شعار قسم مدونات

هل صافح اليمنيون الأيادي الخطأ؟

مدونات - اليمن الثورة اليمنية

استبشر اليمنيون كثيراً في صبيحة 26 مارس؛ يوم رأوا ضوء قادماً في البعيد يعدهم بالأمان والعدالة، ويمنيهم بعودة دولتهم المسلوبة، ومن فرط فرحتهم حينها لم يتمكنوا حتى من تمييز ملامحه.

أطلق التحالف العربي قبل عامين ونصف من الآن عاصفة الحزم، وكان هدفها الكبير معلناً: استعادة دولة اليمنيين وشرعيتهم .اصطف اليمنيون خلف التحالف كما لم يفعلوا من قبل، وضعوا أرواحهم على أكفهم ثم انتظروا الأوامر، كانوا جنوداً مطيعين ومخلصين، ومستعدين دائماً لأقصى درجات التضحية والفداء.

 

خاض اليمني حرباً شرسة وقاسية دفاعاً عن دولته وحقه في الحياة، وعلى الرغم من وقوف أكثر من عشر دول كبيرة في صفه إلا أن الحرب لم تكن متكافئة ولا لصالحه منذ البداية؛ خاض كل معاركه وجهاً لوجه، بسلاحه الخفيف وبكثير من الإسناد الجوي الخاطئ !لم يجد اليمني فرصة لالتقاط أنفاسه علاوة على أن يفكر فيما قد يحاك له في الخفاء، ولأجل كل هذا كان يبرر دائماً التقصير السيء والدعم الشحيح جداً من جيرانه الأثرياء.

 

يبرر الخذلان المستمر، الأخطاء الفادحة، يعصب على عينيه كي لا يدرك الحقيقة المرة، الحقيقة التي تقول: إن التحالف العربي ينفذ في بلده مشروعا هلامياً غبياً وبلا ملامح، وأن هناك أهدافاً خبيثة وضيقة، بعيدةً عن كل الأهداف المعلنة، قريبةً من كل الأطماع المعروفة لكل غزاة الكون .وقف اليمني المغلوب على أمره أخيراً غارقاً في حيرته، تذكر لوهلة أنه يصطف خلف أنظمة أوليغارشية متقلبة لكنه تجاهل كل هذا المنطق في مقابل أن يتخلص من ميليشيا متطرفة سلبت دولته وحياته.

 

التحالف العربي يبحث بالرياض تطورات حرب اليمن (الجزيرة)
التحالف العربي يبحث بالرياض تطورات حرب اليمن (الجزيرة)

 
يخوض التحالف العربي، تحديداً الدولة الأكثر اندفاعا فيه، الإمارات العربية المتحدة، مغامرة غبية وغير محسوبة في اليمن الكبير .ففي الوقت الذي كانت تعلن هذه الشقيقة لكل العالم دعمها لإرادة الشعب اليمني ووقوفها في طريق استعادة دولته وشرعيته، كانت تمارس عهراً واضحاً ومؤلماً في الخفاء .ابتداء من تشكيل ميلشيات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة، مروراً بالسيطرة الكاملة والمباشرة على مناطق الثروة والسلطة، على المنافذ البحرية والحيوية وعلى مفاصل الدولة الممتدة .ثم انتهاء بإنشاء السجون وتنفيذ الاعتقالات وتقسيم اليمنيين في الصف الواحد إلى حلفاء وأعداء وتقويض شرعية الدولة ومجابهتها والتمادي بعيداً حتى مواجهتها في الهواء الطلق وأمام كل الناس؛ متناسية أن الشرعية اليمنية هي الغطاء الوحيد الذي يشرعن لها كل هذا العبث، وما إن يرفع عنها حتى تبدو سوأتها لتغدو كياناً محتلاً غاصباً وفارغاً من أي هدف أو معنى.

 
تمارس العربية المتحدة أو إسبرطة الصغيرة إذا ما استعرنا هذه التسمية من الجنرالات الأمريكيين في معرض تعليقهم على أدوار الإمارات الاندفاعية والجريئة في حربها ضد داعش، تمارس دوراً ضبابياً وخطيراً في اليمن الجريح، ففي الوقت الذي تعلن فيه دعمها الكامل لليمنيين على خط معركتهم تبدأ بتصنيفهم إلى جماعات موالية ومعادية وبطريقة سمجة وغبية سيحكي عنها التاريخ كثيراً في القادم البعيد.

 

سيفيق اليمنيون يوماً ما على أنقاض دولة، سينظرون للأفق البعيد ليتجلى لهم المحتل قريباً كما لمم يحدث قبل، بملامحه الكاملة والبشعة

تبدأ هذه الدويلة الثرية الفاقدة للحضارة والتاريخ بسد عقد نقصها في اليمن، تنفذ مشروعها الجبان في البلد العريق، الضارب في جذور التاريخ منذ آلاف السنين، بحضاراته المتعاقبة، من أوسان إلى معين، ومن سبأ حتى حضرموت .البلد الأعرق المميز، بإنسانه الصلد العنيد والذي يتأمله العالم مشدوهاً في كل مرة، من صلفه وقهره للطبيعة القاسية .لم يجرؤ أحد على قهر اليمني القديم من خارج محيطه، كما أنك لن تجده مهزوماً أو بائساً في حال. وإن بدت لك هزيمة اليمني فهي استراحته القصيرة قبل أن يعود شرساً صلفاً يعارك المستحيل. في الوقت الذي يغرق فيه اليمني اليوم جوعاً ومرضاً، تقف هذه الدولة لتسد أمامه كل الفضاء، تتجلى من عليائها المتخيلة، في كل مرة وعلى طريقتها تبدأ بتصنيف اليمني المغلوب عمودياً ثم أفقياً وبلا نهاية .

  

تصر الإمارات على العبث بنسيج اليمنيين وتركيبتهم وتشكيلهم الديموغرافي على نحو يثير السخرية، ففي الوقت الذي يسكب اليمني دمه دفاعاً عن دولته ومحيطه والعالم، تقف هي من خلفه تماماً، تمنع عنه السلاح الحاسم، تغرقه في الوحل، في الضغائن، ثم تتركه في طريق هلامي وبلا ملامح، فلا هو منتصر ولا مهزوم. بل استنزافاً متعمداً، قاسيا وجبانا .يفقد اليمني الآن أغلى ما يملك في مقابل إرضاء غرور حكام الخليج الجدد، بسلطاتهم المراهقة وأوهامهم الغبية. يقف حائراً أمام كل هذا القهر، فمن ادعي حمايته بالأمس يسعى لتقسيم وطنه اليوم، يقوّض شرعيته بصفاقة، يدعم المشاريع الشعبوية الضيقة، ويستخدم الميلشيات المتطرفة المتجاوزة لفكرة السيادة والوطن، المستعدة دائماً لنقل بندقيتها من كتف إلى كتف، والقتال ضد كل الناس وكل الأفكار .

 
سيفيق اليمنيون يوماً ما على أنقاض دولة، سينظرون للأفق البعيد ليتجلى لهم المحتل قريباً كما لمم يحدث قبل، بملامحه الكاملة والبشعة . ستظهر شرعيتهم المسلوبة مسلوبةً أكثر، ثم سيندبون حظهم مرتين ولن يلبثوا ملياً حتى يفيقوا من جديد ثم يقاتلوا بشراسة تقهر المستحيل، تنعش الوطن الكبير، ثم تصنع المعجزات .

 

ربما تجهل إسبرطة الجديدة ما الذي يمكن أن يفعله من فقد بطريقه كل شيء في ليلة غادرة لم تعرف الفجر ولا الحياة. لم يعد أمام اليمني ما يخسره ولأجل هذا ستجده يبتلع كل المشاريع الضيقة، ثم يقذفها في صحرائه العميقة حتى الأبد. فهل يفهم الخليج هذا المنطق؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.