شعار قسم مدونات

صناعة الإرهاب.. الجانب المظلم للعلوم النفسية

Blogs- islamic state

"صناعة الإرهاب" قد يبدو الأمر مرعبا و في غاية الصعوبة بالنسبة للعامة، لكن بالنسبة لأخصائي في علم النفس فالعملية في غاية البساطة ذلك أن الإرهابيين هم في الأصل أناس عاديون وليسوا ساديين أو مضطربين نفسيا كما يعتقد العديد بل يتم قيادتهم عبر ديناميكية المجموعة للقيام بأعمال مؤذية للآخرين لأسباب يعتقدون بأنها نبيلة وعادلة، إن الإرهاب هنا يعمل على إعادة تشكيل تلك الديناميكية لإظهار القيادة المتطرفة بصورة أكثر جاذبية للآخرين، إنه وبعد تجارب نفسية عديدة تبين أن كل فرد قادر على ارتكاب فعل متطرف  تحت ظروف مناسبة أو غير مناسبة.

       

الأمر ليس حصريا فقط على المضطربين نفسيا أو المتعاطين لمواد مخدرة، بل يتم التخدير في إطار الجماعة وبوجود قائد يتم اتباعه في أي شيء، يتم التركيز هنا على الجانب العقائدي والنفسي للمستقطب، باستثارة الجوانب الهشة بشخصيته وبالمضي وفقا لما يؤمن به ويقدسه، فبعد توفير الإلهام الروحي للإرهابيين من طرف القادة يتم تمرير أفكار شاذة للاوعي خاصتهم  وعلى عكس ما هو شائع بأن الإرهابيين مؤمنون حقيقيون لكنهم يتعرضون للضغط في إطار ديناميكية الجماعة، وأنهم يعلمون ما يفعلون، فإن الإرهابيين يتم استقطابهم وفقا لمعايير نفسية دقيقة تعتمد على سبيل المثال على الخلافات الجماعية والتي تستغل من طرف القادة لخلق صراع نفسي داخلي بشكل أولي يجعل الضحية متحدا بشكل لا إرادي مع القائد المتطرف في سبيل محاربة الجماعة المعادية.

              

معظم الأنشطة الإرهابية في الغرب في المائتي عام الماضية ذاتية النشأة والتنظيم والتمويل على نحو عفوي

إذا الإرهاب لا ينشأ أبدا من فراغ، بل ينشأ ضمن مجموعات متشرذمة من الحركات الأكبر المعارضة الاجتماعية والسياسية. وينطبق هذا الأمر على مؤامرة "بابوف" أثناء الثورة الفرنسية، وكاربوناريس في إيطاليا وفرنسا في أوائل القرن التاسع عشر، والمجموعات الجمهورية/الإرهابية في فرنسا قبل ثورة 1848، والتطهيريين في الولايات المتحدة الأمريكية، والأحداث التي بلغت ذروتها في تكوين حكومة بلدية باريس، والأناركيين في ألمانيا وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وحركة العمال العنيفة للغاية في الولايات المتحدة، ومجموعات الأناركيين والإرهابيين المتنوعة في روسيا في نهاية القرن الماضي، ومجموعة جاليني في الولايات المتحدة، وفري كوربس في ألمانيا، ومجموعات السطوة البيضاء، والمجموعات اليسارية المتنوعة في العالم الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، والمجموعات الانفصالية في الأمم المقسمة عرقيًا، والمجموعات المتطرفة الدينية العنيفة، بما في ذلك المسلمين والمسيحيين. إن تاريخ العالم الغربي يكتظ تمامًا بحركات العنف السياسي.

  

باستعراض هذه الأدلة، يدرك المرء أن العنف السياسي هو عملية مكونة من خطوتين: تتمثل الخطوة الأولى في الانضمام إلى حركة سياسية معارضة، وهو عمل أصبح قانونيًا وشرعيًا بالتدريج في معظم أنحاء العالم الغربي منذ اندلاع الثورة الفرنسية. وفيما يتعلق بالسؤال الخاص بالسبل التي تنتهجها الشبكات الإرهابية لاجتذاب أعضاء إلى صفوفها في البلد المستهدف، الإجابة أنها لا تقوم بذلك

       

ينخرط الشباب في الأعمال الإرهابية لصالح الإرهاب العالمي من تلقاء أنفسهم، وفي بعض الأحيان يحاولون السفر للانضمام إلى تلك التنظيمات مثل المنظمات المتنوعة التي تتبع تنظيم القاعدة
ينخرط الشباب في الأعمال الإرهابية لصالح الإرهاب العالمي من تلقاء أنفسهم، وفي بعض الأحيان يحاولون السفر للانضمام إلى تلك التنظيمات مثل المنظمات المتنوعة التي تتبع تنظيم القاعدة
 

ثانيًا، بالرغم من أن هذه الحركات السياسية لا تتبنى في الغالب أساليب العنف، إلا أن الأسس الأيدولوجية التي تقوم عليها قد تسمح لبعض أتباع هذه الحركات بتبرير التحول إلى العنف. وفي داخل تلك الحركات، وبخاصة تلك التي تفتقر إلى الانضباط الداخلي، عادةً ما يكون هناك بعض الساخطين الذين يضيقون ذرعًا بعملية الإصلاح طويلة الأمد. ويرى هؤلاء الأفراد أن سبل الاحتجاج والمعارضة السلمية غير مجدية ويتبنون أشكالاً أقوى من المعارضة. وغالبًا ما تؤدي الإجراءات التي تتخذها الدولة أو السلطات التابعة لها، مثل الميليشيات التابعة للدولة التي تحاول قمع المعارضة السياسية، إلى إثارة هذا الرفض لأساليب الاحتجاج السلمية، والذي يتبناه القطاع الأكبر من جماعات المعارضة، والتحول إلى العنف السياسي. وتولد هذه الإجراءات عادةً شعورًا بالغضب الأخلاقي لدى شباب المعارضين وتدفعهم إلى الاقتناع بأن العنف هو السبيل الوحيد للتغيير السياسي.

           

فكما قال ساغمان إن معظم الأنشطة الإرهابية في الغرب في المائتي عام الماضية ذاتية النشأة والتنظيم والتمويل على نحو عفوي. وفي نهاية القرن التاسع عشر، لم يقبل قادة الحركات المعارضة وباء الهجمات الإرهابية "من الذئب الوحيد" والتي تسمى الانتقام الفردي. ففي الواقع، أدركت الحركة الأكبر أن الأضرار التي حدثت من جراء هذه الهجمات الإرهابية قد فرقت الأفراد بدلاً من تعبئتهم على المستوى الكبير، وأن جزوة الهجمات الفردية قد خبت بمرور الوقت. يساعد هذا الإطار التاريخي في تفسير بعض الألغاز الظاهرة التي تنشأ من انحصار التركيز على هذه الموجة "الجديدة" من الإرهاب الجهادي الجديد في الغرب.

        

وفيما يتعلق بالسؤال الخاص بالسبل التي تنتهجها الشبكات الإرهابية لاجتذاب أعضاء إلى صفوفها في البلد المستهدف، الإجابة أنها لا تقوم بذلك. إذ غالبًا ما ينخرط الشباب الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية لصالح الإرهاب العالمي الجهادي الجديد في تلك الجماعات من تلقاء أنفسهم، وفي بعض الأحيان يحاولون السفر خارج البلاد للاتصال بمنظمات ذات طابع أكثر رسمية مثل المنظمات المتنوعة التي تتبع تنظيم القاعدة. فهم في الأساس متطوعون قرروا بالفعل الانضمام إلى حركة العنف العالمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.