شعار قسم مدونات

أبدية الأنثى الشرقية 3

مدونات - الحجاب المرأة مسلمة

كتبتُ في تدوينة سابقة عن أحد الجوانب التي عززت من استمرارية ظلم المرأة في مجتمعي الشرقي، وهوالجانب الاجتماعي. واليوم أريد أن أتكلم عن الجانب الديني، الذي لولاه لكان الظلم الاجتماعي ضعيفاً يسهل التغلب عليه، إلا أن مفاهيم الدين الضيقة -حول حرية المرأة وحياتها- تقوي ذلك الظلم، وتعزز من استمراريته.

رغم أن الإسلام في أساسه دين حقوق وشرائع عادلة ومستقيمة، لجميع أفراده، بل إنه حتى قد ضمن حقوق الذين لا ينتمون إليه، إلا أن الإفراط والغلو الذي مارسه المتحدثين بعلم الدين وشرائعه، على امتداد مئات من الأعوام، سبب الكثير من الظلم والاستغلال والذل على المرأة وفي مختلف مراحل حياتها .

 
فحين نتباهى -نحن العرب المسلمين- أمام الأديان والمعتقدات الأخرى، بأن ديننا قد أعلا من شأن المرأة وقدس وجودها وحفظ حقوقها، وبأنها الجوهرة الغالية، وبأنها الملكة التي تفوق نظيرتها الملكة إليزابيث في الدلال والجاه والاحترام والحب، على مر الزمان، فلا يجب أن نخدع الآخرين وأنفسنا، ونصدق كذبتنا، كالحمقى المغفلين، أو كالعميان الناكرين لحقيقة النور والشمس!
 

الحقيقة أن السلف الجاهلي للعرب الظالم للمرأة، الذي كان يحط من قدرها ويقلل من أهمية وجودها ويحرمها من سيادتها لذاتها وخياراتها في الحياة، ذلك التعصب والظلم الذي حاربه الإسلام في عهد النبي العربي محمد، مـوجـود في الزمن الحاضر، وإن اختلفت أساليبه وصوره. والمحزن أنه يحدث تحت مظلة الإسلام !

  

ويتم ذلك من خلال خطابات رجال الدين المتعصبة التي تحرص وتحرض المجتمع على اعتبار المرأة الفتنة الكبرى ومفتاح العهر وأساس الانحلال الأخلاقي .وأنه يجب الحذر منها فهي الحية الماكرة، وشريكة الشيطان المفضلة في الغواية والشر ! يسيئون عن جهل وتعصب الاستدلال بحديث النبي الكريم "المرأة ناقصة عقل ودين" في كل مرة نقول: حقوق المرأة ! رغم أن التكملة الطبيعية لمعنى هذه الكلمات النبوية هي "رفقاً بالقوارير"، "خيركم لأهله"، "النساء شقائق الرجال". 

 

صارت المرأة مستنقصة بسبب تأثير الذي خلفتها تلك الفتاوي والخطابات الدينية المتعصبة أو المغلوطة من التفسيرات المتوارثة في كتب التراث لنصوص الدينية
صارت المرأة مستنقصة بسبب تأثير الذي خلفتها تلك الفتاوي والخطابات الدينية المتعصبة أو المغلوطة من التفسيرات المتوارثة في كتب التراث لنصوص الدينية
 

لقد أصبح عملهم هو ترديد وتكرر الآيات والأحاديث من نصف سياقها، لإظهار المرأة -دائماً- أنها بلا عقل كامل، وأنها لا تستطيع فعل أمورها بنفسها، والتفنن بتلك التفسيرات التي تقلل من قيمة المرأة -العقلية والدينية-، لذلك فالواجب إخضاعها وترويضها بالقوة لأجل الذكر فهو الأعلى شاناً منها بكل أحواله. أو بغسل دماغها منذ الطفولة وإفهامها أنه لا خير ولا جنة خضراء لأنثى تفكر وتتكلم وتعترض وتقرر، وإلا فإن الله سيغضب عليها! وحين يغضب سينكدُ عليها حياتها ويحرقها في جهنم .وأن الطاعة للرجل فريضة عليها كفريضة العبادة، وفي كل مراحلها العمرية حتى لمن هم أقل أهلية منها في العمر أو العقل !وذلك يجعل من أرباب الأسر وذكورهم يتغنون -بلا ملل- لنسائهم بمثل: أنتن أكثر أهل النار، أنتن لا خير منكن يا ناكرات العشير.. وهلم جرا.

 
كأنهم بذلك قد استصدروا حكماً إلهيا حاصلا محصلا، وكأن حال لسانهم يقول: مهما فعلتن في حياتكنَ من خير لنا وللناس، ومهما عمرتنَ بيوتنا وأنجبتنَ لنا أطفالنا وقضيتنَ سنوات أعماركنَ في تربيتهم والاهتمام بهم، وقمتن بالكفاح معنا لأجل راحتنا وكرامتنا، فلن يتغير شيء. فأنتِ ذاهبة لجهنم الحمراء بكل أحوالكِ أيتها المرأة!
 

إلهنا العزيز الذي نعبده وندين بالإسلام لأجله، جعل من الأنثى كائن مستقل، تتحمل أوزار أعمالها يوم الحساب مثلها مثل الذكر تماماً، فلماذا يضيق البشر على المرأة هكذا باسم الرب والدين؟

وكل ذلك بسبب تأثير الذي خلفتها تلك الفتاوي والخطابات الدينية المتعصبة أو المغلوطة من التفسيرات المتوارثة في كتب التراث لنصوص الدينية. فهذا رجل الدين يفهم الدين حسب درجة عقله وميول قلبه "هو"، لا بحسب عقل وقلب وروح الدين بذاته. خاصة إن كان متعصباً لعاداته وتقاليده الاجتماعية المتوارثة .ودائماً ما يتم إساءة فهم النصوص الدينية -في جميع الأديان- وتحويلها عن مقصدها الباطني والكُلي للحفاظ للرجال بمكانة أقدس وأعلى وأشرف على حساب بقية خلق الله.

  

وذلك سبب الكثير من المظالم والمهالك للمرأة والأسرة والمجتمع .وديننا الحنيف في أصله ضد الظلم بأشكاله، أساسه العدالة وإعطاء الحقوق، وتحمل المسؤوليات .دين الأخلاق الحميدة مقرونةً بالأفعال الصادقة، لا دين خداع ونكران وتباهي مذموم واستغلال استبدادي! ولنتذكر أنه في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان للنساء حضور في داره ومسجده، وفِي الحياة العامة لمدينة المنورة .

 
لم يمنع أو يذم حضور النساء، بمختلف أعمارهن أو أسبابهن، في تلك الفسحة التي يجتمع الرجال فيها أيضاً !ولَم يقلل من قيمة النساء القويات اللاتي يذهبن معه ومع المسلمين في الغزوات والفتوحات. كان للمرأة صوت مسموع، ومجلس مفتوح، وحق طبيعي في الحياة وفي التجارة وفي التعلم، وفِي المشاركة في مجتمعها، ولها الحق في إبداء الرأي والنصيحة والسؤال والشكوى، وكل ذلك في مجتمع إسلامي أصيل يكن لها كل الاحترام والتقدير مع الضمان التام لحقوقها .

  

وإلهنا العزيز الذي نعبده وندين بالإسلام لأجله، جعل من الأنثى كائن مستقل، تتحمل أوزار أعمالها يوم الحساب مثلها مثل الذكر تماماً، فلا أبوها ولا زوجها ولا ابنها سيحمل شيء عنها، ولا عقلها أو دينها الناقص -في فهم الناس- قد يخفف عنها شيئاً أو يشفع لها. فالجميع متساوين أمام الله في تحمل عواقب أفعالهم، ونتائج خياراتهم في الحياة.
 
فلماذا يضيق البشر على المرأة هكذا باسم الرب والدين؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.