شعار قسم مدونات

زياد الرفاعي.. وهج طفولتنا الجميلة

مدونات - سبيستون رسوم متحركة

ينتهي المسلسل الكرتوني على قناة الأطفال سبيستون، فيأتي الصوت العذب والعميق للرائعة رشا زرق، وهي تغني شارة ذلك الكرتون إلى مسامعي. مما يجعلني ألتفت تلقائيا -كطفلة حالمة- نحو شاشة التلفاز العريضة، وكأنني بتلك الحركة الساذجة قد أعيد أيّام طفولتي الراحلة، أوقد أستعيد بعض الذكريات السعيدة الضائعة مني، لتقع عيني المرهقتين فجأة على اسم زياد الرفاعي من ضمن أسماء المدبلجين، فيأتي ذلك الحزن المباغت ليثير زوبعة من الأسى في صدري، فتتجمع الدموع في عيناي رغماً عني.
 
زيـاد الـرفـاعـي ذلك المبدع، صاحب الصوت المميز، ذو صوت النبيل والبطولي، الواثق من نفسه. رافقنا لسنوات مع أغلب مسلسلات الرسوم المتحركة التي تمت دبلجة عبر مركز "الزهرة" الذي كبرنا معه، وتربينا عليه وعلى تلك الأخلاق والصفات الجميلة: الشجاعة، الصداقة، الخيال، عدم اليأس… وأهمية أن يكون لك حلمك الخاص، تطارده بكل حماس وإصرار. كنّا لا نعرف شخوص هؤلاء المدبلجين والمغنيين المذهلين الحقيقية، ولا كيف هي أشكال وجوههم وملامحهم. عشقنا أصواتهم التي عرفناهم منها وعشنا عليها وحسب، وكان ذلك يكفينا ويشبعنا في ذلك الزمن، وما أجمل تلك الأيام "أيّام الكفاية".
   
في تلك الأيام كنّا متعلقين بجنون بالأنمي الياباني "ون بيس"، وقد كان زياد هو صاحب الصوت المؤدي لشخصية الرئيسة لذلك المسلسل "لوفي.. قبعة القش"، لذلك كان في نظرنا وسمعنا هو البطل الذي جعلنا نعيش هذه القصة بصدق أحلامها، وهذا الإصرار والبراءة التي تتسم بها شخصية لوفي. كان صوته مذهلاً للغاية، مثالي بكل صدق.
 
عرفناه وأحببناه أكثر حينها، ليأتي -في المساء- الخبر المفجع عبر شريط الرسائل أسفل شاشة القناة، لنعلم أن زياد الرفاعي تعرض لحادث سيارة عنيف، وهو الآن في العناية المركزة! كان ذلك في أيّام شهر رمضان -حسبما أذكر-، وكان غالبية أطفال العرب ما زالوا في بيوتهم وفي أوطانهم آمنين من لعنة الحرب والتشرد التي طالت كل شيء فيما بعد، يشاهدون قناة سبيستون بكثرة، جميعهم كانوا يعرفون زياد الرفاعي. أسر عربية بأكملها -من بينها أسرتنا- كانت تدعو له بالسلامة والنجاة. الشريط يجعُ بالرسائل الجديدة، السائلة والداعية والقلقة من مختلف الأشخاص والمناطق العربية.

 

 
الأطفال والشباب والكبار يريدون الاطمئنان عليه، يريدونه سليماً معافياً لأجل وطفليه -تاما وتيم- ونريد منه أن يعود هو -لا غيره- ليقوم بدور صوت "لوفي" في الجزء الثاني، لأننا أحببنا تلك الشخصية بذلك الصوت والأداء. وبعد أيّام قليلة أتانا خبر وفاة زياد الرفاعي عبر الشريط ذاته، كان ذلك قاسياً علينا ومؤلم بشدة. كان ذلك في أغسطس، عام ألفين وتسعة.
 
أبكي الآن وأنا أكتب هذه التدوينة، وأذكر كل ذلك، ولكنني سعيدة لأنني حزينة على شيء أو كائن يستحق ذلك بالفعل. يستحق أن نتذكره، أن نقول اسمه الخالد بصوت مسموع، وأن نعلن عن حبنا واشتياقنا إليه، وحزننا الصادق عليه.. يستحق ذلك والله وأكثر.
 

اسم عابر يمر عليك -زياد الرفاعي- قد يجعل الموتى "الغاليين" يستيقظون من سباتهم في الذاكرة المغلقة ليبدأ الحنين والشوق وشريط الذكريات المنسية، تتجلى الصور المبهمة كالإبر المؤلمة التي تخترق جلدك بقوة بشكل متتالي، لتدرك أنك لست ببعيد عنهم ولا هم كذلك. 
 
ذلك هو الحزن القاسي، النائم في سبات عميق، يُباغتنا فجأة على حين غرة، فيستيقظ بعنف حين تصدح أغنية منسية من زمان ما في المكان الذي تسير فيه. أو حين تعبق رائحة عطر مميزة في الأجواء، أو المطر الممزوج بالتراب، فتتذكر صخب الأفراح ولقاءات الأحباب والأحضان اللذيذة في الماضي. ترى لقطة من فيلم أو مسلسل قديم، كنا نشاهده مع خالة أو أخ أو صديق أو مع طفلك الصغير، الراحلين عنا منذ أعوام، لتضحك وتبكي بحرقة في آن واحد. مقهوراً لكونك على قيد الحياة، وحيداً بدون هؤلاء أحبابك، الذين شاركوك تلك اللحظات والذكريات !
 
شكراً زياد الرفاعي، وشكراً لكل هؤلاء الرائعين المميزين، الذين شاركونا طفولتنا بأصواتهم وأغانيهم الرائعة والجميلة، والذين بدأنا نتعرف عليهم عن قرب بفضل الإنترنت. ممتنة لكل تلك المحبة والفن الراقي والسلام الذي أعطيتمونا إياه بلا مقابل، ولكل تلك الأعوام الحالمة والجميلة، لكل تلك القصص والشخصيات التي كبرنا عليها وأحببنها وعشنا معها، ولكل تلك اللحظات والجلسات التي جمعتنا مع أترابنا وإخوتنا وأهلنا بكل تلك الضحكات السعيدة والبراءة والدهشات الحلوة. 

من قلب "طفلتكم المخلصة" شكراً لكم إلى الأبد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.