شعار قسم مدونات

حبيبي القادم من القمر!

Blogs- marry

في أحد سيناريوهات الدراما أن شخصًا قادمًا من القمر بهيئة بشريّة لا تختلفُ عن باقي البشر، يلتقي بفتاة ليصبح حبيبها، تمر بينهما الأيام فتلحظ بعضًا من الاختلاف بينهما ليصارحها بدوره أنّه ليس من أهل الأرض وأن ثمّة اختلافاتٍ في منظومة الطاقة في جسده تستلزم منه الاختفاء فجأة في أي مكان، يختفي ليعود للقمر يستزيد من الطاقة هناك ثم يعود إليها، لكن متى سيعود وكيف وأين لم تكن ثمّة إجاباتٍ واضحة لهذه التساؤلات.

  

وعلى الرغم من الاستفهامات الكثيرة المحيطة بهذا الكائن إلا أن الفتاة أحبّته، وتقبّلته كما هو واعتادا على الاختلافات التي بينهما وهو كذلك، اعتاد هو على كل شيء يرغبه فيها أو لا يرغبه. واستمرّا كأحباء لم يشوب علاقتهما إلا قليل من خلافٍ مقدور على حلّه بشكل سريع. ربّما تكون هذه القصّة مثالية لأنها درامية، لذلك لن نضعها نُصْب أعيننا مليًّا، سنبقى في الأرض ونلقى أحبة من الأرض، فقط الشيء الوحيد المشترك بين حبيبٍ من القمر أو حبيب من الأرض هو أنّه بإمكاننا أن نحيا دون الصراعات الناجمة بين الطرفين.

  
لماذا تعج صفحات الانترنت بمشاكل وتساؤلات حول كيف تفهم النساء، كيف تتعاملين مع الجنس الآخر؟ كيف تحافظ على شريك حياتك، أين وكيف ومتى ولماذا ورغم الكم الهائل مما يُكتب في هذا السياق نرى بالمقابل كمًّا هائلًا من الخلافات التي قد تودي بعدد كبير من طلاق الأزواج، وعدد لا بأس به ممن يعيشون طلاقًا مبطّنًا تحت سقف الزوجية. السؤال الأقوى هل هذه الخلافات ظاهرة حقًا في مجتمعاتنا الشرقية فقط، أم انها عالمية، الإجابة عن هذا السؤال سيحل إشكالية كبيرة في مفهوم ما يُسمى "الرجل الشرقي" فهذه الرمزية تدل على عدم انفتاح تفكيره الرجل ولا تصرفاته!
 

يجب أن نفرّق بين الأشياء الأساسية التي تجعل الاختلاف بين الرجل والمرأة بطبيعتهما، والأشياء التي هي عيوب شخصية في الرجل أو في المرأة ويسعى كل منهما كزوجين لإصلاحها كي يسير مركب حياتهما بسلام

المشكلة فعليًا هي مشكلة عالمية لكنها متفاوتة بين بلدٍ وآخر، وربما بين منطقةٍ وأخرى حسب الظروف المحيطة سواء كانت ظروف البلد أو المفاهيم المجتمعية التي يقيدون أنفسهم بها أو يتحررون منها. معظم الكتب التي ظهرت في هذا السياق كان أغلبها لمؤلفين غربيين، واستعراض المشكلة فيها واضح وكذلك مقترحات الحلول للحد من هذه المشاكل. ولو أردنا أن نُمسك بزمامِ الأمر لوضعنا معايير كثيرة لعل أهمها هو تقبُّل الاختلاف وثانيها هو تحمُّل المسؤوليات.

     
تقبل الاختلاف تندرج في سياقها الكثير من المفاهيم والتصرفات، أن تتقبل اختلاف شريك حياتك يعني أن تعي تمامًا أن لكل شخص منكما معاييره الفسيولوجية والنفسية التي تختلف عن الآخر، يعني أن طريقة التفكير تختلف تمامًا مهما تشابهت وعليه فإن جهدًا ليس بالقليل يجب أن يُبذل كي تكون القاعدة التي تُبنى عليها الحياة متينة لأنه إن لم تكن نقاط الاختلاف محسومة فإن تقبّلها لن يكون سهلا ولن يكون مقبولًا لذلك تجد شابًا يعيب في زوجته تأخرّها عند تحضير ذاتها للخروج لمشوارٍ سيقضونه سويّة، وتجد فتاة لا تتقبل برود زوجها في التعامل مع الأمور رغم أنها الحكمة بعينها.

 

تجد شابًا يؤكد بكل ما فيه أن كلمته هي الصواب وأنها هي التي يجب أن تُنَفّذ وكأن زوجته أثاثُا إضافيًا في منزله وحسب! وآخر يقول لا أستمع لرأيها ثم أنفذ رأيي أولا وأخيرا كالمثل الذي يقول (شاورهن وخالفوهن)، وتجد زوجة تأكل رأس زوجها أثناء عودته من العمل لتخبره بالكثير من الأشياء المفيدة وغير المفيدة، وهو فعليًا غير مهتم بما تقول أو بالأحرى إن التوقيت التي تتحدث هي فيه غير مناسب، فهي فعليا في حاجة للكلام وهو مستغنٍ عن الاستماع وبالتالي تنشب كثير من المشاكل بادئها هذا الأمر. لذلك يجب أن نفرّق بين الأشياء الأساسية التي تجعل الاختلاف بين الرجل والمرأة بطبيعتهما، والأشياء التي هي عيوب شخصية في الرجل أو في المرأة ويسعى كل منهما كزوجين لإصلاحها كي يسير مركب حياتهما بسلام.

  

الشاب عندما يُفكر في الزواج ينفي كل معايير التفكير وشخصية الفتاة عند اختياره، لأن هذا لن يهم ولأن رأيه هو الرأي النافذ سواء شاركها الرأي أم لا!
الشاب عندما يُفكر في الزواج ينفي كل معايير التفكير وشخصية الفتاة عند اختياره، لأن هذا لن يهم ولأن رأيه هو الرأي النافذ سواء شاركها الرأي أم لا!
  

وربما مرّت عليكم قصة عمر بن الخطاب وزوجته، وصاحبه الذي أتى يشكو زوجته لعمر لأنها ترفعع صوتها فوقف ببابِ عمر وسمع صوت زوجته فعاد أدراجه، فلما لقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنها ذكّره بما تقوم به زوجته لأجله أفلا يصبر على كلامها واعتراضها! أما عن تحمّل المسؤولية فلن أطيل فيها كثيرًا إلا بما ورد عما كان يفعله النبي محمد صلى الله عليه وسلّم عندما كان يقوم بأعمال البيت كواجبٍ عليه كفرد يعيش فيه لا انتقاص بشخصه كرجل فقد ورد في صحيح البخاري عن الأسود قال "سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني في خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".

   

وروى أحمد وابن حبان وصححه عن عروة قال "قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم"، وعن عمل المرأة خارج المنزل فقد كانت صحابيات جليلات يقمن بأعمال كثيرة في الزراعة والتجارة وحتى في الحروب والأمر ليس مستجدًا، ولكن شكل الحياة الحديثة استجدّت خروج المرأة للعمل ثانية لأسباب كثيرة، وهنا تكن الأسس لتحمّل المسؤوليات واضحة فالزوج والزوجة كلاهما مسؤولان عن منزلهما، أولادهما (تعليمهم وتربيتهم والسهر أثناء مرضهم)، ومسؤولان سويّة خارج المنزل (بتفاوتٍ وحسب رغبة المرأة في العمل أو لا).

 

بذلك لا يكون تفكير الرجل أن المرأة مهما فعلت فهي في الآخر للبيت والطبخ والنفخ وكأنه يقلل من شأنها رغم أن كل أعمال المنزل تحتاج جهدًا كبيرًا جدًا لإنجازها، ولكن أن تنجز الزوجة أعمالها وهي تعلم أن زوجها يقدر لها كل ما تفعل بل ويقدم المساعدة ويقف عند مسؤوليات المنزلية هذا سيشكل فارقًا كبيرا في تخطيها لكثير من الخلافات والمشاكل ولا تقف له بها بالمرصاد.

      

في مجتمعاتنا الشرقية تتضخم مشاكل الأزواج بشكل أوضح، فتاة كل شيء في بيت والدها ممنوع وأكثر كلمة سمعتها من والدتها هي (بكرة عند جوزك بتطلعي بتعملي اللي بدك ياه) فارتسمت صورة الفارس الأبيض القوي محقق الأحلام ومكسّر كل الحواجز وكأنها عندما تخرج من بيت والدها ستذهب للقمر-فعليا- والذي يحدث أنها ربما تنتقل لبيتٍ آخر وقد يكون بيت عائلة الزوج لتتفاجأ بالدلال الذي كانت تتمناه بأنه لن يستمر طويلا، فحياتها الآن ضغوط مجتمعية مع عدد لا بأس به من المسؤوليات!

    

يوضح كاتب
يوضح كاتب " لماذا يتصادم المريخ والزهرة" أن أهم أسباب المشاكل الزوجية في عصرنا هو الضغط، وعندما يجتمع الضغط مع شُح الوقت الذي يعطيه كل زوجٍ للآخر ليوضح وجهة نظره في نقطةِ خلافٍ ما تتضاعف المشاكل
  

وكذلك الشاب الذي عندما يُفكر في الزواج ينفي كل معايير التفكير وشخصية الفتاة عند اختياره لأن هذا لن يهم ولأن رأيه هو الرأي النافذ سواء شاركها الرأي أم لا، فمعاييره تقتصر بمعايير مادية شكلية ويتوقع أن تكون تلك الزوجة التي تنتظره في البيت هي تيرميتر ومعالج لكل حالات مزاجياته المتقلبة بسبب أو بدون سبب، ولا يتوقع أن تكون هي كائن حي يشعر ويسعى جاهدًا للتشبث بالحياة -كما يفعل هو أيضًا ليكسب قوت أسرته- فيتفاجأ بزوجة تصرخ في وجهه، تُعاند، لا يعجبها شيء ولم يبحث يومًا ما عن السبب بل اكتفى بالقول (هما النسوان نكديات!)، لم يعي هذا الشاب اختلافات تفاصيل حياته وحياتها.

         

رغبتها بالحديث دومًا في الوقت الذي لا يملك هو وقتًا للاستماع، في رغبتها في إيجاد ذاتها بعيدًا عن رائحة البصل!، في أن يستوعب شيئًا بسيطًا كاكتئاب الولادة الذي يصيب المرآة بعد أن تشعر أن روحًا صغيرة ملتصقة بها ويجب أن تعتني بها بكامل قوّتها، ليأتي زوجها بدوره الجميل يعاتبها أنها تغيّرت او أنها لم تُعهد تُعِره الاهتمام اللازم كما كانت سابقًا.
   
في كتاب (لماذا يتصادم المريخ والزهرة) يوضح الكاتب في بدايته أن أهم أسباب المشاكل الزوجية في عصرنا هذا هو الضغط، وعندما يجتمع الضغط مع شُح الوقت الذي يعطيه كل زوجٍ للآخر ليوضح وجهة نظره في نقطةِ خلافٍ ما تتضاعف المشكلة لتصبح ككرة الثلج تتدرج في حياتهما لتكبر وتصبح مزيجًا من مشاكل متراكمة يصعب حلّها.
 
لا توجد كبسولات علاجية لهذه المشاكل، ولا تلك الوصفات المرتبة في نقاط، الحل الأمثل هو الاستيعاب والفهم وتوسيع المدارك في هذا الأمر، أن تكون فعلا البيوت هي سكنٌ للمودة والرحمة والسكينة، وهذا مطلوب من الزوجين وكلٌ منهما كما هون عنصر أساسي في المشكلة فهو عنصر أساسي في الحل، لذلك قبل أن تُفكّر في الزواج وقبل أن توافقي على الزواج ليتذكر كل منكما أن الزواج هو (مُكمّل لنصفك الآخر فهل نصفُك الأول مكتملُ حقًا كي تبحث عن النصف الآخر؟).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.