شعار قسم مدونات

حتى لا نكون ردة فعل!

Blogs-street

هل أصبحنا عبارة عن ردود أفعال، في عالم بات يتواصل ويتحاور عبر الوسائل الإلكترونية وفي كثير من الأحيان تخون العبارات المغزى الحقيقي من النص فيفهم جزء منه على الأقل على غير القصد الحقيقي منه، خاصة مع الضعف الواضح لدينا في إتقان فنون الاتصال والتواصل حيث هناك تباين في كثير من الأحيان بين ما نعتقده ونفسره وبين ما كان ينبغي أن يكون عليه التفسير الدقيق وهذا يعتمد على الخبرات والبيئة الاجتماعية والثقافية ومجموعة محددات بيولوجية وسيكولوجية.

            

هل أصبحنا أداة لترويج الكراهية والبغض بيننا من خلال تفاعلنا مع بعض الكتابات أو الردود والتعليقات واستدراجنا أحيانا من خلال التفاعل مع كتابات بعض الأشخاص غير المعروفين وأحيانا المتخفين بأسماء وهمية فسمحنا لهؤلاء المتسللين والمتخفين أن يتدخلوا في خصوصياتنا، ويفرقوا شملنا من خلال خطابهم التعصبي الواضح، فباتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للتلاسن والقذف والاتهام والتخوين والتخويف، وبتنا ننساق خلف لغة المشاعر متناسين الأفكار المضمون والغايات والمغزى من الكلمات، مما أدى بصورة عميقة إلى تعميق الجفاء والتباعد العربيين، في حين كان ممكن أن يكون التواصل وسيلة عظيمة لتوحيد الصفوف فكريا وعلميا وثقافيا.

          

من الصعب تحقيق الرفاء الاقتصادي والعلمي والأخلاقي لبلد ما بمعزل عن الكلية، فقوتنا في وحدتنا، وضعفنا في تفرقنا

لم لا نلتقي كشعوب خارج هذه الأطر الفكرية التعصبية، فجذورنا المشتركة عميقة وانتماؤنا أوسع من الحدود الضيقة التي رسمت لنا من خلال حدود جغرافية مقيدة، فانتماؤنا عربي وإنساني يتخطى جميع الحواجز، مع احترامنا إلى التنوع الثقافي والحضاري وخصوصية كل بلد عربي. الشعوب تستطيع على الأقل أن تتقارب فكريا وعلميا وإنسانيا، وأن تنفض غبار التعصب المقيت الذي ينسف بمجتمعاتنا العربية، ويهوي بنا جميعا إلى الهاوية، فجميعنا متضررون، وندفع ثمن هذا الانزلاق التعصبي، والذي في كثير من الأحيان يسقط البعد الإنساني من حساباته، وأخيرا قيل "لا تتبع الآخرين دون تفكير فأنت لا تعلم إلى أين يذهبون، ولكن اذهب إلى ما يقودك إلى الشعور بإنسانيتك".

          

عليك إذن ألا تتصرف من خلال ردة الفعل؟ بل حاول دائماً أن تكون الفعل نفسه من خلال التحلي بالموضوعية والعمق في التفكير والتحليل، فليس هناك أخطر على المجتمع من الانقياد إلى لغة المشاعر لوحدها وتغليبها على لغة العقل والمنطق، وبذلك نكون قد فوتنا على عدونا المتربص بنا فرصة العبث بوحدة أمتنا، من خلال افتعال أزمات بين الشعوب عبر نشر تعليقات وتغريدات ليس الهدف منها إلا تمزيق الصف الواحد، ونشر الكراهية والبغضاء في النفوس.

           

وليس من عبارة تجسد ما يحل بأمتنا من تنازع وصراع مفتعل لاستفزاز الشعوب وإضعافها من أكلت يوم أكل الثور الأبيض لذلك مطلوب منا التغافل عن الأحداث الصغيرة والهامشية وعن كل ما يعكر صفو العلاقات لتحقيق النهضة العربية الشاملة، لأنه من الصعب تحقيق الرفاء الاقتصادي والعلمي والأخلاقي لبلد ما بمعزل عن الكلية، فقوتنا في وحدتنا، وضعفنا في تفرقنا. كلمات أخطها وأتمنى أنها تلامس العقول. كن كما قال الإمام الشافعي: 

إذا نطق السفيه فلا تجبه.. فخير من إجابته السكوت

فإن كلمته فرجت عنه.. وإن خليته كمدا يموت

يخاطبني السفيه بكل قبح.. فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلما… كعود زاده الاحتراق طيبا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.