شعار قسم مدونات

لماذاَ هذا الشغفُ بالروايات التافهة؟!

blogs - فتاة في مكتبة
إنّ التّفاهة قد غزت حتى الكتب، التي هي رمز الوعي والثقافة ، فأصبحنا نرى كتباً تنضحُ تفاهة وسفاهة. وإنّ أكبر فنٍّ اتخذه أنصار التّفاهة لبثّ تفاهاتهم هو الرواية، ذلك الفنّ الفريد، الذي يصلح أنْ يكون منطلقاً للدعوة إلى الفضائل والخير والحبّ والجمال.. وأقصد بـ"أنصار التفاهة" أولئك الذين رفعوا القلم للكتابة وهم ليسوا أهلا لذلك، فضلّوا وأضلّوا، وأتوا بروايات ليست سوى ثرثرة وخواء وعقم وإفساد للذائقة وافتقار لعناصر البناء والمقومات الفنية.

بدأت قصتي مع هذه الروايات عندما قرأت رواية "حبيبي داعشي"، وسأدعكم مع هذا التعليق الذي كتبته بعد انتهائي من قراءتها: "قرأت هذه الرواية المسماة بـ"حبيبي داعشي" فوجدت فيها ما ساءني للأسف، فقد كتبت بلغةٍ ركيكة جداً وقبيحة جداً، تأوهتُ وتأفَّفتُ كثيرا وأنا أقرأها لما فيها من الكوارث اللغوية.. كل سطر من سطور الرواية مليء بالأخطاء اللغوية الفاحشة، فلا أدري كيف استساغت "الكاتبة" نشرها؟! ولا أدري كيف قَبِلَ الناشرون أن يطبعوها ويذيعوها؟ إنّ هذه اللغة التي كُتِبَتْ بها الرواية تشبه لغتي في الثالثة إعدادي، حينما كنت أملأ أوراقاً وأعدّها "رواية"!

ولله در عميد الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي حين قال: "لقد انتهينا في الأدب إلى نهاية صحافية عجيبة فأصبح كلُّ من يَكتبُ يُنشرُ له"، ويا ليتها كانت تشبه لغة الصحافة يا إمامنا!"، كان هذا تعليقي على الرواية، ربما قد يكون شديدا بعض الشيء، لكنها الحقيقة، وبخاصة أنّها أول رواية أقرأها من هذا النوع، فكانت بالنسبة لي صادمة؛ لأنّني انقطعت لزمن عن مطالعة الروايات واتصلت بكتب الدين والأدب والتاريخ، وكان آخر عهدي بالروايات مع روائع نجيب محفوظ وأكاثا كريستي وغيرهما من الكبار. فلمّا وجدت في نفسي رغبة في عقد الصلة بالروايات من جديد، اعترضت طريقي هذه الرواية المشهورة بين الناس، المذكورة في المجالس والمجامع والمنتديات، ودفعني عنوانها المثير إلى طلب نسخة منها؛ فما إنْ بدأتُ في القراءة حتى اعترتني صدمة وعجب! كيف لمثل هذه الرواية المكتظة بالأخطاء أن تنساح بين النّاس وتغدو عند كثير منهم أفضل رواية قرأها في حياته؟

سبب فساد حاسة الذّوق عندنا هو إعراضنا عن القراءة للمبدعين الكبار، كنجيب محفوظ وكنفاني والطاهر بنجلون ومنيف.. وغيرهم كثير
سبب فساد حاسة الذّوق عندنا هو إعراضنا عن القراءة للمبدعين الكبار، كنجيب محفوظ وكنفاني والطاهر بنجلون ومنيف.. وغيرهم كثير

وقبل أن أسترسل في الحديث أرسل هذه الكلمة للأخت الكريمة "هاجر عبد الصمد" – صاحبة رواية "حبيبي داعشي" – ولكلّ من ينحو نحوها: إنّكِ في بداية الطريق، فعليكِ بالجد والاجتهاد وحبس النفس على كتب وروايات العظماء، ولا تغتري بهذه الشهرة الزائفة، فإنّ الله قال: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ".

عودا على بدء؛ فإنّ رواية "حبيبي داعشي" أوّل ما قرأت من هذا النوع، ولهذا صدمت حقّاً، وشعرت بحزن شديد لما آلت إليه الساحة الأدبية العربية، فليست هناك قوانين أو شروط تردع كلّ متطفّل، ولهذا أضحى "كلّ من يكتب يُنشر له". ولا أقصد – في هذا المقال – الحديث عن فوضى النشر، فتلك مصيبة أخرى تُضاف إلى مصائب أمتنا، ولكنّني أبغي محاورة أؤلئك الشباب المنبهرين بتلك الروايات، المحتفين بها احتفاء بالغاً، وكأنّها خير ما جادت به أقلام المبدعين في المجتمع العربي!

وبحسبك الانضمام إلى جماعة فيسبوكية تحتفل بالمطالعة لتجد أنّ أغلب ما يقرأ الشباب –دون أن أعمّم- يكون من صنف هذه الروايات التافهة، على سبيل المثال: "حبيبي داعشي" و"في قلبي أنثى عبرية" و"أحببتك أكثر مما ينبغي" و"المنتقبة الحسناء" و"كن خائنا تكن أجمل".. وليس العجب في قراءة تلك الروايات، فكلنا قد قرأناها، ولكنّه في عدّها أفضل الروايات التي أُلّفت على الإطلاق!

ولا أرى السبب في هذا الشّغف إلا أننا مصابون بأزمة الذوق الأدبي، فاختلت عندنا موازين الجمال، وفسدت حاسة الذوق، وأصبحنا نرى الوضيع عظيما، والعظيم حقيراً. وسبب فساد حاسة الذّوق عندنا هو إعراضنا عن القراءة للمبدعين الكبار، كنجيب محفوظ وكنفاني والطاهر بنجلون ومنيف.. وغيرهم كثير.

وقد وقع يوما أن ضقت ذرعاً بهذا الحبّ البالغ الذي يكنّه الكثير من الشباب لمثل هذه الروايات، فكتبت إليهم في أكبر جماعة فيسبوكية للقراءة: لماذا هذا الشّغف بالروايات التافهة، السّقيمة، السطحية المعنى والمبنى؟ وضربتُ لهم أمثلة ببعض عناوين تلك الروايات التي ذكرت آنفا، فكان ردّهم: أنّ ذلك أذواق، وكلّ إنسان يميل إلى ما يرضي ذائقته.. فرددت على كلامهم ذاك بقولي: "إنّها ليست أذواق بل ركاكة وابتذال!

أخذ عليّ بعض الأصدقاء ما قلته سابقا عن كتابات شوّهت جمالية الرواية، وأفسدت رونقها، بقولهم إنّها مجرد أذواق، وأنَ كلّ إنسان يمكنه قراءة ما يريد.. نعم لكلّ إنسان الحقّ في إنفاق سويعات عمره في قراءة ما شاء، لكن أن تقولوا إنّها أذواق فأنا أخالفكم هنا.. وإنّني أعترف أنّي لم أُفصح عن فكرتي، فساء فهم تدوينتي.. أنا لم أقصد القول إنّ تلك الروايات تافهة في موضوعها، وإن كان لذلك نصيبا وافرا، وإنّما أتحدث عن السّطحية التي تحوم حولها أحداث الرواية، والركاكة والابتذال التي تغرق فيه".
لا أريد الإكثار من الهذر، ولهذا أقول في الأخير لأولئك الأصدقاء: اقرؤوا للكبار كي تصيروا كباراً، ولا تقرؤوا للصّغار كي لا تظلّوا صغاراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.