شعار قسم مدونات

تفاصيل مرحلة اختيار التخصص الدراسي

مدونات - دراسة مكتب عمل كمبيوتر لابتوب

بعد نهاية كل عام دراسي وظهور نتائج نهاية كل مرحلة دراسية، يدخل الراسبون في مرحلة صعبة تميزها الحسرة لدى البعض منهم أو التبرير والمراجعة لدى البعض الآخر، في المقابل، نسبة لا بأس بها من الناجحين تجد نفسها في مرحلة لا تقل صعوبة عن الأولى، إنها مرحلة اختيار التخصص الدراسي، مرحلة ٌ ملؤها الحيرة وعدم الوضوح لدى كثيرٍ منهم، نحاول في هذا المقال أن نوضح شيئا ً من العوامل المتدخلة في هذه المرحلة وأن نطرح أفكاراً وأراء من شأنها أن تزيل بعض الحواجز والصعوبات التي تعترض الطالب في هذه المرحلة الحساسة.

 
سنقتصر في هذا المقام على الحديث عن العوامل الثلاثة الرئيسية للاختيار والتي تحضر في كل موضوع أو مجلس يخصص للحديث عن هذه المسألة، هذه العوامل هي: الرغبة والقدرة والفرصة، وأرجو من المتابعين أن يبادلونا آراءهم في التعليقات حول ما سنطرحه عنها، بحكم أن هذه الألفاظ الثلاث تعبر عن مفاهيم جد واسعة قد تزيد من حجم الالتباس لدى الطالب، وهذه محاولة ٌ لإزالة هذا الالتباس والريب الذي يعتري المقبلين على اختيار تخصصهم في الثانوية أو الجامعة نتحدث من خلالها عن تفاصيل مهمة ترتبط بهذه العوامل الثلاثة.

  

يقع كثير من الطلبة في بداية هذه المرحلة في خلط بين الإعجاب بالتخصص والرغبة في دراسته، وأرى أن الفيصل هنا يكون بسؤال الطالب مباشرة ً عن الأسباب التي تجعله يرغب في اختيار تخصص معين، كثيرون ستكون إجابتهم "الصمت"، هؤلاء ليسوا سوى معجبين بالميدان الذي قالوا إن لديهم رغبة في "خوض غماره"، إن من يملك رغبة حقيقة في التخصص هو من يقدم -كإجابة عن هذا السؤال- مجموعة من الدوافع والمحفزات تتعلق بشكل مباشر بهذا التخصص.

 
النقطة الثانية التي تتعلق بعامل "الرغبة" هي كون الرغبة في تخصص معين لدى البعض في الحقيقة رغبة ً في بذل جهد أقل، وهنا يجب على الموجه أو الولي توعية الطالب بأن بذل الجهد والعمل ضروري في أي تخصص، وأن تعاطيه مع تخصصه بهذه الطريقة قد يجعله يخسره في النهاية، حيث أن من يعمل بمنطق "النجاح بأقل تكلفة" قد يضيع ربما حتى ذلك القليل المفروض عليه أن يبذله من أجل تحقيق الهدف أو "النجاح"، هذه الفكرة الأخيرة توضحها النتائج ونسب النجاح المرتفعة في التخصصات "الصعبة" أو التي تتطلب بذل جهد كبير مقابل النتائج الضعيفة في تلك التخصصات التي توصف بأنها "أسهل" أو أقل صعوبة من الأخرى، وكما علمونا "العلم إذا أعطيته كُلـّـَك أعطاك بعضه" فكيف إذا أعطيته جزءا ً منك فقط.

 

ترتبط القدرة بـ
ترتبط القدرة بـ"الذكاء" في نظر الطالب، إلا أن الذكاء قد لا يكون سوى عامل يتدخل بنسبة محدودة في نجاح الطالب من عدمه في مقابل العوامل الأخرى كالإصرار والمثابرة وبذل الجهد والعمل بشكل مستمر

 
النقطة الأخيرة التي نذكرها هنا عن هذا العامل هي مسألة "غياب الرغبة" لدى البعض أو وجود رغبة في تخصص واحد فقط دون غيره من التخصصات، هذا الأمر قد يكون نابعا ً في كثير من الأحيان من نقص المعلومات لدى الطالب. البحث ُ والنقاش والحوار قد تعد حلا ً للطلبة المندرجين ضمن هذه الفئة، فهي تساهم في توضيح الرؤية لديهم و "تشكيل" أو "تصحيح" رغباتهم وتوجيهها لاختيار أنسب لهم. أما مفهوم القدرة فهو مرتبط في أذهان كثير من الطلبة بالميل إلى دراسة مواد معينة. إن الميل إلى دراسة مادة معينة لا يعني بالضرورة عدم وجود القدرة على دراسة المواد الأخرى، كما أن وجود قدرات أقل لدى الفرد في هذه المواد لا يعني كذلك عدم نجاحه إذا ما هو اختار تخصصا ً متعلقا ً بها، فقد يكون اختيار التخصص لدى البعض بمثابة تحد ٍ يدفعهم لتطوير ذواتهم وتنمية مهاراتهم واستظهار قدراتهم الكامنة التي لم يكن مَن حولَهم مؤمنا ً بوجودها، هؤلاء في الغالب هم الذين يثيرون "الدهشة" و"الانبهار".

 

تزيد الفرصة كلما زاد تحصيل الفرد للمعارف المندرجة في تخصصه والمكتسبات الضرورية لممارسة عمله، كما أن التحصيل الجيد يجعل الفرد أقرب للظفر بأي منصب حينما يكون الاختيار على أساس الكفاءة

أما عند الحديث عن تخصصات محددة -كالعلوم الدقيقة على سبيل المثال- فالقدرة ترتبط بـ"الذكاء" في نظر الطالب، إلا أن الذكاء قد لا يكون سوى عامل يتدخل بنسبة محدودة في نجاح الطالب من عدمه في مقابل العوامل الأخرى كالإصرار والمثابرة وبذل الجهد والعمل بشكل مستمر، هذه النقاط قد تشكل الجزء الأكبر من قصة النجاح إذا ما أحيطت بالإيمان بالذات وعززت بالثقة بالقدرات الكامنة لدى كل فرد وعدم استنزاف طاقته الداخلية أو تثبيطه بالدخول في متاهة من المقارنات مع من نجح في هذا التخصص من "الأذكياء". 

 
تشكل الفرصة كما ذكرنا العامل الرئيسي الثالث الذي يذكر مع العاملين السابقين، وتعني إمكانية الحصول على منصب عمل بعد إتمام الدراسة في هذا التخصص، وهكذا فإن التوجيه يكون نحو التخصص الذي يزيد بفضله احتمال الحصول على المنصب، مع الأخذ بعين الاعتبار قيمة "الراتب" المحصل عليه مقارنة بالعمل المطلوب انجازه.

 

في كثير من المجتمعات -مجتمعاتنا العربية مثلا ً- لا ينحصر مفهوم "الفرصة" في الجانب المادي فقط بل يتعداه إلى "السمعة" والتقدير الذي يضفيه هذا التخصص على صاحبه بعد التخرج، تنتشر هذه الفكرة في أوساط المتخصصين في الطب وعلوم الهندسة. الأمر الذي أظن أنه يجب التنبيه عليه هنا بالضبط -حتى لا يظن من لم يدخل في هذه التخصصات أنه قد خسر جزء ً من "ذاته" أو شيئا ً مما سيكسبه مستقبلا ً- هو أن الفرصة تزيد كلما زاد تحصيل الفرد للمعارف المندرجة في تخصصه والمكتسبات الضرورية لممارسة عمله، كما أن التحصيل الجيد يجعل الفرد أقرب للظفر بأي منصب -مقارنة بمن يحملون شهادات مماثلة لشهادته- حينما يكون الاختيار على أساس الكفاءة. الأمر ذاته -التحصيل الجيد والتفوق في التخصص- كفيل أيضا ً بجعل الفرد يحظى بذلك التقدير مهما كان تخصصه. بهذا يقترب الفرد أكثر إلى مفهوم "اقتناص الفرص" بدل انتظار الجاهز منها أو التحسر على المفقود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.