شعار قسم مدونات

هل حقاً إسرائيل تحتلّ فلسطين؟!

مدونات - فلسطين إسرائيل احتلا صهاينة علم

من يخطر بباله يوماً أن يُقال له: "أنا لأول مرة أعلم أن إسرائيل تحتل فلسطين، كنت أعتقد أنّ فلسطين هي من تحتلّ إسرائيل"، رغم جلّ الانتهاكات الإسرائيلية للفلسطينيين من التعذيب، القتل، الأسر، الاغتصاب، استلاب الأراضي ونهبها، المنع الأمني من السفر وغيرها الكثير.

 
هل يصل للدول الغربية حقيقة ما يحدث في فلسطين؟ أم أن الإعلام الإسرائيلي بأدواته ووسائله الكاذبة التي سخرّها لإثبات أحقيته في الوجود في فلسطين كانت أكبر من الصرخات الفلسطينية الموجعة بتفاصيلها كلّها؟ 

  
توجهت إلى النرويج برفقة الزميلتين نيفين حبايبة وملاك أبو عيشة بمشاركة 8 دول أخرى لإنهاء كورس الماجستير في صحافة الحرب والسلام والعولمة، بعد منحة مخصصة من قسم الصحافة المكتوبة والإلكترونية في جامعة النجاح الوطنية في فلسطين، وضمن تبادل طلابيّ مع معهد الدراسات العليا في جامعة أوسلو للعلوم التطبيقية في النرويج.

 
رغم صعوبة الطريق، الطيران الفرنسي السيء، والساعات الطويلة التي استغرقناها في الرحلة حتى وصلنا النرويج إلا أنّها كانت مفعمة بكلّ جديد سواء بالمجال الصحفيّ أو المعلومات الجديدة بثقافة الدول الجديدة التي تعرفنا عليها، أو الصدمة التي تلقيناها بجهل الدول الأخرى بحقيقة احتلال إسرائيل لفلسطين.

 
في الزاوية الفلسطينيّة التي قدّمناها للتعريف عن فلسطين، التاريخ، التراث، الموقع الجغرافي وما يتعلّق به كانت الصدمة على وجوه المشاركين لمعرفتهم أول مرة بهذه المعلومات، وقد سأل أحدهم: "حقاً فلسطين محتلة من إسرائيل؟ نحن يصلنا عكس ذلك." طوال رحلتنا، كنا نتحدث عن الانتهاكات الإسرائيلية وكلّ ما يعانيه شعبنا من مرارة حتى نوصل القضية الفلسطينية بشكلها الصحيح بعيداً عن مجمل الكذب الذي يطرح في الإعلام الإسرائيلي حتى صدمت حين عودتي لفلسطين والبحث في الصحف الإسرائيلية عمّا يكتب عن فلسطين، فأنا لم أجرب مرة وحدة الخوض في الإعلام الإسرائيلي من ناحية نشره للمواد أو كتابته، فكنت مدركة أنه ينشر باللغة العبرية التي لا أعلم سوى بعض الكلمات منها.

 

يصدر الإعلام الإسرائيلي نسخة من جرائده باللغة الإنجليزية إلكترونياً حتى تصل تقاريرهم للعالم الغربي ويتمّ تصديقهم
يصدر الإعلام الإسرائيلي نسخة من جرائده باللغة الإنجليزية إلكترونياً حتى تصل تقاريرهم للعالم الغربي ويتمّ تصديقهم
 

قلّة معرفة الصحفي الفلسطينيّ تحديداً بلغة عدوه كارثة، فهنا سيكتب الكثير عن قضيته الفلسطينية وما يحدث باللغة العربية دون أن يقارن ما يجري في الإعلام الإسرائيلي، ورغم وجود عدد قليل جداً من الصحفيين الفلسطينيين الذين يتقنون اللغة العبرية ويتجولون يومياً لنشر ما يكتب في الصحف الإسرائيلية إلا أن هذا لا يعد كافياً. 

يصدر الإعلام الإسرائيلي نسخة من جرائده باللغة الإنجليزية إلكترونياً حتى تصل تقاريرهم للعالم الغربي ويتمّ تصديقهم، بينما الإعلام الفلسطينيّ عاجز عن الردّ بالطريقة نفسه والنشر بلغات عدّة. حين قمت بتحليل الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس"، والصحيفة الفلسطينية "الأيام" استكمالاً للبحث الإعلامي الذي قدّمته لجامعة أوسلو بعنوان: "التغطية الإعلامية الفلسطينية والإسرائيلية لضحايا حرب غزة الأخيرة عام 2014" باللغة الإنجليزية، شاهدت الفرق الجمّ ما بي الصحيفتين.

 

لا يكتفي الإعلام الإسرائيلي بمخاطبة الغرب فقط، بل يخصّص صفحات عربية لمحادثة الدول العربية معبّرين عن لغتهم في التعايش والسلام والمحبة

نشرت هآرتس الإسرائيلية طوال فترة حرب غزة الأخيرة لمدة 51 يوماً تقارير توضح حجم الخوف والهلع الذي يعاني منه الإسرائيليون "المدنيون" دون ذنب لهم حسب قولها، وبين المستشفيات الإسرائيلية التي تعالج الفلسطينيين جرّاء الحرب، وتبيّن مدى الحنان والعطف الذي تقدمه لهم، وحجم الخراب الذي حدث نتيجة الحرب، وبين تقارير تفسّر عدم رغبة أهالي غزة بهذه الحرب ومطالبتهم بإنهائها.

 
أما الأيام الفلسطينية فاكتفت بنشر التقارير الإنسانية، وأخبار الاستنكار من الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات باللغة العربية فقط، واعتمادها على الوكالات الأجنبية في النشر، والاكتفاء بثلاثة مراسلين هناك، وخصّصت زاوية لترجمة المقالات من صحف إسرائيلية ونشره حول الحرب.

 
ضعف الإعلام الفلسطيني بتخصيص نسخة لو على الأقل أسبوعياً باللغة الإنجليزية ولغات أخرى من جرائده ومخاطبة الدول الغربية، يجعل للإعلام الإسرائيلي القوّة في محاكاة الدول الغربية بشكل سهل للغاية، وهنا يتوّجب الأخذ بأهمية هذا الموضوع إلى جانب إثراء اللغة الإنجليزية للصحفيين بشكل كبير جداً. لا يكتفي الإعلام الإسرائيلي بمخاطبة الغرب فقط، بل يخصّص صفحات عربية لمحادثة الدول العربية معبّرين عن لغتهم في التعايش والسلام والمحبة كصفحة أفيخاي أدرعي والمنسق، ويبادرون بتقديم التهاني سواء في شهر رمضان أو الأعياد، وتجد هناك تفاعلاً هائلاً على هذه الصفحات. بات جديراً أن يركز الإعلام الفلسطيني بوسائل كافة لمخاطبة الدول الغربية، وتوعية العالم الغربي بحقيقة ما يحدث، وألا يكتفي بالنشر بلغة واحدة فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.