شعار قسم مدونات

هل كانت ثورة؟

Blogs- syria

هل كانت ثورة؟ يبدو للوهلة الأولى من المضحك بعد كل ما حدث خلال سنواتنا العجاف السابقة أن نسأل أنفسنا هذا السؤال، لكن ربما يكون من المفيد أيضاً إجراء مراجعة بسيطة لمجموعة الخيبات والانتكاسات والفوضى التي قادتنا إلى وضع يبدو فيه الموت أقرب ما يكون لقضية شغلت العالم لسنوات.

             

فهل فعلا ً كانت ثورة؟ بدايةً كحصاد بسيط لوضعنا الراهن وبكلمات قليلة، نحن الآن شعب مشرّد يتسوّل الرأفة والرحمة على أبواب حكومات العالم وبالرغم من كثرة خطابات الكبرياء والعزة من جانب المعارضة السورية ورسائل التضامن والتكاتف من جانب الدول الصديقة إلا أن الواقع يقول غير ذلك. قادتنا استطاعوا تأمين مستقبلهم عبر جنسيات وأعمال ومصالح وأموال وأيضا خدمات يقدّمونها للمخابرات الشقيقة والصديقة وحتى العدوّة أيضاً إذا كانت مصلحة القضية تقتضي ذلك (طبعاً مصطلح القضية هو الشمّاعة التي نلجأُ إليها عند طلب تفسيرات لا نرغب بذكرها).

   

ووطن يُراد له أن يكون متجانساً قدر الإمكان بحيث يستطيع فيه القائد وأبناؤه وأحفاده العيش فيه أو فيما تبقّى منه بسلام. قد تبدو للوهلة الأولى هذه النتائج متطرفة نوعاً ما من حيث التشاؤم لكنها ربما تكون أقرب للواقع الذي نحن فيه من كل سيناريوهات الحلول التي نسمعها يومياً من مئات الفلاسفة والمتفلسفين بقضيتنا. سوريا اليوم لم تعد وربما لن تعود كما كانت وعلينا أن نعترف أننا فشلنا. فشلنا بدايةً في اختيار القادة وهذا أدّى إلى الفشل في التخطيط والفشل في احتواء المحيط الذي تلوّن بتلون الدول الكبرى ذات المصالح المتناقضة والواقع على الأرض. ولعل فشلنا الأكبر هو فشلنا كمجتمع بدأت عوراته تظهر وربما تشرح سبب هذه الخيبة. لستُ ولا أدعي أني عالم أو خبير بمجريات وخفايا الأمور السابقة لكن هذا القليل الذي أعلمه يبدو كارثياً.

        

القسم الأغلب من المتحمسين كان من الطبقة البسيطة التي شاهدت ثورات الربيع الأولى ولم تفكّر بتعقيدات الوضع السوري
القسم الأغلب من المتحمسين كان من الطبقة البسيطة التي شاهدت ثورات الربيع الأولى ولم تفكّر بتعقيدات الوضع السوري
   

قرأنا في الكتب عن الكثير من الثورات التي انتهت بالنجاح والفشل واستعرض فيها الكتّاب العديد من الأسباب واستفاضوا بالشرح والدراسة لكننا لا نحب التعلّم من الكتب ولا بد من أن نجرّب بأنفسنا .ما يميّز ثورتنا عن غيرها هو اجتماع كل أسباب النجاح فيها وبالرغم من ذلك قادتها سلسلة من الأخطاء التي تبدوا للوهلة الأولى عشوائية وغير مرتبة وصغيرة أو هامشية إن صح التعبير أمام الحدث الأكبر إلى حافة الفشل الذي يبدو قريباً إلا إذا حدثت معجزة.

      

مصطلحات القائد المُلهم أو الخالد التي زرعها النظام في عقولنا لم تُستبدل ضمن الهياكل التنظيمية التي حاولت بناءها الثورة بل تم تغليفها حسب الضرورة. فمن هم هؤلاء القادة الملهمون؟ وهنا أضع كلامي عنهم في نطاق الوصف من وجهة نظر مراقب لا يعلم الخفايا ولكن يحلّل طريقة تفكيرهم من حيث النتائج التي حصلت. لا شك أن الثورة بدأت عفوية أو على الأقل هكذا كانت تبدو بدايةً انقسم المجتمع فيها بين متحمّس وحذر (وهنا لا أشمل الجزء الموالي للنظام).

    

القسم الأغلب من المتحمسين كان من الطبقة البسيطة التي شاهدت ثورات الربيع الأولى ولم تفكّر بتعقيدات الوضع السوري مع قسم من المثقفين إذا جاز وصفهم وهؤلاء كان لهم الدور الأكبر في سلسلة الأخطاء التي حدثت. من أكثر الأشياء التي أُخذت على ثورتنا هو اعتمادُها بقسمها الأكبر على قيادات لا تملك الخبرة أو الكفاءة أو حتى المعرفة بالقيادة وهذا الكلام غير صحيح إجمالاً .كان للثورة قياداتها ذات الخبرة والدراية والمعرفة والتي عملت من وراء الكواليس وكان لديها القدرة على الحركة والتخطيط والقيادة لكن لسوء الحظ أو ربما هو من طبيعتنا العربية التي ورثناها من جاهليتنا القديمة كان الطموح عند هؤلاء أكبر من الوطن وأكبر من القضية.

      

ببساطة شديدة استطاعوا دغدغة مشاعر الناس لم يكن الأمر صعباً فبعد سنوات من الاضطهاد والخوف كانت توجد قناعة راسخة عند الجميع أن دولتنا يجب أن تكون إسلامية يسود فيها العدل وتحكمها المساواة وغيرها من الأمور التي قرأنا عنها في كتب التاريخ طبعاً كان الإسلام الذي نعرفه مختلف تماماً عن الإسلام الذي يلزَم أن يُطبّق لضمان نتائج مرضية وهنا كان دور علماء الثورة أو أغلب علماء الثورة. (خلافة على منهاج النبوة) كلمات برّاقة لكن على أرض الواقع كانت كشبكة العنكبوت التي التصقنا بها ولم نستطع الهرب منها.

        

أتخيّل أحياناً أن قيادات النظام قد رسمت خريطة سوريا على لوحة شطرنج وحرّكتنا عليها تماماً كلعبة مسلية لبعض الوقت
أتخيّل أحياناً أن قيادات النظام قد رسمت خريطة سوريا على لوحة شطرنج وحرّكتنا عليها تماماً كلعبة مسلية لبعض الوقت
      

عمل هؤلاء وفي سبيل تأسيس منظومة قيادة يكون لهم فيها الكلمة الوحيدة على تقريب وتعيين عدد كبير من الموالين أو هكذا اعتقدوا وهؤلاء هم من ظهر وتمدد على وسائل الإعلام كقادة على الأرض ومحركين للأحداث. (حارتنا ضيقة وبنعرف بعض)، هكذا يقول المثل الشعبي وهو ما كان ينطبق فعلياً على هؤلاء فكيف لمهرّب أو بائع متجول أو حتى لص أن يصبح بين ليلة وضحاها قائداً ومرشداً وملهِماً للثورة؟ لم تكن الأمور عشوائية كما كانت توصف أو كما كان يخطط لها أن تكون ولكن (تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ).

         

جاهليتنا غلبت الخطط ومن كان موضع ثقة بدايةً (لعدم امتلاكه مؤهلات) صار اليوم عدواً فكيف لشخص مجهول بات نجماً سينمائياً بل حتى أميراً وخليفة في بعض المناطق أن يقبل بتلقي الأوامر من شخص آخر يتكلم باسم مستعار عبر برنامج محادثة؟ كانت ثورة ضمن الثورة وظهر شيء من جبل الجليد الذي حرّك الأمور بداية، لماذا لا أكون أنا؟ هذا السؤال الجاهلي هو الذي جعلنا نخسر كل شيء تقريباً! لم يكن صعباً توقّع النتائج التي وصلنا إليها اليوم لكننا فضّلنا أن نحلم بدلاً من أن نتقبّل الواقع (لسنا شعباً من الملائكة لكن حتماً كان وما يزال بيننا الكثير من الشياطين).

      

اليوم تبدو الأمور أكثر وضوحاً لا وجود للفوضى على كثرة ما نسمع عنها في وسائل الإعلام .أتخيّل أحياناً أن قيادات النظام قد رسمت خريطة سوريا على لوحة شطرنج وحرّكتنا عليها تماماً كلعبة مسلية لبعض الوقت .قد تكون أمريكا هي من اخترعت نظرية الفوضى الخلّاقة للمنطقة لكن حتماً النظام السوري يملك براءة اختراع تطبيقها عملياً على أرض الواقع في سوريا.

        

إذا أردنا استعراض أسباب الفشل فنحنا بحاجة إلى وقفات عديدة هذا غيض من فيض وهو ربما لا ينطبق على كل مناطق المعارضة السورية لكنه واقعٌ حدث في العديد منها .ليس حديثاً جميلاً ولا مرغوباً ولكنه ضروري إذا أردنا استيعاب الواقع وبناء خطة صحيحة للمستقبل .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.