شعار قسم مدونات

ابن سلمان وجين بينغ! الإصلاح كوسيلة لضرب عصفورين بحجر

Blogs- جين بينغ

في سياق دراسة مفهوم الإصلاح في ظل الأنظمة الديكتاتورية، وجد العديد من الباحثين الغربيين أن الإصلاح كثيرا ما يُستخدم كإحدى أدوات بقاء الحكم الدكتاتوري حيث يقوم الديكتاتور، من خلال حملاته الإصلاحية، بترسيخ سلطته عبر إقصاء المنافسين والمعارضين، وبمحاولة خلق نوع من الاستقرار السياسي عبر استرضاء الشعب والحصول على دعمه وتأييده. ففي كتابه "معضلة الديكتاتور" (The Dictator’s Dilemma)، تحدث بروس ديكسون عن تداعيات الإصلاحات التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ في الصين وكيف ساهمت هذه الإصلاحات في ترسيخ بقاء الحزب وفي شرعنة وتطبيع الاستبداد.

 

فمنذ توليه الحكم عام ٢٠١٢، قام جين بينغ بإصلاحات جذرية على الكثير من الأصعدة. شملت هذه الإصلاحات شن حملة واسعة لمكافحة الفساد واعتقال مئات الالاف من كبار وصغار مسؤولي الحزب. كما طرح الحزب شعار" خدمة الشعب" من أجل اقناعه أن وجود الحزب في السلطة هو شرط مسبق لخدمة الشعب ومكافحة الفساد. ولكن لم تأت هذه الإصلاحات منفردة بل رافقتها حملة ازدياد القمع حيث فرض الزعيم المزيد من القيود والرقابة على الحريات، بما في ذلك الرقابة على الانترنت، وعمل على إحكام قبضته الأمنية واعتقال الخائنين والمنتقدين لسياسات الحزب، كما منع الشعب من المطالبة العلنية بالديموقراطية الغربية.

 
ولكن من الملفت للانتباه أنه بالرغم من استخدام أدوات القمع والاستبداد استطاع جين بينغ، من خلال حملة الإصلاحات التي شنها، أن يخلق بديلاً لمفهوم الديموقراطية الغربية وأن يحافظ على شعبية واسعة. فقد اشارت استطلاعات واسعة للرأي شملت العديد من المقابلات التي أجراها ديكسون في ٢٠١٢ و٢٠١٤ أن أغلب الصينين يؤمنون أن زعماءهم يتطلعون لخدمة الشعب وتأمين مصالحه، كما يعتقد الكثير من الصينيين أن المخالفين لقوانين الحزب هم بالفعل يشكلون خطراً على أمن واستقرار البلاد.

 

من المستبعد جداً أن تسير إصلاحات ابن سلمان على خطى جين بينغ أو أن تنجح في "اصطياد العصافير" التي يرمي إليها ابن سلمان.

وفي مقال آخر نشر في صحيفة لوس أنجلوس تايمز بعنوان "الديموقراطية في الصين تكمن في عين الناظر" (Democracy in China? It is in the Eye of the Beholder) ، ذكر ديكسون أن ٦٠ بالمئة من الصينين يرون أن الصين بلد ديموقراطي أو شبه ديموقراطي. ويأتي هذا من طبيعة إدراك وتعريف مفهوم الديموقراطية حيث أن ٣٠ بالمئة ممن شارك في الاستفتاء اعتقدوا أن مفهوم الديموقراطية مقترن بكيفية إدارة الدولة وليس بكيفية الوصول إلى الحكم (عبر انتخابات حرة ونزيهة). 

  

وبخلاف المفهوم السائد للديموقراطية الغربية المبني على فصل السلطات، إن الكثير من الصينين يؤمنون بمركزية السلطة ويعتقدون أنه من الأفضل أن تكون الدولة قوية لكي تتمكن من خدمة المصلحة العامة بشكل فعال. تشير هذه الدلالات أن جين بينغ نجح، على الأقل نسبيا، ليس فقط في الحصول على دعم وتأييد شعبي بل أيضا في إضفاء "شرعية ديموقراطية" على حكمه الديكتاتوري، وبالتالي تمكن من ترسيخ سلطته وضمان امتثال الشعب لسلطته ليس فقط بالترهيب والقمع، كما تفعل أغلب الانظمة الديكتاتورية، بل أيضا من خلال تطبيع الاستبداد باسم خدمة الشعب والحفاظ على المصلحة العامة. وبذلك يكون قد ضرب عصفوريين بحجر واحد: السلطة الاستبدادية والدعم الشعبي (الشرعية). 
 
يبدو أن حملة الإصلاحات التي يقودها محمد بن سلمان في السعودية حاليا يمكن فهمها أيضا في سياق منطق العصفورين بحجر- بغض النظر عن التفاوتات الكبيرة (السياسية والاقتصادية. الخ) بين الصين والسعودية وعن احتماليات نجاح أو فشل هذه الإصلاحات. فكما فعل جين بينغ في الصين، يبدو أن ابن سلمان يسعى لاستخدام الإصلاح كوسيلة بقاء لتحقيق هدفين أساسيين: ترسيخ السلطة وتعزيز قاعدته الشعبية. فمن خلال تشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، على سبيل المثال، واحتجاز الأمراء وعدد من كبار مسؤولي السلطة يأمل ابن سلمان من جهة: للتخلص من الخصوم وإقصاء المنافسين وإحكام قبضته الأمنية (خاصة إذا ما اخذنا في الحسبان محاولة السيطرة على الاعلام وتوقيف كبار مسؤولي الاعلام)، ومن جهة أخرى يهدف لإنشاء حملة بروبوجاندا لتدعيم شعبيته وتسليط الأضواء المحلية والعالمية على حكمه من خلال القيام بإجراءات لم يسبق لها مثيل في تاريخ السعودية، وربما في تاريخ المنطقة.

 

تهور ابن سلمان السياسي وتحلّيه
تهور ابن سلمان السياسي وتحلّيه "بروح المغامرة" ينذر بعواقب خطيرة على الاستقرار السعودي واستقرار المنطقة بأكملها
 

فلم يتعود الفرد العربي بشكل عام، والسعودي بشكل خاص، على مثل هذه الحملة لمحاربة الفساد لأنه يغلب على وعي العربي أن السلطة والمال لطالما كانتا فوق القانون، وأن "نهب الساسة لخيرات الوطن" هو قاعدة سلوكية وليس استثناء أو جريمة يعاقب عليها القانون. ولكن إصلاحات ولي العهد، كما يروِّج لها، جاءت لتكسر هذه القاعدة وتخلص العربي من "عقدة القوة والسطوة" وتثبت نية الحكومة الجادة في محاسبة الفاسدين حتى لو كانوا من أفراد الأسرة الحاكمة. لذلك قد تثير هذا الإصلاحات، وبغض النظر عن حقيقتها ومصداقيتها، اعجاب الكثير من السعوديين وخاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار العوامل الجيوسياسية للمنطقة، وكيف أن ثورات الربيع العربي قامت في مجملها على مطالبة الشعوب بالإصلاح ومكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون..الخ.

 

بالإضافة إلى البعد الداخلي، يسعى ابن سلمان لإثبات تميزه و"جرأته" السياسية على الساحة الدولية من خلال خلق وجه وشكل جديد لطبيعة حكم آل سعود. يتضمن هذا الحكم استبداد من نوع جديد-استبداد بنكهة الحداثة والانفتاح وخدمة الشعب لا التدين والانعزال والفساد. وهكذا يتحول الإصلاح إلى أداة استراتيجية لخدمة مصالح الزعيم وأطماعه السلطوية السياسية على أكثر من صعيد.

 
فهل تنجح بالمجمل هذه الإصلاحات في تحقيق أهداف ابن سلمان السياسية وكسب تأييد السعوديين وخلق لديهم مفهوماً بديلاً عن الديموقراطية الغربية كما حصل في الصين؟ أم أن ابن سلمان سيقع ضحية اصلاحاته ويواجه ما يسمى "بإشكالية توكفيل"(Tocquevillian paradox)-التي تقتضي أن الإصلاحات تؤدي إلى رفع سقف مطالب وتوقعات الشعوب، وعندما يخفق الزعماء في تلبية هذه المطالب فإنه من المرجح أن تثور الشعوب وتندلع الثورات، وقد رأينا كيف بدأ الشعب السعودي مؤخرا بطلب المزيد من الحريات والإصلاحات (كحملة البطالة التي أطلقتها جامعيات سعوديات)؟! وبهذا قد تتحول إصلاحات ابن سلمان إلى وسيلة فناء عوضاً عن أداة للبقاء. 

من المبكر الإجابة على هذه التساؤلات، ولكن مما لا شك فيه أن التغيرات الداخلية والتحديات الخارجية التي تشهدها السعودية لا تدعو للتفاؤل، وأن تهور ابن سلمان السياسي وتحلّيه "بروح المغامرة" ينذر بعواقب خطيرة على الاستقرار السعودي واستقرار المنطقة بأكملها. ومن المستبعد جداً (إن لم يكن من المستحيل)، والحال هذه، أن تسير إصلاحات ابن سلمان على خطى جين بينغ أو أن تنجح في "اصطياد العصافير" التي يرمي إليها ابن سلمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.