شعار قسم مدونات

تأصيل اللباس والحجاب في القرآن

مدونات - الحجاب المرأة مسلمة

"إنّ أول حقيقة قرآنية تعرض في سياق الآيات المتعلقة بالنساء هي أن القصد التشريعي من رسم معالم صورة المرأة في القرآن والسنة، إنّما هو لتكون المرأة قناةً أساسية لاستمرار الدين في المجتمع". بهذا ابتدأ الدكتور فريد الأنصاري سلسلته في فقه المرأة.
 
أجل تلك هي وظيفتها الاجتماعية الكبرى فأعظم لها من وظيفة! لذلك كانت شخصيتها موطن زحام الفلسفات ولكونها كذلك، أي قناة الدين الكبرى جعلها الإسلام رمزاً سيميائياً للعفة والكرامة ومورداً تربوياً للأجيال.
 
يتابع الدكتور فريد الأنصاري: "يخطئ كثيراً أولئك السذج من المسلمين، الذين يظنون أن ظاهرة التعري هي نوع من التحولات الاجتماعية البسيطة، التي لا تمس جوهر الأمة بشيء من التغيير بل إنها سيمياء الفلسفة، ترجع إلى تصور أيدولوجي معين، مناقض لأصول المنهج الإسلامي في عرض مفهوم الحياة. إنّ سيمياء التعري سيل من الحرب الحضارية، التي تشنها اليهودية العالمية، والمسيحية الصهيونية على الإسلام لتعريته ثم تدميره."
 
فالحجاب يجبُ أن يكون موافقاً لمقصده الشرعي من التستر وحفظ الكرامة والحياء، فلا يقبل الله من العبادة إلا ما كان على شرطين: الأول أن يكون خالصاً له تعالى، والثاني أن يكون صواباً موافقاً للكتاب والسنة. القرآن الكريم هو مصدر تعبير الرموز السيميائية ومورد تفسيرها بالإسلام. إنّ رمزية اللباس في الإسلام كما قال مفسرون تنطلق مرجعيتها من قصة خلق آدم عليه السلام وزوجه حواء حيث كان لباس الجنة رمزاً للرضى الإلهي وبمجرد ارتكابهما للخطيئة تحول ذلك إلى عري!

 

لباس التقوى هو الذي يلقي بظلاله على الجسد والروح، ويمتد أثر تقوى اللباس ليصل إلى تقوى الجوارح، وتقوى القلوب، ويؤدي إلى صلاح الباطن والظاهر معاً
لباس التقوى هو الذي يلقي بظلاله على الجسد والروح، ويمتد أثر تقوى اللباس ليصل إلى تقوى الجوارح، وتقوى القلوب، ويؤدي إلى صلاح الباطن والظاهر معاً

قال عز وجلّ: "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى(122)". (طه)

 
صحيح أنّ آدم وزوجه إنما كانا وحيدين في جنسهما وهما أول البشر وإنما قصة آدم كانت لوضع أصول التربية الفطرية للإنسان وفطرة اللباس وطبيعته الإسلامية على قصة آدم وبدلالة أقوى وهي في قوله تعالى: " يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (٢٧) " (الأعراف)

 
ومن جمالية التعبير القرآني بهذه الآية أنّه سبحانه وتعالى ذكر لباس الثياب وكنّى عنه بالريش، وذلك لما للطائر من جمال حين ينطلق بريشه محلقاً في الفضاء أو مستقراً على الشجر أو ماشياً على الأرض. وما أتعسه من طير فقد ريشه! فقرن الله تعالى هذا كله بلباس التقوى وإنما قصد "بلباس التقوى" لباس التقوى الذي يلقي بظلاله على الجسد والروح، ويمتد أثر تقوى اللباس ليصل إلى تقوى الجوارح، وتقوى القلوب، ويؤدي إلى صلاح الباطن والظاهر معاً، فهو لباس التقوى الذي تتقي به كلّ المهالك، ويحفظك من الوقوع في الخطايا والآثام. فاللباس ما عبر عن ورع صاحبه وتقواه. فقيل في قوله تعالى "وثيابك فطّهر" ثيابك: يعني قلبك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.