شعار قسم مدونات

"شهيدات الطحين".. كاد شهر نوفمبر أن يكون عظيما!

blogs تدافع بالصويرة

بعد ما عاشه الشعب المغربي من إنجازات وأفراح في شهر نوفمبر الحالي، بفوز الوداد البيضاوي ببطولة دوري أبطال أفريقيا، تأهل المنتخب الوطني لكأس العالم بروسيا وإطلاق قمر اصطناعي "مغربي". صُعقنا في هذا اليوم الكئيب، ككل أيام الأحد، بخبر مقتل ما لا يقل عن 15 امرأة إثر تدافع أثناء توزيع مساعدات غذائية من طرف جمعية.

لكي يكون الخبر أكثر تعبيرا عن مأساة الفاجعة وعن واقعنا المحزن، سأعيد صياغته كما يلي: في هذا الأحد، وبينما نحن نستريح لبداية أسبوع عمل أو أسبوع دراسي جديد، في منزل دافئ، بثلاجة فيها كل ما نحتاج لسد جوعنا، وربما فيها أيضا مواد غذائية لم ولن تُلمس وتُستهلك، اشتُريت بدون حاجة وسننتهي بها في القمامة بانتهاء صلاحيتها. بينما نحن ننعم بكل هذه النعم التي نحسبها عادية، هناك أناس، تجمعوا بأعداد هائلة لكي ينعموا بمساعدات غذائية مجمل قيمتها يقارب 50 درهما (ما يقارب 5 دولار)، ليحدث تدافع بينهم أسفر عن مقتل 15 امرأة.

أكتب هذه الأسطر وأتساءل عن جدوى ذلك. هل هي محاولة لإنصاف الضحايا؟ أم رغبة في ترويض هذا الإحساس بالتقصير تجاه وطني، بسبب غربتي وبعدي عنه، الذي ينتابني عند كل حادث مفجع؟ أم أنها محاولة لإخماد نار غضبي وصد بحر دموعي، فلا أجد لذلك سوى قلم بارد يمتص هذه النار، وأوراق تجف هذه الدموع؟ 

الازدحام الكبير بين مئات النساء في توزيع مساعدات بقرية تابعة لإقليم الصويرة تسبب في مقتل 15 امرأة
الازدحام الكبير بين مئات النساء في توزيع مساعدات بقرية تابعة لإقليم الصويرة تسبب في مقتل 15 امرأة
 

أكتب هذه الأسطر وبجانبي حاسوب، أتابع من خلاله جديد هذا الخبر، وكذا مستوى انحطاط إنسانيتنا بنشر صور الضحايا بوجوه مكشوفة على مواقع التواصل الاجتماعي، فأتساءل: كيف سيتلقى أقرباء الضحايا الخبر.. والصور؟ كيف سيتلقى عرش الرحمن دعوةً لابن إحداهن اليتيم، عندما سيرفع يديه داعيا عمن كان سببا في الفاجعة؟ ومن ستعاقب وتحاسب يا ربي؟ أذاك الشعب الذي لا يتردد في النزول للشارع ويتفانى بكل ما أوتي من جهد وقوة في إسماع صوته، مدافعا عن قضايا تبعد عن وطننا بآلاف الكيلومترات، وذلك فقط لما تكتسبه من طابع ديني تدغدغ عاطفته، بينما يغض الطرف عن قضايا مجتمعه ليصف كل من حاول التنديد بها، بالانفصالي والعدمي، والمهدِّد لاستقرار البلاد والساعي لتخريبها؟

من ستعاقب يا ربي؟ أهؤلاء المسؤولين اللامبالين بواقع شعبهم، كل همهم صورة المغرب في الخارج في تجاهل تام لمطالب الشعب الاجتماعية ودهاء لا نظير له في إسكات كل مُطالب بالإصلاح وبالنهوض بقريته أو مدينته؟ وهنا أتذكر بعض نقاشاتي مع بعض الأصدقاء المغاربيين، الذين كانوا جلهم يجمعون على أن المغرب على قائمة بلدان المنطقة تقدما وازدهارا. وفي كل مرة أسمع هذا ينتابني إحساس سكيزوفريني، بشيء من الافتخار لما يقال عن وطني، ممزوج بمرارة الإحباط والهزيمة لإدراكي أن الدولة ناجحة في سياستها ولن تفكر بذلك في تغييرها.

 

فهل يضاهي، على المستوى الخارجي، خبر إطلاق قمر اصطناعي، وإن كان من صنع فرنسي، هل يضاهي هذا الخبر خبر بناء مدرسة ومستشفى في إحدى القرى النائية؟ وحدها المشاريع من قبيل القمر الصناعي والقطار الفائق السرعة تجلب لنا الاعترافات الدولية الخادعة، بتميزنا في المنطقة.

فمن ستعاقب إذا؟هل ستعاقب ذاك الذي أثناء عشاء مساء السبت، يطلب وجبته في إحدى المطاعم، يعادل ثمن إعدادها ربع ثمن تقديمها في المطعم، يطلبها أحيانا دون معرفة ثمنها، ثم تجده يوم غد الأحد في السوق، ماكرا، حذرا، يتفاوض بندية مع بائع متجول على ربطة نعناع ليقتنيها بدرهم عوض درهمين؟! فمن ستحاسب يا ربي وكيف؟ كيف ستنصفهن؟ وهل ستحاسبهن أيضا؟ كيف يمكن أن يحَاسب من مات موتة كهاته؟ أليس مثل هذه الموتة عقابا كافيا؟ أليس الفقر عقابا كافيا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.