ظهر حديثا بين اللغويين المحدثين مصطلح اللسانيات الحاسوبية، وكما نعرف أن جيل اليوم مصاب بهوس المصطلحات وتبنيها من غير أن يعرف عنها سوى القليل، فترى طلاب الدراسات العليا يثبون على هذا التخصص، وكل يزعم أنه قد حاز قصب السبق في عمل دراسته الأولى عن هذا الموضوع، ولكن ما لا يعلمه الكثير من المختصين أن هذا المجال أقيمت فيه دراسات كثيرة منذ ستينات القرن الماضي، مع ذلك نرى الكثير يزعم أن دراساته باكورة اللسانيات الحاسوبية، مع أنه سبقتهم دراسات كثيرة قبلهم بعقود من الزمن.
وقبل أن أغوص في أعماق اللسانيات الحاسوبية أشير إلى أن هذا المقال نتاج خبرة سنوات متواصلة برفقة اللسانيات الحاسوبية، من خلال مطالعتي المستمرة لعشرات الرسائل والعديد من الدراسات في هذا المضمار، وتجاربي في تطويع الحاسوب لخدمة العربية.
قلت إن حوسبة اللغة لا تقتصر على موضوعات جديدة؛ بل إن جل الدراسات التقليدية نستطيع دراستها في ضوء اللسانيات الحاسوبية وذلك عبر إضافة فصل في آخر الدراسة يشتمل على شقين: شق نظري، وآخر عملي لحوسبتها عبر برنامج معين يُكَلّف به الباحث مبرمجا ماهرا أو يقوم الباحث بنفسه ببرمجته إذا كان لديه مهارة الحوسبة، وذلك على النحو الآتي:
دراسة نحوية:
ونمثل بدراسة: أفعل التفضيل في صحيح البخاري، فهذا الباحث قام بدراسة أفعل التفضيل دراسة نحوية دلالية، وفي دراسته أحصى أفعل التفضيل في الصحيح ثم حللها تحليلا نحويا ودلاليا واكتفى، وهذا رائع وجميل، لكن هنا ينتهي المنهج التقليدي.
أما إذا أراد أن يدرسها حاسوبيا، فما على الباحث سوى رفد المادة العلمية لأفعل التفضيل في الصحيح مع ما تشتمل كل صيغة من دلالة في كل حديث نبوي لمبرمج متخصص في البرمجة ليقوم على تصميم برنامج حاسوبي تقوم فكرته على استخراج افعل التفضيل من كل حديث، وبيان عدد ورودها، وإظهار دلالتها، وبيان أي تغيرات عليها وهكذا، فما على الذي يريد العودة لإظهار صيغة التفضيل في حديث معين ودلالتها الضغط على صيغة افعل التفضيل في الحديث وسيظهر حكمها النحوي ومعناها الدلالي.
دراسة دلالية:
ونمثل بدراسة: (ألفاظ الطعام والشراب في القرآن الكريم) فهذه الدراسة تقوم على تصنيف ألفاظ الطعام والشراب في القرآن الكريم وفق نظرية الحقول الدلالية، وبعد أن ينهي الباحث الدراسة التقليدية النظرية من حيث إحصاء هذه الألفاظ في حقول خاصة ثم إظهار دلالتها، ننتقل إلى بيان الشق الحاسوبي، فيقوم الباحث برفد هذه المعلومات للمبرمج للعمل على برمجتها حاسوبيا لإخراجها في برنامج حاسوبي ومن خلال هذا البرنامج يستطيع أي شخص أن يخرج أي لفظة من ألفاظ الطعام أو الشراب من خلال الضغط عليها وبيان مواضعها في الآيات القرآنية ودلالتها في كل موضع ويمكن أن يختار ألفاظا خاصة في الشراب حسب الدراسة ويمكن للبرنامج إخراجها بسهولة من خلال هذا البرنامج المحوسب.
دراسة صرفية:
ونمثل بدراسة:(الأبنية الصرفية في ديوان شاعر) فيحصي الباحث هذه الأبنية الصرفية ثم يصنفها على الدراسة لشرحها وإيضاح دلالتها ثم بعد ذلك يسلم الباحث هذه البيانات لمبرمج الحاسوب ليعمل على برمجتها وفق الصيغ الصرفية: (اسم فاعل، اسم مفعول، صيغة مبالغة) ووضع الكلمات تحت كل تصنيف بحيث إن احتاج شخص العودة إلى اسم الفاعل في هذا الديوان يختار تصنيف اسم الفاعل ليخرج له كل اسم الفاعل في الديوان مع دلالته، وبهذا يكون تمت حوسبة الدراسة الصرفية.
دراسة معجمية:
ونمثل بدراسة حاسوبية على المعجم:(معاني الأفعال الرباعية في لسان العرب في ضوء اللسانيات الحاسوبية) فيصنف الباحث هذه الأفعال الرباعية في اللسان ثم إحصائها في جداول ووضع مقابل كل فعل رباعي معانيه التي وردت في لسان العرب، ثم ننقل إلى حوسبته، فيتم تزويد المبرمج بهذه البيانات أي الأفعال الرباعية ومعانيها في اللسان لتجهيز وعمل برنامج محوسب يستطيع من خلاله أي شخص اختيار أي فعل رباعي ورد في اللسان، فيُظهر البرنامج معاني هذا الفعل الرباعي بطريقة مرتبة ومفهرسة كما وردت في الدراسة العلمية.
وأتمنى من الدارسين أن يسعوا جاهدين لجعل كافة دراساتهم في ضوء اللسانيات الحاسوبية، كي يتم ربط الحاسوب باللغة، وهو عبارة عن شق نظري وعملي لموضوع الدراسة وبهذا يستطيع الباحث أن يكون نحويا وحاسوبيا في آن واحد وهذا لن يكلفه الكثير..
الذي أريد أن أصل له عزيزي القارئ أن اللسانيات الحاسوبية ليست أمرا معقدا ولا شيئا غامضا بل يستطيع من لديه تفكير هندسي لغوي حوسبة أي دراسة علمية وفق برنامج محوسب وقد فعل الكثير هذا النهج.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.