شعار قسم مدونات

رسائل لم تصل بعد..

Blogs- mail

"إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية" سيد قطب، يلامس القلب بتفاصيله الصغيرة عذوبة الروح وبراءتها، يصبح نورها وبصيرتها عندما تظلم في كيانها برودة الحياة وصقيع الوقت الذي تركض عقاربه دون فرصة للعودة أو خاطرة للانتظار ولا حتى بسمة أمل للقادم المجهول.

        

يتصادق الرفيقان -القلب والروح- ينسجمان في نهاية المطاف يتفقان ويعلنان الانطلاق في رحلة البحث عن النور، نور الدرب المعتم ونبض الجسد الأسير رهن هاذان الرفيقان. كم مرة كتب فيها عاشق رسالته الصغيرة ثم مزقها وحاول أن يكتب غيرها وغيرها ولكنه لم يمتلك من الجرأة ما يكفي لأن تلامس روحه أعتاب الورق فوقف حائراً ينظر من شرفة الأحلام الى ما يستحق المحاولة منه ولكن يبعده عنه الخوف من الرفض؟ وكم من باقة ورود ذبلت في طريقها إلى الشوق ولكن باغتتها لحظة الخوف الأخيرة فلم تصل لمحطتها وعادت أدراجها تزفر بأذيال الخيبة والتردد.

         

وكم من زوجِ حمل هاتفه ليرسل بعض الحب لزوجته في كلمات ولكن استوقفته لسعة الرجولة وكبرياء القوة فأقفل هاتفه وعاد لعمله وترك على ضفة الشوق الأخرى من تنتظر كلمات عابرة تلامس في الروح روحها، وكم من أخٍ استرجع ذكريات الطفولة مع أخوته واستعرض شريط الماضي بنقاء الروح فيه حينها، بجنون الطفولة وحنان الأخوة وعفوية الذكريات توّاقاً لأن يصالح فيهم بشاعة الزمان وجشع النفس ويعود فيعودون أحبة كما عهدوا المحبة صغاراً، ولكن تأبى النفس العنيدة أن تركع فتشيح بوجهها عن المحاولة وتشيخ في آلامها الروح، كم وكم من تفاصيل يومية نعيشها في فناء الحيرة بين ضجيج الأمس وسكون الروح راغبةً في المحاولة، في التغيير، في اتخاذ الخطوة الأولى فلربما يحدث شيءٌ لم يكن في أجندة الأمس نقياً عذبا ً يستحق المغامرة لأجله.

                         

نجح الكثيرون لأنهم تقدموا وجازفوا وكتبوا تلك الرسائل وأرسلوها، وفشل غيرهم وبقي وحيداً باكياً لأنه في لحظة خوف لم يبعث برسائله ولم يعبّر عما يدور بخياله
نجح الكثيرون لأنهم تقدموا وجازفوا وكتبوا تلك الرسائل وأرسلوها، وفشل غيرهم وبقي وحيداً باكياً لأنه في لحظة خوف لم يبعث برسائله ولم يعبّر عما يدور بخياله
       

كم أشياء ندمنا لأننا لم نفعلها وكم من مواقف خسرناها لأننا لم نملكها، لم نملك جرأة المبادرة لأجلها فأمست ماضياً يلسع وجعاً، كم أشخاص خسرناهم لأننا بعثرنا الرسائل حولنا في اللحظة التي كانت بها رسالة واحدة قادرةٌ على تغيير مجرى الأحداث، الحياة عجلة ٌ دائمةٌ الدوران لا تقف كي نعيد اللحظة هي فقط فرصٌ علينا اغتنامها كي لا ننظر للخلف نظرة الحسرة والندم ولا نبكي لأجل ( لو) التي كانت بين أيدينا. كثير منا يقف خلف قناع الكبرياء فتمنعه نفسه أن يخطو خطوات نحو الطرف الآخر قد تبدو بالنسبة له انكساراً ولكنها في الواقع فرصته الكبرى التي سيتمنى لو ترك عناده جانبا وقام بها.

          

نجح الكثيرون لأنهم تقدموا وجازفوا وكتبوا تلك الرسائل وأرسلوها، وفشل غيرهم وبقي وحيدا باكياً لأنه في لحظة خوف لم يبعث برسائله ولم يعبّر عما يدور بخياله ولم يلاحق أحلامه كفراشة تلاحق أخرى، لو لم يبادر "غسان كنفاني" الروائي والمناضل لأن يبعث لغادة السمان رسائله والتي اشتعل فيها الحب على ورق وعاش سنين طويلة حتى بعد اغتيال هذا العاشق الجريء لما التهب الكون عشقاً عندما قرأ لهما، غسان والذي عرف قوياً لم يضعف عندما كتب هذه الرسائل وإنما أصبح أقوى، الكثير حدث بعدها من الحب والذي لم ينتقص من كبرياء غسان أبداً وإنما علّم الكون أن الرسائل تصبح أجمل عندما تصل!  يقول محمود درويش "إن أردت الوصول إلى نفسك الجامحة، فلا تسلك الطرق الواضحة"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.