شعار قسم مدونات

أزمات العراق إلى متى؟

Blogs-العراق

عبر مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً ما سُئلت عن واقع العراق وتحليلي لمستقبله من أصدقاء خارج البلد. لكن أن أُسأل عنها على مائدة الطعام أثناء دعوةِ إحدى المنظمات العالمية لمجموعة من أعلامي محافظتي الحبيبة كركوك تلك كانت المفارقة.

       

فلا زلت أتذكر حين سألني صاحبة الابتسامةِ السمحة والوجنةِ اللطيفة الموظفُ في المنظمةِ. الدنماركي الجنسية الفلسطيني الأصل ونحن على مائدة الإفطار. كيف ترى العراق بعد عشر سنوات من اليوم؟ فأجبتُهُ دون تردد أظن أن أمسهُ أفضل من اليوم ويومنا للأسف أفضل من الغد. فأردف معقباً كيف وأنتم بالأمس القريب حطمتم صنماً أسمه (صدام حسين). أذاقكم الأمرين.

     
فقلت لهُ بلسان عربي فصيح سيدي الكريم من خلال مشاهدتي للواقع وقراتي لطبيعة الشعب. لستُُ أعتقد أن يزدهر العراق حتى ولو بعد عشرين سنة وأتمنى أن يكون تحليلي غير صحيح. لكن لدي من المعطيات ما يؤكد هذا الكلام. وسوف أسوقها هنا في هذا المقال لأضعهُ بين يدي القارئ الكريم. فالعراق ولدهرٍ من الزمن ما أن يودع مشكلةً حتى يفتحَ يديه مستقبلاً أخرى جديدة ليضُمهُ إلى صدره. فهي كالسلسلة لا تنفك حلقاتُه وكل هذا وأبناء الشعب هم من يدفع فاتورة التهورات السياسية المراهقة. ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن الشعب هو جزءٌ لا يتجزأ من تلك المشكلات التي تعصف بهذا البلد ومنذ أمدٍ بعيد.

           
وللأسفِ أقولها أشتهر شعب العراق بخفة كفيه للتصفيق لكل من هبَ ودب. وليس هذا اتهامٌ بقدر ما هو وصفٌ لواقع. ولكثرة هذه الأزمات المتتالية بدأ أغلب المثقفين وأصحاب الفكر يُشكك في حقيقتها وهل فعلاً هي أزمة أم صناعة يحترفها الحاكم ليضمن بقائهُ وحاشيته أطول فترةٍ ممكنة يندقُ دونهم الأعناق. فالذين كانوا يعادون النظام السابق وينعتونه بالدكتاتور والمستبد هم أنفسهم انتهجوا نفس منهجه. في خلق الأزمات التي أضلت سماء العراق سواداً قاتماً.

             

من الواجب لمن يتصدر إدارة الدولة أن يؤسس للعمل المؤسسي ولا ينحاز للتفرد في اتخاذ القرارات، فالمؤسسية تعني وضع النقاط على الحروف
من الواجب لمن يتصدر إدارة الدولة أن يؤسس للعمل المؤسسي ولا ينحاز للتفرد في اتخاذ القرارات، فالمؤسسية تعني وضع النقاط على الحروف
 

ولقد استطاع من يُديرُ دفة السلطة في العراق أقناع الشعب أن وضعهم أفضلُ من غيرهم وواقعهم أجمل من أغلب البلدان بإغداقهم ببعض فُتات المال كرواتب ورشى لبعض أصحاب النفوذ في المجتمع الذين أصبحوا أبواقاً للسلطة. ودليلي أن الوجه هي نفسها تجوب المنطقة الخضراء منذ سقوط النظام السابق. والعراق منذ أن وعيت ما حولي أصبح الخبر الأدسم لوكالات الأنباء حول العالم والخبر المفضل في أغلب نشراتها. وكل ذلك بفضل الساسة الذين لا همَ لهم سوى صناعة مجدٍ زائف سرعان ما يرمى في الأركان النتنة من التاريخ.

             
لكن وعلى الرغم من كل ما سبق، يستطيع البلدان التي تعصف بها الأزمات كالعراق أن يفيق من سباتهِ وينهض من غفوته إذا أتخذ غالبيتهم القرار. وأولى خطوات ازدهاره من وجهة نظري يبدأ بتجرد نخبِه المثقفة من المنافع الشخصية ليكونوا السراج الذي يُضئ ظُلمة الطريق لأبناء الشعب. نعم لا يأتي الخلاص من الأزمات بين ليلةٍ وضحاها لكن حال توافر الشرط المذكور نظمنُ شعباً أكثر وعياُ وأعلى ثقافة. وحينئذٍ لا يمكن لشعبٍ واعيٍ أن يسمح للانتهازيين في حكمه واللعب بمصيره. ويبدأ بقراءة أبعاد ما يحاكُ لهُ ويعرف كُنهها. وللحكوماتِ دورٌ بارز في استئصال الأزمات حال توافر الإرادة الحقيقية لديها. لذا من الواجب لمن يتصدر إدارة الدولة أن يؤسس للعمل المؤسسي ولا ينحاز للتفرد في اتخاذ القرارات ويسعى جاهداً لتولي رئاسة الحكومة لأكثر من دورة. فالمؤسسية تعني وضع النقاط على الحروف.

          
فالذين توهموا أو أُهِموا ممن حولهم أنهم القائد الملهم والرجل الأوحد شاهدنا كيف كانت نهايتهم. علماً أننا نتفهم قساوة الوضع السياسي في بغداد وسيطرة أجندةٍ حزبية وفئوية وخططٍ خارجية لكن لا يُصلح حال البلد سوى العمل المؤسسي المبني على الكفاءة وغرس روح المواطنة التي هي من صلب المفاهيم المؤسسية لنظمن غرس ثمارها فيما بعد. وإلا من السذاجة أن نعمل نفس الأشياء وبنفس الطريقة ثم ننتظر نتائج مختلفة كما يقول آينشتاين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.