، وربما أقل، لكن كاتب هذه السطور أحب أن يأخذ وقته ليستجمع ما يريد الحديث عنه في هذه المقالة المختصرة. خمس وقفات مع الرواية تتناول عدة جوانب، أولها شخصية البطل، وثانيها أحداث الرواية، وثالثها التشويش الذي أحدثته الرواية حول مفهوم الخيانة، ورابعها التعاطي الطفولي مع مبدأ عقدي هو مبدأ القصاص الإلهي من الظالم، وخامسها الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية، وهي ليست أخطاء طباعية كما قد يحتج البعض.
 
بطل الرواية رجل بكل ما تحمل الكلمة من معنى وفارس بكل ما ترتقبه أية فتاة من فروسية! وشخصيته يمكن أن نلتقيها على أرض الواقع، وإن كان وجودها نادرا! فشخصية بطل الرواية بما تحمله من إقبال على الناس بكل الحب، ويد ممدودة لهم بكل خير، وتأهب لتقديم المساعدة دون كلل أو ملل حتى لو كانت على حساب راحته الشخصية، وتلازم المساعدة مع الابتسامة والمزاح والدعابة، وإشعار من يحتاج للمساعدة بأن مساعدته لم تكن عبئا بل كانت رفقة وتسلية. كل هذه الصفات الطيبة يمكن توافرها في شخصية ما، حتى لو اعترض القراء على منطقية هذه التركيبة النفسية، فلن أقول كل يرى الأمور بعين طبعه، بل كل يزن الأمور بحصيلة تجربته وخبرته، وهم على أي حال -أقصد القراء- ليس لديهم اعتراض على رسم شخصية بهذه الصورة.
 
لكل شخصية معالم رئيسية، ويمكن ملاحظة تلك المعالم في ردود أفعال هذه الشخصية تجاه المواقف الكبيرة، وأظن أن الروائي قد وفق في رسم المعالم العامة لشخصية البطل من خلال المواقف الرئيسية التي توزعت على الرواية منذ اتخذ البطل خطوته الأولى تجاه محبوبته إلى أن توفي وحيدا. لكننني أظن أن الروائي لم يوفق في تعبئة ما يندرج تحت هذه المعالم الرئيسية من تفاصيل فرعية، فالتفاصيل الفرعية لم تكن متناغمة مع بعضها البعض على المستوى الجزئي، ولم تكن متناغمة مع الملامح العامة لهكذا شخصية.
 
على مستوى الأحداث، أظن أن الضرورة الروائية تقتضي تكثيفها في مراحل معينة من الرواية. وبعبارة أدق فإن وقوع حدث انتقالي مهم في الرواية عادة ما يحمل معه تفاصيل جديدة. والحقيقة أن هذه التفاصيل تصبح أكثر جمالا حين تأخذ مكانها في مجريات الحياة اليومية السابقة عليها. وعلى سبيل المثال فإن حدث الخطوبة بين البطلين قد أدخل تفاصيل الزيارة الأسبوعية التي يقوم بها البطل لخطيبته، ولكنه مع الأسف قد أنسى القارئ أن البطلين يعملان كمدرسين في نفس المدرسة، ويريان بعضهما البعض بشكل يومي! كان من الممكن مثلا إثراء الرواية بمزيد من التفاصيل حول جوهما الجديد في المدرسة بعد الارتباط، وكان من الممكن أيضا نقل دردشة وقعت في يوم الأحد عبر فيها البطل عن سعادته بزيارة الخميس الماضي وتشوقه للخميس القادم، وكان من الممكن مثلا الحديث عن حصص فراغ مشتركة ملأها البطلان حبا وغراما، وعن توصيلا ت يومية يحاول البطل إطالة مسافاتها فتعينه البطلة بإبطاء خطاها.

 

لعل التحذير الذي كتبه الروائي على ظهر الرواية، يعيد إغلاق المخرج الذي كان في الأصل ضيقا، ويؤكد مجددا على رغبة الروائي بالتحذير من الخونة ككائنات شيطانية لا تعرف ندما ولا توبة
لعل التحذير الذي كتبه الروائي على ظهر الرواية، يعيد إغلاق المخرج الذي كان في الأصل ضيقا، ويؤكد مجددا على رغبة الروائي بالتحذير من الخونة ككائنات شيطانية لا تعرف ندما ولا توبة

 
الرواية أثارت تشويشا حول مفهوم الخيانة، فقررت بأنها تجري من الخائن مجرى الدم من العروق، فهي لن تفارقه وهو لن يتوب عنها مهما حاول، أو فلأكن أكثر دقة ولأقل أنها روجت لفكرة أن الخائن لن يحاول التوبة مهما أعطي من الفرص. فهو يعيش سعيدا لأنه متلذذ بخيانته ومستمتع بإخفائها خلف طهرية كاذبة ومتقلب في رخاء الأمن الأسري والاجتماعي. وقد عممت الرواية هذه الفكرة لتنسحب على كل من مارس فعل الخيانة، ولو مرة واحدة!
 
ثم في حبكة درامية غير موفقة حاول الروائي الهروب من ترويجه لهذه الفكرة من خلال توكيده على أن صديق بطل الرواية لم يكن سعيدا وهو يخون! إلا أن مخرج الطوارئ الذي فتحه كان ضيقا ولم يكن ليخرجه من مأزق الترويج لتلك الفكرة، فخيانة صديق البطل ليست من نوع خيانة البطلة، فالبطلة خائنة مع سبق الإصرار والترصد وخائنة مع العزيمة على الإنكار والتكرار والتستر! بينما صديق البطل فقد كانت خياناته مجرد فعل ارتدادي متناسب مع هول ما اطلع عليه من سر صديقه الضحية الذي رحل وحيدا بسبب إصراره على التحلي بالشهامة! ولعل التحذير الذي كتبه الروائي على ظهر الرواية، يعيد إغلاق المخرج الذي كان في الأصل ضيقا، ويؤكد مجددا على رغبة الروائي بالتحذير من الخونة ككائنات شيطانية لا تعرف ندما ولا توبة!
 
أراد الروائي بعد ذلك أن يهدئ من روع القراء من خلال الخاتمة البشعة لبطلة الرواية، لكنه لم يوفق في ذلك لأنه شرع يروج لفكرة أخرى خطيرة، وهي فكرة يعشقها الناس عموما، والفكرة هي ضرورة تحقق القصاص الإلهي في الدنيا! وتكتمل صورة تحقق القصاص الإلهي على الأرض حين ترفض زوجة صديق البطل العودة إليه بعد أن تخلص منها، وهكذا يتم حياته وحيدا! ومن الطبيعي لنا كبشر أن نعشق هذه الفكرة، فقد خلقنا من أديم الأرض وتعلقنا بها وأحببنا أن تسوى المظالم ونحن على ظهرها "كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة".
 
أما بالنسبة للأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية فيكفيني الإشارة إلى بعضها وأترك ما تبقى منها للمعجبين بالرواية. من المعلوم أن الأفعال في العربية تسند إلى ما يقارب 14 ضميرا، لكن الروائي بالكاد يعرف منها ثلاثة! كما أن تنوين الفتح لا يوضع على الحرف مباشرة، بل يحتاج إلى ألف تحمله! ناهيك عن كتابة كلمة "اصطدم" بهذا الشكل "استضم"! وهناك وقفات طويلة مع التاءات !

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.