شعار قسم مدونات

اليهود والكنعانية

blogs - اللغة العبرية
يعتبر الكنعانيون أحد الشعوب السامية التي استقرت في فلسطين منذ آلاف السنين، وقد أنشأوا فيها حضارة رائعة كانت محط إعجاب الشعوب القديمة؛ فهم أول من بنوا مدينة في التاريخ، حيث بنيت أريحا قبل الميلاد بعشرة آلاف سنة، كما بنوا الخليل ثاني أقدم مدينة في التاريخ. يعتقد بعض المؤرخين بأن الكنعانيين جاءوا من بلاد ما بين النهرين، ويعتقد آخرون أنهم جاءوا من الجزيرة العربية وأنا شخصياً أرجح الاعتقاد الثاني.

يناصب العديد من المؤرخين الغربيين العداء للكنعانيين تأثراً بالتوراة وقصصها وخزعبلاتها، مع أنها تمتلئ بالعديد من المغالطات؛ فمثلاً تعتبر التوراة الكنعانيين ساميين في بعض الأحيان، وحاميين في أحيان أخرى، ويستمتع كتاب التوراة أيما استمتاع ويتفاخرون بقتل الكنعانيين وحرق مدنهم وقراهم، وإبادة حرثهم ونسلهم في كل موقع كنعاني مروا به، فالكنعانيون في نظرهم شعب يجب أن يمحى ويباد عن وجه البسيطة، مع العلم أن حضارتهم تفوق حضارات أخرى بما فيها حضارة العبريين لو كان لهم حضارة.

يعود الفضل في ابتداع الزراعة للحضارة الكنعانية؛ فأول مجتمع زراعي ظهر على وجه الأرض كان في فلسطين على يد هؤلاء القوم، وهم أيضاً من اخترعوا الحروف الهجائية فأهدوا للبشرية وعاء ثقافتها ومعين تاريخها وحضارتها، وهم أول من صنع الزجاج فارتقوا بمستوى ذوق الإنسان؛ فبعد أن كان يستعمل أواني الفخار والحديد والنحاس أصبح بفضلهم يستخدم الزجاج، وشتان بين وعاء زجاجي وآخر صنع من تلك المواد في مستوى النظافة والشكل. لكل هذه الأسباب كانت أرض فلسطين هي مهد الحضارات وأرض الرسالات السماوية.

يعتقد العديد من المؤرخين أن سيدنا إبراهيم عليه السلام هاجر إلى فلسطين عام 2000 قبل الميلاد تقريباً، وقد سكن بالقرب من مدينة الخليل، ولم يكن معه حينها سوى زوجته سارة وابن أخيه لوط، وهذا ما ورد في قرآننا الكريم، وكان الثلاثة يتحدثون العبرية، ثم هاجر إبراهيم بزوجته إلى مصر بعد مدة قصيرة، وعادوا منها بعد حين مصطحبين معهم هاجر المصرية زوجة سيدنا إبراهيم الثانية.

اللغة العبرية في الواقع انقرضت منذ الاف السنين، واللغة التي يتحدث بها اليهود الآن هي اللغة الكنعانية التي كانت سائدة في فلسطين في ذلك الحين
اللغة العبرية في الواقع انقرضت منذ الاف السنين، واللغة التي يتحدث بها اليهود الآن هي اللغة الكنعانية التي كانت سائدة في فلسطين في ذلك الحين

رجع إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين واستقر فيها مرة اخرى بعد أن أخذ هاجر وابنها إسماعيل إلى مكة، واستقر سيدنا لوط قرب البحر الميت. وورث إسحاق عليه السلام النبوة من إبراهيم ثم ورثه يعقوب الذي هاجر مع أبنائه إلى مصر واستقروا فيها، عندما لحقوا سيدنا يوسف كما ورد في سورة يوسف، واستقروا فيها مع أبنائهم وذرياتهم إلى أن عاد بهم سيدنا موسى بعد مئات السنين إلى فلسطين. والسؤال المنطقي الذي يجب أن يطرح هنا، هل حافظ أبناء إبراهيم وأحفاده على لغتهم الأصلية في فلسطين في المدة التي استقروا فيها، علماً بأن عددهم عند مجيئهم لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة؟ وإن فعلوا وهذا مستحيل؛ فهل كان بإمكانهم المحافظة على هذه اللغة خلال القرون الطويلة التي قضوها في مصر؟

العقل والمنطق يجيب بالنفي؛ فلا يمكن لأربعة عشر فرداً (أولاد يعقوب الاثني عشر وأبوهم وأمهم)، أن يعيشوا مع شعب يفوقهم غنىً وحضارة ويحافظوا على لغتهم، فكل خزعبلات التوراة لا تساوي ذرة منطق إن وضعت في ميزان العقل!

اللغة العبرية في الواقع انقرضت منذ الاف السنين، واللغة التي يتحدث بها اليهود الآن هي اللغة الكنعانية التي كانت سائدة في فلسطين في ذلك الحين؛ فبعد أن هرب سيدنا موسى ببني إسرائيل من مصر واستقروا في فلسطين، كان عددهم قليلاً بالمقارنة مع السكان الأصليين من كنعانيين وفلسطينيين، وكانوا بالضرورة يتحدثون اللغة المصرية القديمة.

ولا أشك للحظة واحدة أن أرض كنعان ابتلعتهم ثقافياً وابتلعت لغتهم، كما فعلت مع الأقوام الأخرى التي جاءت إلى فلسطين؛ فالكنعانيون شعب تمتد جذوره في الحضارة ولم يكن باستطاعة أي غازٍ ان يلغي وجودهم، ولكنّ مؤرخي الغرب بتعصبهم لثقافتهم المرتكزة على التوراة والتلمود لا يعترفون بوجود الكنعانيين بل ويمقتونهم، ومن يحاول استخدام عقله ويفكر بالعلم والمنطق يساق إلى مقصلة معاداة السامية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.