شعار قسم مدونات

الرغبة في الامتلاك.. كيف أصبحنا رأسماليين؟

blogs - دولار
إذا امتلكتَ شقّة فأنت رأسمالي، وإذا أضفتَ إليها سيّارة فأنتَ رأسمالي كبير، واسمك إلى جانب قارون وبيل غيتس. كيف تستحوذ على كلّ هذه الثورة وأزيد من نصف العالم حولك فقراء وجوعى ومنسيّون. في رواية أخرى، إذا أنهك الزّمان وخرجتَ مُرغما إلى مدّ اليد، وفي قرار نفسك طمع إلى أكثر من الكفاف، فأنت رأسمالي، وجشع أيضا. يكفي أنّ معيا واحدا فارغا في هذه الدنيا، مسلما كان أو بوذيّا، يسدّ بوريقات شجرٍ جوعَ العالم ويبتسم. يكفي هذا المعي كي تحزم به يديك كي لا تمدّهما مرّة أخرى إلا لسدّ الحاجة فقط.
في رواية ثالثة، لا أفهم لماذا جعلونا نثور ضدّ الرأسماليين. والرأسمالي في الأصل، وهذه حقيقة، شخص ناجح، استطاع أن يكوّن ثروة وينشئ وحدة إنتاج، ولولا تلك القواعد الصارمة التي قد نُسمّيها نحن سلوكا إقطاعيا، ما استطاعتْ وحدته الإنتاجية الاستمرار، وربّما أعلن إفلاسها منذ زمان. بطبيعة الحال أتحدث هنا عن الرأسمالي الذي جمع ثروته من طرق مشروعة، ولم يتلوّث ماله بالسياسة والسلطة.

وهل يوجد رأسمالي مُرهف الإحساس في هذا الوقت؟ نعم، في الحقيقة نزعة الرأسمالية كانت منذ القدم. انظر إلى العاشق أليس رأسماليا. انظر إليه كيف يودّ صناعة المستحيل ليمتلك قلب من يحبّ. إنّها في النهاية الرغبة في الامتلاك لا الرغبة في الحياة. وهنا يكمن الفرق بين عاشق إقطاعي وعاشق يرفرف قلبه في سماء الحريّة.

متشبّعون نحن بنزعة الرأسمالية، قدْ نضرب في هذه الحياة لامتلاك شقّة، فنشقى من أجلها سنوات، ثم نتركها في النهاية لأصحاب الحق، ليرث ابنك غرفتين وابنتك غرفة، ويتركونك أنت مغمض الحياة في قبرك؛ حتى قبرك لن تستطيع امتلاكه ما دمتَ مكبّلا لا تستطيع حتّى الكلام فيه. ولا أجد في هذه الإشارة أبلغ من بيت المتنبّي وهو يقول عن الذين هم تحت التراب: صُمٌّ إذا نودوا، كأن لم يعلموا أنّ الكلام لهم حلال مُطلق.

من المهم أن تدرك أنّ مأساة المظلومين والمنبوذين والمهجّرين والفقراء والمُعدمين في هذا العالم لا تفرض عليك أن تعيش المأساة، هي تفرض عليك أن تتضامن وتشعر بوخزهم
من المهم أن تدرك أنّ مأساة المظلومين والمنبوذين والمهجّرين والفقراء والمُعدمين في هذا العالم لا تفرض عليك أن تعيش المأساة، هي تفرض عليك أن تتضامن وتشعر بوخزهم
 

نعود إلى الحياة، لا بأس أن تجمع المال، بل إنّ ذلك مطلوب، كي تكون حياتك أسهل. بالمناسبة ليس المالَ حكرٌ على أصحاب الاقتصاد فقط. وإنّي أتعجّب لماذا لا يسعى إليه الكاتب والشاعر والروائي والمسرحيّ منّا. لماذا كلّ هذا الزهد منهم تجاه المال. إنّ الكاتب في الحقيقة الذي لا يهتمّ لوضعه المادي هو في الحقيقة كاتب فاشل؛ في المقابل، إذا كان من هدف فهو أن نجعل الرأسمالي يكتب ويقرأ الشعر والروّاية، حينها سيكون لنا رأسماليون يعشقون الحياة، والذي يعشق الحياة لا يبخل بها على غيره.

وإذا كنتَ تقيّا مؤمنا زاهدا لا تطمع في شيء في هذه الحياة، أذكّرك أنّ حتّى الحجّ أحد أركان هذا الدّين يحتاج إلى ثروة. وبدل أن تزهد في المال، اجمعه ثمّ أنفقه على المساكين، فالثواب هنا مضاعف والعالم امتلأ بالأشرار، فأين خيرك أنتَ على الضعفاء.

كنُ غنيّا وقنوعا، ليس في ذلك أي تناقض. اسعَ نحو الدولارات بقناعة. لا علاقة للقناعة بثروتك، إنّها سلوك داخلي، تذكّرك كلّ يوم بنعم الله عليك أن رزقكَ رغد العيش. ومن منّا لا يطمع إلى رغد العيش؛ والحقَّ هنا يستدعي القول إنّ أغلب بلداننا العربية لا توفّر فرص النجاح المادي الكبير، وأنّ الثروة فيها داخل حلقة صغيرة يستحوذ عليها وُجهاء بعينهم يُدوِّرون أغلبها بينهم. يسيّرون مشاريع العقار والطّرق وكلّ تلك المشاريع العملاقة ويتركون لك أنت بيع البيتزا، ثمّ يتصّلون بك على هاتف المحلّ لتوصل لهم طلبيّة بيتزا إلى حيث مقرّ سكناهم الفسيح.

عشْ حياتك، قليلٌ من الرفاهية لا يهمّ، فالنفس ميّالة إلى ذلك. وزُهدكَ إذا ارتضيته ليس لي إلّا أنْ أرفع له القبعّة، المهمّ أن تدرك أنّ مأساة المظلومين والمنبوذين والمهجّرين والفقراء والمُعدمين في هذا العالم لا تفرض عليك أن تعيش المأساة أيضا، هي تفرض عليك أن تتضامن وتشعر بوخزهم دائما، وتنفق في سبيل ذلك ما استطعتَ، وإنّ إنفاقك في السرّ لَمِن أعظم الأعمال. وتذكّر ختاما أنّ هناك عدالة حقيقية ستتحقّق في النّهاية. تذكّرْ كلّ ذلك، واسعَ إلى رغد العيش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.