شعار قسم مدونات

الرد على أدعياء "أسلمة الديمقراطية"

مدونات - ديمقراطية

قضية أسلمة الديمقراطية من القضايا الملتبسة على العديد من طلاب العلم والمفكرين الإسلامين ومحور الالتباس في هذه القضية هو تناولها من وجهات نظر متباينة كلٌ منها يستند إلى أصول فكرية معينة فكان لابد لهذه القضية من تفكيك ودراسة دقيقة في نقاط النزاع فيها.

 

الحقيقة أن المتبنين لنظرية "أسلمة الديمقراطية" متأثرون بضغط الثقافة العصرية كما أشار إلى ذلك بعض المفكرين الإسلاميين "فهد العجلان وابراهيم السكران وسلطان العميري"، مما جعل بعض المنتسبين إلى الفكر الإسلامي يروجون لهذه القضية. 

 

رغم أنّي بصدد الرد على هذه النظرية إلا أنّي لا أنكر أنه يمكن تطبيق هذه النظرية أو غيرها في ظل تداعيات المرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة الإسلامية فمن المؤكد أنه لا يمكن تطبيق النظام السياسي الإسلامي كاملاً في واقع أمتنا الحالي ويدل على ذلك شواهد كثيرة من السنة والسيرة النبوية وسنن الخلفاء الراشدين ضمن قاعدة التدرج كقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "لوكان أول ما نزل من القرآن لا تشربوا الخمر لقال الناس لا ندع الخمر أبداً ولوكان أول ما نزل من القرآن لا تزنوا لقال الناس لا ندع الزنا أبداً". وقول سيدنا عمر بن عبد العزيز حينما سأله ابنه عن عدم إقامته لجميع فروض الإسلام في عصر انتشرت فيه البدع "لو حملت الناس على الحق جملة لرفضوه جملة".

  

ولا يخفى على المتتبع لحال الأمة ما وصلت إليه من تدني في جانبها التعبدي والأخلاقي وتأثرها بأفكار وشبهات بدعية قد يصدم بعضها صلب العقيدة، فيحدث الخلل العظيم عندهم وقد كتبت في هذا الموضوع مؤلفات غنية تتناول القضية بمرجعية شرعية من منطلق الكتاب والسنة والسيرة النبوية ومن هذه الكتب "البراهين القطعية على وجوب العمل بقاعدة التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية" للشيخ محمد عيد العباسي.

 

المهم أن محور القضية هي جعل نظرية أسلمة الديمقراطية كغاية سياسية عند المسلمين ونظام نهائي يسوس حياتهم، ولهذه النظرية تأويلات ومقالات ومحاضرات ليتبناها المجتمع المسلم بيقين تام بأنها الحل النهائي والوحيد لنظام الأمة وللرد على هذه الإشكاليات أسس في السياسة الشرعية تبين فساد هذه النظرية:

 

إن لكل نظام فلسفته وتاريخه ونظمه، والإسلام يستقل استقلالا تاما عن كل النظم وإن تشابه من وجه أو اخر مع بعضها أو في أجزاء من، لكنه يظل متفردا من حيث ذاتيته وأساسه الاعتقادي
إن لكل نظام فلسفته وتاريخه ونظمه، والإسلام يستقل استقلالا تاما عن كل النظم وإن تشابه من وجه أو اخر مع بعضها أو في أجزاء من، لكنه يظل متفردا من حيث ذاتيته وأساسه الاعتقادي
 

1- النظام السياسي في الإسلام ذو أصل عقدي إسلامي ولا يمكن ربطه بأي نظام فلسفي بشري.

 
2- من أهم الأسس والمرتكزات في النظام الديمقراطي "السيادة للشعب" وهذا ما يتعارض مع أهم أسس النظام الإسلامي وهو أن السيادة لله والشريعة دون إلغاء لسيادة الشعب المقيدة بصلاحية انتخاب الحاكم ومن يقوم على تطبيق النظام السياسي.

 

3- النظام السياسي في الإسلام مرن مع متغيرات الواقع ويتعامل مع هذه المرونة السياسية أهل الحل والعقد الراسخون بالعلم الذين يحددون البنود وفق مصالح ومقاصد الشريعة الربانية التي تحفظ البشرية على المستوى الفردي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أما النظام الديمقراطي فيقوم على انتخابات العامة للبنود السياسية يشترك في ذلك العالم والجاهل والعاصي والسياسي.

  

مصالح النظام الإسلامي التي يبني عليها أهل الحل والعقد التشريعات هي مصالح يستمدونها من خلال الاستقراء العام للشريعة ويستخلصون منها المقاصد، بعكس أصحاب النظم الأخرى

4 – ادعاء تبني الديمقراطية كهيكلية عامة للنظام السياسي الإسلامي وترك الفلسفة التي قامت عليها مغالطة كبيرة، إذ كيف للعلماء الاجتهاد والخروج بنظام سياسي معاصر وفق مرجعية شرعياً ومراعاة للمقاصد الإسلامية دون إيجاد هيكلية لهذا المضمون فهذه دعوى تقلل من مقام الشريعة والعلماء.

 
5 – يقول أحد علماء السياسة الشرعية "فإن لكل نظام فلسفته وتاريخه ونظمه، والإسلام يستقل استقلالا تاما عن كل النظم وإن تشابه من وجه أو اخر مع بعضها أو في أجزاء من، لكنه يظل متفردا من حيث ذاتيته وأساسه الاعتقادي على وجه الخصوص، ولا يصح أن نفسر أي نظام من نظمه إلا على ضوء أسسه الفكرية الخاصة".

 
6- كثير من المتأولين يأخذون بعض الاستثناءات السياسية التي حصلت في وقت معين بواقع معين استدعى مخالفة الأصل لتحقيق مقصد شرعي فيستغل المتأولين هذه الاستثناءات لجعلها أصلاً يحتج به على موافقة الديمقراطية للنظام الإسلامي وهذه مغالطة يقع بها بعض المثقفين السطحين ويتأثرون بها نتيجة عدم معرفة الأصل ومناط الاستثناء الذي وقع.

 
7- لا شك أن معظم التشريعات المعاصرة في الأنظمة السياسية تبنى وفق المصالح وهذا مشترك بين النظام الإسلامي وغيره، ولكن المصالح تتباين فيما بينها فمصالح النظام الإسلامي التي يبني عليها أهل الحل والعقد التشريعات هي مصالح يستمدونها من خلال الاستقراء العام للشريعة فيستخلصون المقاصد ويبنون عليها وهي مقاصد ومصالح عامة في حفظ الدين والبشرية، ميزتها الأولى أنها ربانية بينما المصالح التي يبني عليها أصحاب النظم السياسية الأخرى قوانينهم مصالح مادية قاصرة تطغى عليها الفلسفة الليبرالية الغربية.

 
هذه بعض الردود على أدعياء تطبيق النظام الإسلامي بثوب الديمقراطية أو كما اسميناها "أسلمة الديمقراطية".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.