شعار قسم مدونات

التنافس العربي على "حذاء الزيدي"

blogs - حذاء الزيدي
لعلــنا نتذكر ذلك المؤتمر الصحفي الشهير في ديسمبر من عام 2008 حين قام الصحفي العراقي "منتظر الزيدي" بقذف فردتي حذائه في اتجاه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بــوش الابن والذي تفاداهما ببراعة ليصيبا علم دولته. 
ويقال أنه عندما رمى الفردة الأولى، قال الزيدي لبــوش الذي كان على وشك مغادرة البيت الأبيض: "هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب الغبي" وقال وهو يرمي الفردة الأخرى: "وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق".

قوات الأمن العراقية والأميركية ألقت القبض على الزيدي الذي انتهى به الأمر إلى السجن والإفراج عنه بعد أن قضى ثلاثة أرباع المدة في سبتمبر 2009 بشرط حسن السيرة والسلوك.. أما بوش فعلق قائلًا: "كل ما أستطيع قوله أن الحذاء كان مقاس عشــرة!".

في حينها ألهبت تلك الحادثة مشاعر الآلاف وخرجت المظاهرات الداعمة وعُرِضَتْ مبالغ ضخمة لشراء ذلك الحذاء، وأُقيم للحذاء نصب في تكريت وامتلأت الانترنت بالألعاب والمشاهد التي تكرر الواقعة والتي كانت مسك الختام لأحد أفشل الرؤساء الأميركيين في التاريخ.

حذاء الزيدي تُحركه أوجاع الشعوب وتُطلقه معاناة الأمم.. يتسع بداخله لأنين المظلومين ودعاء الثكالى وبكاء اليتامى والأرامل
حذاء الزيدي تُحركه أوجاع الشعوب وتُطلقه معاناة الأمم.. يتسع بداخله لأنين المظلومين ودعاء الثكالى وبكاء اليتامى والأرامل
 

وفي النهاية رحل بوش لشأنه ورحل الزيدي لشأنه، غير أن حذاءه سيظل موجوداً وقابلاً للاستعمال كلما دعت الحاجة إليه.. فحذاء الزيدي كان صرخة الضعيف ذو المظلمة في وجه الظالم المتعجرف.. تلك الصرخة التي لاترضى بأن تكون حبيسة في الصدور الأبية فتخرج بعفوية ولاتبالي نتائج خروجهــا.. فهناك اليـوم الكثيرون ممن يستحقون صفعة مماثلة بحذاء الزيدي.. منهم من نالهــا ومنهم من ينتظر.

حذاء الزيدي ليس نعلًا بالضرورة بل هو كل كلمة صادقة أو تغريدة خارقة على تويتر أو هوجة فارقة على الفضائيات.. كتلك التي أرسلها مندوب البرلماني الكويتي مرزوق الغانم لوفد الاحتلال الإسرائيلي في مؤتمر البرلمانيين العالمي.

حذاء الزيــدي لا يخاف ولا يتردد.. لا يجامل ولا يدور ولا يراوغ .. رسائله مباشرة.. يسلك أقصر الطرق إلى الهدف.. حذاءً "باليستيًا" لا تلتقطه الرادارات ولا تعترضه صواريخ "الباتريوت" ولا مضادات الأحذية، بل توثقه وسائل الإعلام حيًا وتنشـره كالنار في الهشيم.. مثل تصريحات "صاحب التوكتوك" التي كشفت سوءة نظام السيسي وفشله اقتصاديًا.

إن تنافس كريستيانو رونالدو وميسي ونيمار وعلى "الحـذاء الذهبي"، فليتنافس صالح والسيسي وحفتر وبشار على "حذاء الزيدي". يأتيهم مُلطَّخًا بوحل ذنوبهم ومُحمَّلاً بآلام شعوبهم

حذاء الزيـدي يتخطى البروتوكولات الدبلوماسية ويتجاوز الضحكات السياسية المصطنعة التي تُـذبح باسمها الشعوب وتُنتهك حقوقهم وتُسرق أموالهـــم كتلك الكلمات التي وَبَّخ بهــا الرئيسُ أردوغان شيمون بيريز في ملتقى دافوس عام 2009 عندما حاول هذا الأخير تزييف الحقائق في حق الشعب الفلسطيني.

حذاء الزيدي يصفع الوجوه التي لا تستحي.. ويطرق الهامات المتعجرفة لتنحني. فحذاء الزيدي أرسله ثوار مصراتة إلى القذافي قبل موته بلحظات، وأرسله الشاب السوري عز الدين الجاسم إلى أحمدي نجاد في القاهرة برشقة من حذائه أمام مسجد الحسين عام 2013، وأرسله المحامي عبد الناصر العويني إلى زين العابدين بن علي في صرخة الحرية الشهيرة "بن علـي هـرب" بعد انتصار ثورة الياسمين.. وأرسلته "فدوى سليمان" لبشار الأسد وزمرته الطائفية ـ رغم كونها علوية ـ  حين انحازت إلى صف الثورة لتنسف طائفيته قائلةً لـه “الشعب السوري واحد”..

حذاء الزيدي تُحركه أوجاع الشعوب وتُطلقه معاناة الأمم.. يتسع بداخله لأنين المظلومين ودعاء الثكالى وبكاء اليتامى والأرامل.. حذاء الزيدي يستحقه كل أرعن أحمق على يديه تُمزَّق الاوطان وتُشرد الشعوب وتُهان المقدسات.

حذاء الزيدي يحمل رسائل من حلب والغوطة الشرقية وخان شيخون.. حذاء الزيدي يحمل رسائل من سيناء وميدان التحرير وسجن العقرب.. حذاء الزيدي يحمل رسائل من درنة وقنفودة.. حذاء الزيدي يحمل رسائل من صنعاء وتعز.. حذاء الزيدي يحمل معاناة الفقراء في القصرين وسيدي بوزيد.

فمن يقصف شعبه بالطائرات والمدافع ويجلب شذاذ الآفاق من ضباع الفرس وذئاب الروس لقتل شعبه يستحق حذاء الزيدي.. ومن يعتقل من يعارضونه ويسحلهم في الميادين ويودعهم السجون بالمئات يستحق حذاء الزيدي.. ومن يقتل الشيوخ والنساء والأطفال وينبش قبور حفظة القرآن ويمثل بهم في الشوارع يستحق حذاء الزيدي.

وختامًا، فإن تنافس كريستيانو رونالدو وميسي ونيمار وعلى "الحـذاء الذهبي"، فليتنافس صالح والسيسي وحفتر وبشار على "حذاء الزيدي". يأتيهم مُلطَّخًا بوحل ذنوبهم ومُحمَّلاً بآلام شعوبهم. يصفع تلك النمور المجوفة فيجردها من زئيرها ويُسْقِط نظاراتهم السوداء الفاخرة التي يختبؤون خلفها ليقرأوا رسالةً كُتبت لهم على ذلك الحذاء الغاضب بخط طفل صغير تقول: "ضيعتم شعوبكــم.. فَبُــوؤُوا بشِـسْع نعــــل إيـــلان".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.