شعار قسم مدونات

ما أشبه ليبيا بالصومال!

Blogs- libya
في لحظة عابرة كنت منشغلا بمشاهدة تقرير تليفزيوني عن واقع الشعب الليبي خطر ببالي المثل العربي القائل ما أشبه الليلة بالبارحة، وذلك لأنني تعجبت من حال الشعب الليبي المناضل الذي كان بتمتع قبل الثورة الليبية باستقرار وازدهار ورفاهية، وقارنت تلك المرحلة الميمونة بما يحدث الآن في ليبيا من انقسامات داخلية وتدخل أجنبي وحروب أهلية وخلافات سياسية هي الأسوأ في المغرب العربي.

 
 وقد بدأ هذا السيناريو الشبيه بالصومال عقب سقوط العقيد القذافي رئيس ليبيا السابق، فها هو الشعب الليبي يشرب من نفس الكأس الذي شرب منه الشعب الصومالي الذي عانى طويلا من ويلات حروب أهلية ونزوح ومجاعة بعد سقوط الحكومة العسكرية السابقة برئاسة الجنرال محمد سياد بري عام 1991م. معروف أن البلدين لهما علاقات جيدة، فليبيا والصومال من البلدان العربية والإفريقية، وأيضا من دول الساحل والصحراء، وليس لهما حدود برية ولا بحرية؛ ولكنهما يتشابهان ويختلفان في أمور عدة.

أوجه الشبه: ليبيا والصومال من البلدان التي تقع في إفريقيا واندلعت فيهما حروب أهلية طاحنة. جميع الشعبين الليبي والصومالي يدينون بالإسلام أو مسلمون سنة. في عام 1969م حدثت انقلابات عسكرية في ليبيا والصومال بقيادة ضباط من الجيش. المستعمر الإيطالي استعمر الدولتين ليبيا والصومال في القرن الماضي. الانتماء العرقي والقبلي من سمات البلدين.

 
أوجه الاختلاف: اللغة العربية هي اللغة الرسمية في ليبيا بينما اللغة العربية هي اللغة الثانية في الصومال. الصومال تعافت جزئيا من الحروب الأهلية بينما لم ينته الصراع حتى الآن في ليبيا. سقط حكم العسكر الديكتاتوري في الصومال بعد 20 عاما بينما سقط حكم العسكر الديكتاتوري في ليبيا بعد 40 عاما.

 

ليبيا لم تستفد من التجارب التي أحاطتها بعد ثورات الربيع العربي بل أرادت البقاء على حالها، ولذلك إذا اجتمع العالم فلن يستطيع بناء ليبيا من جديد إلا إذا أراد الليبيون

ليبيا دولة مصدرة للنفط بينما الصومال لم تتمكن من استغلال مواردها الطبيعية حتى الآن. الصومال ليست دولة صحراوية بينما ليبيا لها أطول صحراء في إفريقيا. رغم كل هذا التشابه والاختلاف يجب على الشعب الليبي أن يبذل جهودا جبارة ليتجاوز كل هذه العقبات، وأن يستفيد من الدعم الدولي على أحسن وجه بهدف بناء وطنه من جديد، وللحيلولة دون استمرار المجازر والإبادة الجماعية وغير ذلك من مخرجات الثورة الشعبية الفاشلة بسبب سوء القيادة، وعدم وضع رؤية واضحة المعالم تستلهم الدروس من تونس والمغرب المجاورتين لليبيا.

 
يبدو أن الشعب الليبي لم يستوعب حتى الآن فشل الحروب الأهلية بشكل نهائي، وهذا ما يؤدى إلى استمرار انهيار البنية التحتية في بلدهم، وتشتت أبناء أهلهم حتى أصبحوا مشروعا لسماسرة العالم، لأنهم غير جادين وغير مستعدين لإعادة ترتيب أوراقهم من جديد، علما أن تحقيق أمنهم واستقرارهم بأيدي الشرفاء منهم لا بأيدي أصحاب المصالح الخاصة والأطماع السياسية والاقتصادية والعصبية الجاهلية وغير ذلك مما يبرر التدخل الأجنبي السافر في شأنهم الداخلي، كما أن الحل لا يأتي من قبل مروجي الاقتتال الهمجي على الحدود الوهمية بين أقاليم الولايات الفيدرالية في ليبيا.

 
يذكر أن ليبيا لم تستفد من التجارب والوقائع التي تحيط بها بعد ثورات الربيع العربي بل أرادت البقاء على حالها، ولذلك إذا اجتمع العالم كله لا يستطيع بناء ليبيا من جديد إلا إذا أراد الليبيون ذلك، لأن إرادة الشعب أقوى من كل شيء وصدق الشاعر التونسي عندما قال:

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

ومن المؤسف جدا أن تكون ليبيا نموذجا لدولة فاشلة تماما كما صارت الصومال، حيث أصبحت قضية ليبيا مسرحا مفتوحا يدخل فيها الأجانب ويديرونها كيفما يشاؤون، وكل هذا بسبب الكراهية والتشرذم والتفرق والاقتتال فيما بينهم.

 
 وأخيرا أوجه ندائي إلى الشعب الليبي الجريح الباسل الذي كافح وهزم الاستعمار الإيطالي حتى أجبروه على الهروب من أرضهم بقيادة المجاهد الشهيد عمر المختار -رحمه الله- آملا في أن يستيقظ ويفيق من نومه العميق، وأن يعرف عدوه من صديقه، وأن يعود إلى إعادة بناء ليبيا القوية من جديد، وأن يحذو حذو جارة تونس، وإلا يصدق عليهم ما قاله الشاعر قديما:

ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.