شعار قسم مدونات

الجهد الروسي.. تسوية للصراع أم إجهاضٌ للثورة

بشار الأسد وفلاديمير بوتين

لقد طرح مجلس الأمن عدة مشاريع للحد من ممارسات نظام الأسد العنيفة بحق مدنيي الشعب السوري، إلا أن روسيا استعملت حق النقض الفيتو مراراً بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن، وتم بذلك إلغاء كل المشاريع التي طُرحت واستمرت الممارسات التدميرية بحق أصحاب ثورة الكرامة، وها قد تطور الموقف الروسي في الآونة الأخيرة ليصبح تدخلاً عسكرياً مساهماً في القتل والإجرام بشكل مباشر.

 

وكان هذا التدخل ضربة قوية أجرتها موسكو بعد دعم تقني ولوجستي كبير محاولةً فيها قلب موازين الصراع لصالحها، والآن إن الجميع يراقب إلى ما ستقودنا إليه المبادرات الروسية في سبيل المفاوضات والحل السياسي المُزعم أنه سيكون الحل الأمثل للقضية السورية.

الفيتو الروسي كخيار استراتيجي

قامت موسكو إلى تاريخ اليوم وبمشاركة بكين أحياناً باستخدام حق النقض الفيتو تسعة مرات داعمةً بها بقاء الأسد في السلطة وعلى رأس يد الإجرام الحاصل في سوريا، وكان أولها في 4 أكتوبر/تشرين الأول بمعارضة روسيا طرح مجلس الأمن لقرار فرض عقوبات على نظام الأسد لثبوتيته استخدام العنف والأسلحة الحية في وجه المدنيين المطالبين بحريتهم وحقوقهم المشرّعة في العيش والمواطنة بعيداً عن الاستبداد، ولا نعلم إن كان آخرها سيكون التاسع والذي استخدمته في 24 أكتوبر/تشرين الأول2017 لإحباط مشروع طرحته أميركا في مجلس الأمن يدعو إلى تجديد تفويض آلية تحقيق دولية مشتركة في الهجمات الكيميائية في سوريا.

 

 حق النقض الفيتو كان خياراً قوياً لدى موسكو تستطيع خلاله تمديد فترة بقاء حليفها الأسد على رأس السلطة، مالم يتم تمرير مشاريع ضده خارج مجلس الأمن
 حق النقض الفيتو كان خياراً قوياً لدى موسكو تستطيع خلاله تمديد فترة بقاء حليفها الأسد على رأس السلطة، مالم يتم تمرير مشاريع ضده خارج مجلس الأمن
 

وكان هذا بعد العديد من الهجمات المريعة التي استهدفت المدنيين كان أبرزها الهجوم على أهالي خان شيخون في ريف إدلب في 4 أبريل من نفس العام، وبين الرفضين استخدمت روسيا أيضاً حق النقض الفيتو لتمنع خطة انتقال سلمي للسلطة في سوريا والذي جاء في وقت شكّلت فيه المعارضة السورية هيئتها الانتقالية والتي وُعدت في تسلّم السلطة ولكن الفيتو الروسي وبجانب البرود الأميركي بسبب مشروع إيران النووي حال في تحقيق حلم السوريين في تلك الفترة، كما منعت روسيا إحالة ملف نظام الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية للبحث في جرائمه ومعاقبته لاستهدافه الشعب السوري بأبشع أنواع الأسلحة.

إن حق النقض الفيتو كان خياراً قوياً لدى موسكو تستطيع خلاله تمديد فترة بقاء حليفها الأسد على رأس السلطة، مالم يتم تمرير مشاريع ضده خارج مجلس الأمن وهو أمر يصعب قليلاً في ظل هذه الأوضاع المتوترة في منطقة الشرق الأوسط، وإضافة إلى ذلك كان وسيلة للأسد والميليشيات الداعمة له للاستمرار في استهداف السوريين والضغط على قوى المعارضة السورية وهزّ قوتها التي كانت تُحكمها على الأرض.

 

وقد كان الفيتو يخلط الأوراق بين القوى المتصارعة ويثير غضب وتشاؤم الفاعلين في المنطقة فقد أدت المساهمات الروسية في مجلس الأمن لتفاقم الصراع في المنطقة، فإنني أخشى أنهم نجحوا في تحويل الصراع إلى صراع طائفي عرقي يهدد المنطقة بالتقسيم.

التدخل العسكري.. قشة قصمت ظهر البعير

قام الطيران الروسي بشن أولى غاراته على سوريا في 30 سبتمبر/أيلول 2015 مستهدفاً ريفي حمص وحماة، وقد جاء هذا التدخل تلبية لدعوة أرسلها القاتل الأسد للرئيس فلاديمير بوتين لإرسال قوات جوية روسية إلى سوريا، وقد أفاد بوتين وبرر التدخل بأنه إجراء وقائي لمنع الإرهاب من الوصول إلى روسيا حيث أنهم تحدثوا عن وجود آلاف المقاتلين في صفوف قوات داعش والذين تعود هوياتهم لدول الاتحاد السوفييتي، وأنهم يخشون من عودتهم حال انتهاء القتال في سوريا.

غارات الطيران الروسي دمّرت مساحات تفوق ما دمّره النظام وهذا ساعدها في الضغط على قوى المعارضة السورية للجلوس على طاولة المفاوضات مع نظام الأسد لبحث مستقبل سوريا سياسياً
غارات الطيران الروسي دمّرت مساحات تفوق ما دمّره النظام وهذا ساعدها في الضغط على قوى المعارضة السورية للجلوس على طاولة المفاوضات مع نظام الأسد لبحث مستقبل سوريا سياسياً
 

لقد ساعدت المعدات العسكرية الروسية الجوية والبرية نظام الأسد في التقدم على الأرض السورية عبر جبهات عدة كان قد خسرها كحلب واللاذقية ودرعاً في الجنوب، وكانت قاعدة حميميم الروسية المتواجدة بالقرب من اللاذقية منطلقاً للغارات الجوية منذ بداية التدخل، ورغم إعلان روسيا الحرب على الإرهاب في سوريا منعاً منها وصولهم إلى روسيا إلا أنها كانت تستهدف بنيرانها قوات المعارضة السورية والمدنيين المحاصرين من قبل قوات الأسد والميليشيات الإيرانية.

 

وقد باتت الصورة جليةً بعد التدخل الروسي حيث قد تبين أن روسيا لم تدخل الساحة السورية إلا رغبةً منها بقلب الأوضاع وتغيير موازيين القوى بين الأطراف المتصارعة وتكون هي المستفيد الأكبر مما يدور، إن الناتج عن التدخل هو ما يدلنا عن الأسباب التي دعت بوتين لاتخاذ هذه الخطوة وأقصد بالنتائج الجانبين العسكري والسياسي فمن الناحية العسكرية فإن قوات الأسد باتت المسيطر الأكبر في الأراضي السورية واستطاعت استعادة حلب التي كانت المعارضة السورية تسيطر على أجزاء شاسعة منها، وإن غارات الطيران الروسي دمّرت مساحات تفوق ما دمّره النظام وهذا ساعدها في الضغط على قوى المعارضة السورية للجلوس على طاولة المفاوضات مع نظام الأسد لبحث مستقبل سوريا سياسياً.

يرى بعض المراقبون أن خطوة روسيا في التدخل المباشر لم تكن مدروسة بشكل جيد وأنها أدركت لاحقاً أنها تسرّعت وكان طرحها للحل السياسي والمفاوضات هو بادرة لإخراج نفسها من موقفٍ أقحمت نفسها به على عجلة، ولكن هل حقيقة أن الموقف الروسي يشبه كمن تسلق شجرة لا يستطيع النزول منها؟ أم أن روسياً تخبئ للسوريين وللعالم ما هو أعظم؟ 

روسيا وبوضعها في الشرق الأوسط لن تدع حليفها وحيداً وستبقى تقدم العون له، مادام يزيد من نفوذها في المنطقة مقابل القوى الإقليمية الأخرى، نعم إن روسيا تشهد الآن ارتفاعاً قوياً في الساحة الإقليمية ولن تتخلى عن هذه المكانة بالأمر السهل ويبدو أن حسم القضية في سوريا يقع على عاتق روسيا فإن الولايات المتحدة الأميركية ليست متحمسة لصنع قرار ينهي ما يحصل في سوريا من اقتتال، ويُطرح هنا السؤال هل تستطيع موسكو حسم الأمر في سوريا بدون واشنطن؟ أم أنها ستُماثل الأوروبيين على عهد أوباما إذ لم يكونوا بمقدرة على المبادرة في القضايا إلا بالرجوع لواشنطن والحالة الإيرانية مثال على ذلك. 

الحل السياسي المطروح.. بين القبول والرفض
سعت روسيا لتمرير مشروع إلغاء وجود صيغة الانتقال السلمي للسلطة وجعله محكوماً بمرجعية دستورية، مما سيحول مسار أبطال سوريا من مدافعين عن حريتهم إلى مقتتلين بين بعضهم البعض على أساس الطائفة والمذهب

لم يكن يسيراً على المعارضة السورية القبول بطرح روسيا بداية عام 2017 تنظيم مفاوضات في أستانا تجمع القوى الثورية والسياسية مع نظام الأسد والدول الضامنة لبحث حل سياسي في سوريا، لم تكن تملك المعارضة الرغبة في التفاوض ولم تستطع أن تملك الرفض حتى.

أجبر تصعيد سلاح الجو الروسي على المناطق المحررة والحصارات التي كانت تطبقها قوات الأسد والميليشيات الإيرانية وقوات حزب الله اللبناني، المعارضة على قبول المفاوضات سعياً منها للمساهمة في تأمين أدنى مستوى للحياة الطبيعية الشبه آمنة للقانطين في مناطق الحصار ومراكز استهداف الطيران الروسي، نعم لقد كانت المعارضة على دراية تامة أو يمكننا وصفه بالحدس بأن روسيا تمكر وأن المبادرة للتفاوض كانت لإبطال أي عمليات كان يمكن للمعارضة توجيهها للنظام السوري. 

إن ما كانت تسعى إليه روسيا عبر عقد المفاوضات هو إضعاف موقف الثورة السورية وإجبار المعارضة على قبول أطروحات تنافي مبادئ الثورة ولا تحترم قدسية دم السوريين، إذ أنها طرحت عبر المبعوث الأممي دي ميستورا مقترح حول آلية التشاور، والذي يفضي إلى مؤتمر وطني عام ينتج عنه لجنة دستورية تقوم بصياغة مسودة للدستور ويبنى عليه انتخابات تحت إشراف دولي مستثنيين المطلب الأساسي والأول للثورة، وهو رحيل الأسد خارج السلطة. 

سعت روسيا لتمرير مشروع إلغاء وجود صيغة الانتقال السلمي للسلطة وجعله محكوماً بمرجعية دستورية، مما سيحول مسار أبطال سوريا من مدافعين عن حريتهم إلى مقتتلين بين بعضهم البعض على أساس الطائفة والمذهب، أي تحويل سورية إلى ساحة حرب أهلية وهذا لم ينجح في أستانا أيضاً لذا فإن روسيا تدعو اليوم لعقد مؤتمر شعوب سوريا والذي هدّد فلاديمير بوتين السوريين بطريقة ما بتقسيم بلادهم مالم يحضروه بعد تداول بعض المعلومات بأن المعارضة لن تحضر هذا المؤتمر، وقد لاقى هذا المؤتمر رفضاً تركياً أيضاً بسبب دعوة روسيا لقوات سوريا الديمقراطية.

وتأجيل مؤتمر سوتشي لا يعن إلغاءه وإنما تبحث روسيا عن سبل ضم جميع الأطراف دون وجود استثناءات وهذا الذي قد لا يحصل وها نحن نراها الآن كيف بدأت بالضغط عبر القصف الجوي والذي بدأ في مدينة الأتارب بريف حلب ولا نعلم إن كان سينتهي بها حقاً، كما أن إخواننا في الغوطة الشرقية لم يزل الحصار مطبقاً عليهم وحسب، وإنما زاد الحصار والتجويع، تمر غوطتنا في وضع عصيب لكنها ستثبت لروسيا ولمن يُسمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري بأن النصر سيأتي عن طريق أبناء الشعب نفسه، وإن الدم لا يعوّض إلا بالدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.