شعار قسم مدونات

أبي.. هل سيحرقني الله في النار؟

blogs - father daughter dad girl young

سألتني ابنتي ذات الخمس أعوام بخوف واضح: أسيحرقني الله في النار لأنني لم أصم رمضان؟
 
هذا ما أخبرها به أحد الأقارب مازحا أو ربما واعظا لست أدري، لكن ما أيقنته فعلا أن مهمتي ومسؤوليتي كأب قد بدأت للتو، فقد توهمت قبل هذا السؤال أن تأسيس الأطفال في السنين الثلاثة الأولى هو الأصعب والأهم لكن هذا السؤال قد أيقظني من هذه الأحلام.

 
حاولت وزوجتي خلال السنوات الخمسة السابقة عدم الحديث مع ابنتينا التوأم عن أي شيء من الغيبيات كالنار والجنة والعذاب والملائكة والجان أو حتى عن "العو" أو "البعبع" وغيرها.. من الأمور التي في اعتقادنا ليست بذات أهمية في تنشئة الطفل، كما أنها قد تربك الطفل و تخيفه، فكنا نعلم إحداهن الصدق ليس لتنجو من نار جهنم وإنما لأنه فضيله بحد ذاته، وكنا نمنعهن من إلقاء القمامة في غير الأماكن المخصصة ليس لأن الشرطي سيقبض عليهن بل لأن القذارة ستشوه شوارعنا وحياتنا.
 
كنا نجعلهن يواجهن مخاوفهن لقتلها في مهدها قبل أن تصبح عقدة تستمر معهن طيل حياتهن، فعندما كانتا في الرابعة أخافتهن إحدى الفتيات من القطط السوداء.. فاشتريت لهن قطة سوداء ليلاعبنها.
 

إننا نذوب في مجتمعاتنا ونتبنى أفكارها ومعتقداتها وعاداتها شئنا أم أبينا، خاصة في مجتمع شرقي اجتماعي بطبعه كمجتمعنا

لكن وكما في كل حضارة تعاني من تدهور ثقافي وأخلاقي -كما الحال الذي تعيشه أمتنا حاليا- فإن صوت الخوف والجهل والخرافة والتطرف يعلو بشكل واضح على المنطق والفكر والثقافة، لكننا ظننا من أننا سنستطيع عزلهن عن الجانب السلبي من البيئة الخارجية وبالتالي سنتمكن من التحكم في كل ما سيتعلمانه وسنستطيع غربلة كل معلومة سيتلقيانها، وهذا ما كنا نظن أنه أفضل لهن وبما يتوافق مع وجهة نظرنا للحياة وبما نظن أنه سيكفل لهن حياة سليمة ويحقق ما نطمح لهن أن يصلن إليه.

 
لكن مع زيادة إدراكهن ووعيهن شيئا فشيئا وتلقيهن المعلومات من مصادر كثيرة جدا كالتلفاز والإنترنت وتطبيقات الآيباد ومن الأقارب والأصدقاء وغدا من المدرسة وغيرها بت أدرك حجم المسؤولية وصعوبة المهمة.
 
ها قد كبرت ابنتاي ودخلن أول مؤسسة تعليمية والتي تسبق التعليم الابتدائي وستتعلمن الكثير من الأمور ليس فقط من المعلمات بل من زميلاتهن في الصف، هذا الكم من المعلومات ربما لن نستطيع الإحاطة به كل وتنقيت من الشوائب والتحقق منه لكننا سنستمر في المحاولة.

 
إننا نذوب في مجتمعاتنا ونتبنى أفكارها ومعتقداتها وعاداتها شئنا أم أبينا، خاصة في مجتمع شرقي اجتماعي بطبعه كمجتمعنا حيث على المرء لحيا براحة بال أن يندمج بشكل كامل ويتبنى كل ما يفرزه المجتمع بخيره وشره.
 
إن الانعتاق من شباك عادات المجتمع السيئة ليس بالأمر السهل فهي مهمة لم ينجح بها إلا الأنبياء والعظماء وكل من حفر اسمه في سجل التاريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.