شعار قسم مدونات

عرفات المستحيل.. في ذكرى الرحيل

blogs - Yaser Arafat ياسر عرفات

الرئيس ياسر عرفات يقول بأن الاتفاق الذي ستوقعه منظمة التحرير الفلسطينية هو الممكن.. رد الدكتور جورج حبش بأن الثورة الفلسطينية قامت لتحقيق المستحيل لا المـمكن ."وذلك خلال نقاش قادة المنظمة حول الاتفاق المنوي توقيعه مع الكيان الصهيوني أو ما سمي فيما بعد اتفاقية أوسلو".

 

رغم الاختلاف الشديد وجذوره العميقة بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، نجح الرئيس أبو عمار في الحصول على تأييد المجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية للاتجاه نحو الاتفاق. تم الاتفاق في ذلك اليوم، وأخذ الاختلاف مساراً آخر منذ ذلك اليوم، إلى أو سلو ولا أوسلو، مجموعة الواقعيين ومجموعة الحالمين، فسطاط الممكن وفسطاط المستحيل.

 

ذهب الرئيس أبو عمار إلى ممكنه، وغدا القائد جورج حبش مع مستحيله، رغم أن المعايير تغيرت ولم تكن لتلك الكلمات ذات دلالتها. بدأت المنافسة وتستمر المواجهة بين المستحيل والممكن ضمن موازين القرن العشرين.

 

القائد جورج حبش يبدأ معركته مع المستحيل، يسلم الأمانة المثقلة بهموم الماضي ورداءة الحاضر وأحلام المستقبل إلى القائد أبو علي مصطفى -يقتل القائد أبو علي، بعد ذلك أحمد سعدات، من سجن أريحا الدولي إلى سجون الاحتلال، ويتفرغ حبش لإدارة مركز دراسات وإدارة المستحيل من مكانه بين دمشق وعمان، يموت جورج حبش في مكتبه وبين أحبائه في بيته الدافئ. كان جورج حبش وسيما، وكذلك كانت كلماته وخططه بشكلها أكثر من مضمونها، فما كان عنده مستحيلا لم يكن حقيقة أكثر من واقع ممكن.

 

جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (1926-2008م) (الأوروبية)
جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (1926-2008م) (الأوروبية)

  

الرئيس ياسر عرفات بدأ معركة الممكن ليمر فوق عدة اتفاقيات وانتفاضة كبرى وحصار ثم حصار ثم مقتولا أو مسموماً. اختار الرئيس أبو عمار خوض غمار الواقع، ولكن للحقيقة كان ياسر عرفات يسبح في المستحيل. وصلت مراكبه إلى ما وصلت. إن الرئيس أبو عمار بأبيضه وأسوده وما له وما عليه كان يجيد السير على الخط الأحمر لا يجتازه ولا يفضل العيش دونه، وإن اجتازه كان يعرف كيف يعود إليه .لهذا ترى أبو عمار وسيرته من أكثر السير المبهمة لدى الشعب الفلسطيني ومحيطه العربي .فهو من أكثر من اجتمع وتفرق عليه أبناء فلسطين.

 

ولكن بعد تجربة أبو عمار الطويلة التي أخفق فيها حيثما وأنجز منها، أليس من حق الشعب الفلسطيني بعده السؤال إلى أين المسير وكيف كان هو المسير، وخاصة أن ياسر عرفات كان يمتلك كل الحبال، فهو رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، ورئيس اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.

 
هل كان على الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من ربع قرن أن يستنزف ما عنده ويدفع الفاتورة الباهظة ليحل الشيفرة الجدلية الأزلية المتعالجة بين المستحيل والممكن؟ وهل علينا أن تخوض غمار البرامج السياسية والافتراق والانقسام والتباغض والتباعد ربع فرن آخر وآخر؟ أليس من حقنا ونحن شعوب خاضت التجارب أن نعطي جواب آخر بعيدا عن تيه القرن العشرين والذي طال بنا نحن الفلسطينيين والعرب والمسلمين! أليس من حقنا أن ندعو شعوبنا وأمتنا بالتمسك بالعروة الوثقى قولا وعملا وخاصة أن الدائرة التي كانت تدور فينا بدأت حلقاتها تضيق كل الضيق!

 

ما يمكن قوله إن حل هذه الأحجية قريب ولا يحتاج إلا لمن يتلقفه، وما هو إلا في أربع كلمات "لا إله إلا الله" وعندها سيكون المستحيل واقعا وبدونها سيكون الواقع مستحيلا .وإن العبرة لألي النهى ومن نهى النفس عن الهوى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.