شعار قسم مدونات

هاجس الاحتفالات.. وتضخيم الإنجازات!

Protesters from the Islamic Action Front and others hold Jordanian national flags and chant slogans during a protest against rising prices and the imposition of more taxes, after the Friday prayer in Amman, Jordan, February 24, 2017. REUTERS/Muhammad Hamed

سأتناول في هذا المقال عقلية وليس طائفة، وطريقة وليست فئة بعينها، ومنهجاً وليس جماعة، ولعل هذه العقليات هي التي أبقتنا واقفين بعيداً عن حقيقة الإنجازات، وهي التي حالت بيننا وبين الوصول إلى أهدافنا البعيدة، يوم رأت في تحقيق وسيلة ما إنجازاً كبيراً، وحين رأت في الجماهيرية والشعبية الملاذ الحقيقي لإثبات الحضور، وتأكيد الذات.

 
المقال يأتي من باب النقد اللازم للتطوير، والمراجعة الشاملة، التي تبصرنا بمواقع أقدامنا، وتأخذنا لما يجب أن نكون عليه، وليس المقصود منه التقليل من شأن أحد، أو الاستهتار بجهود مجموعة أبداً، بل الكل عندي مقدر ومحترم، والعامل في منهجي خير من العاطل، والواقف خير من القاعد، والباذل خير من الماسك، والمتقدم خير من المتأخر، أقصد في ذلك كله في ميدان خدمة الأمة ودينها وأوطانها، وإن تم التطرق لذكر بعض المؤسسات فلأهميتها ومكانتها التي لا تخفى أحد.

 
قبل خمسة أعوام تقريباً، وبمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيس حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، قرر المكتب التنفيذي حينها، وكان أمينه العام الأستاذ حمزة منصور عمل احتفالية بهذه المناسبة، واتخذوا قرارهم، وشكلوا لذلك لجنة برئاستي، كوني كنت أمين السر العام في ذلك الوقت، ولحسن الحظ أني كنت غائباً عن هذه الجلسة، وحين اطلعت على القرار، في سجل اجتماعات المكتب التنفيذي لاحقاً، لم أتخذ لتنفيذه أي خطوة عملية، وحين سئلت في اللقاء التالي عن القرار، أبديت احتجاجي عليه، واعتذاري عن رئاسة اللجنة، معللاً ذلك، بأن مرور هذه السنوات على تأسيس الحزب، تدعونا لعقد مؤتمر داخلي، لتقويم مسيرته وليس للاحتفال بتأسيسه، ومراجعتها، والوقوف عند محطاته المختلفة، بعين الناقد البصير، فنؤشر بجرأة ومسؤولية تامة على نقاط الضعف التي اعتورت مسيرة الحزب، فنعمل على تقويتها، وتلافيها، وعلى نقاط القوة للتأكيد على استمراريتها والعمل على تحسينها.

  

حمزة منصور الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي في الأردن  (الجزيرة)
حمزة منصور الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي في الأردن  (الجزيرة)

  

وكنت أرى لذلك ثلاث قضايا كبرى يجب الوقوف عندها، لأهميتها، الأولى الاسم، هل من المناسب أن نبقي عليه كما هو، أم أن الظرف يستدعي التعديل عليه، والثانية؛ العلاقة بجماعة الإخوان المسلمين، إذ كان الحزب ومنذ تأسيسه ينظر له على أنه الذراع السياسية للجماعة، وعليه فالحزب مرتبط بكل قراراته، وحتى انتخاباته بقرارات مماثلة من مجلس شورى الإخوان وقيادتها، فبعد عشرين عاماً كان الأمر يقتضي بحثاً ودراسة، وقراراً جريئا في هذا الاتجاه، خاصة أن الحزب فقد كل أعضائه تقريباً من المستقلين، الذين جاءوا للحزب من خارج تنظيم الإخوان المسلمين، حتى بات الأمر ملاحظاً من قبل الجميع، علماً أن هدف التأسيس كان جمع الطيف الإسلامي في إطار وطني واحد.

 

الثالثة؛ وهي باعتقادي مسألة في غاية الأهمية، تحتاج لدراسة معمقة، وهي أن يتم فتح أبواب الحزب لكل الأردنيين، بغض النظر عن التزامهم الديني، ويكتفى بشرط أن يكون نظيفاً ومؤمناً بأهداف الحزب الوطنية، من إصلاح وغيره، وهذا أمر مهم في العمل الحزبي، والمهمة الإصلاحية التي رفع الحزب رايتها، ولذلك لجأ في فترة الربيع العربي بالعمل والتنسيق مع آخرين لتشكيل إطار وطني جامع ينهض بمهمة الإصلاح والمطالبة به، حتى لا يظن أن جهة واحدة، أو لوناً واحداً من الشعب من يرى ضرورة الإصلاح، وكأن الباقين لا يرون ذلك، ويصورون على أنهم مع الوضع كما هو، وسبق ذلك تشكيل الإطار الحزبي الوطني الذي ضم أحزاب المعارضة في حينها، وكان له اجتماعاته وقراراته ونشاطاته التي تلتزم بها الأحزاب المشاركة، وهذا اعتراف من طرف جلي أن العمل الحزبي الوطني الإصلاحي مسؤولية تشاركية بين أبناء الوطن جميعاً، وليس مقتصراً على طيف من أطيافه، أو محصوراً في زاوية من زواياها، وكنا نجد في لقاءاتنا واجتماعاتنا مع الآخرين الكثيرين ممن يؤمنون بأهدافنا، ويودون الالتحاق بحزبنا، ولم يمنعهم من ذلك، إلا ضعفه الإيماني، وعدم التزامهم الديني، رغم قوتهم في معارضة الفساد، وجرأتهم في المطالبة في الإصلاح. لم يتم التعامل مع المقترح كما يجب، ولم يحمل على محمل الجد، وتم الاكتفاء بإلغاء قرار الاحتفالية، وكفى الله المؤمنين شر المراجعة والتقويم والنقد الذاتي للمسيرة.

 
المهم بعد خمس سنوات وبعد ما حل بالحزب من أمور صعبة لا تخفى على المطلعين، بغض النظر عن التمحيص والتدقيق في المواقف المختلفة، وما أصابه من أزمات حادة في مفاصل مهمة على المستوى الداخلي، فضلاً عن الأوضاع التي آلت إليها الحركة الإسلامية في الأردن، والأوضاع العامة التي أصابت الأردن والأردنيين اقتصادياً، وحتى على جميع الأصعدة، فالوضع لا يحتاج لمزيد بيان، بقيت فكرة الاحتفال حاضرة في أذهان البعض، الذي رأى مجتهداً أهميتها، وضرورتها، ومكانتها، ورأى أنها من الأهمية أن تتقدم على تقديم مبادرات لرأب الصدع، وإعادة تنظيم صفوف الحزب وتوحيدها، وترتيب الأولويات فيه، والعمل على تقويم مسيرته، وإعادة هيكلته.

 undefined

 

هذا البعض بشكل عام أنى وجد في حزب أو نظام أو مؤسة يرى في الاحتفالات أنها تقدم رسالة طمأنة للداخل التنظيمي أو الوطني أو المؤسسي، أن الوطن أو الحزب أو المؤسسة بخير، ومن يقول غير ذلك فليأتي كي يشاهد احتفالاتنا، فهي الميدان، الذي نؤكد من خلاله على حضور الحزب الفاعل شعبياً وجماهيرياً، بل ويجعلونها نقطة تفوق على الآخرين، ويتحدونهم بها، وهي في الوقت نفسه رسالة تأكيد على حضور للخارج الرسمي والشعبي، لهذا تطمئن نفوسهم لها، ويسعون لتفعيلها في أغلب المناسبات المختلفة، وفي الغالب تكون قضية مفصلية مع النظام، الذي يلجأ عادة لمنع هذه الفعاليات الجماهيرية، فينشغل الحزب فترة زمنية لا بأس بها، بين أخذ ورد، وهكذا.

 
المهم أن الشيء الذي لا يختلف فيه، أن الاحتفالات وإقامتها حاضرة بقوة في العقلية العربية الإسلامية، وهي تشكل جزءاً في غاية الأهمية من تكوينها، وطريقة عملها، وكأنها أحياناً هي الطريقة الرئيسة للتعبير عن الذات، وتأكيد الحضور، والتغطية على مواطن القصور والفشل، فبعد الهزائم التي منيت بها الأمة العربية، كانت تقام الاحتفالات والاستعراضات الجماهيرية، التي تخاطب عامة الناس بالعواطف والمظاهر لصرفهم عن الحقائق.

 
أما تضخيم الإنجازات فحدث عنه ولا حرج، فيكفي أن ترى كيف يكون الحديث عن بعض الوسائل التي تم إنجازها، وكأنك تسمع حديثاً عن تحقيق أهدف استراتيجية، وكيف أن الحديث ينصب على إنجاز هذه الوسائل التي قد تكون صغيرة، وقد تكون كبيرة، ليس مهماً، المهم في النهاية أنها لا تخرج من إطار الوسيلة، وتبقى في حيزها الطبيعي "وسيلة"، مهما حاولنا الوقوف عندها، تحليلاً ودراسة وتوقعات، تبقى كذلك، والواجب يقضي أن ننتقل إلى الحديث عن آثارها ونتائجها، التي تصب في صالح الهدف العام، الذي من أجله أقيمت هذه الوسيلة، المهم أن "داء" التضخيم أصاب العقلية العربية الإسلامية بمقتل، حيث كنا نطمئن نفوسنا رغم الأخطار المحدقة بنا من كافة الجوانب وعلى جميع الأصعدة، والحديث هنا ليس محصوراً في حزب أو مؤسسة أو نظام، بل جميعنا معني بهذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.