شعار قسم مدونات

الجزائر.. نظام حكم دون مؤسسات

blogs الجزائر

لم يعد خافيا على أحد أن الأنظمة العربية بمجملها باستثناء دولة أو دولتين، تعتمد في حكمها على رجال المال والعسكر، فهي من تصنعهم أو بتدخل دولة غربية أخرى بصناعتهم وإدخالهم للحلقة الأولى في الحكم، ومن المعروف عن رجالات النظام القسوة والاستبداد برأي دون الرجوع إلى أي مؤسسة حكومية منتخبة أو معينة من طرف الرئيس، فلا يوجد لمؤسسات الدولة في الواقع أي دور في تسيير البلاد فهاته المؤسسات إنما وجودها فقط يقتصر على تزيين وجه النظام أمام الشعوب المغلوبة على أمرها أصلا والتي لا تملك أي دراية حول ما يجري داخل أروقة الحكم، فرجالات الدولة من رجال المال إلى رجال الجيش هم وحدهم من يتحكمون في اقتصاد البلاد وسياسته وهم من يحددون نوع السياسة التي يريدون بعيدا عن الدستور والمؤسسات التشريعية والتنفيذية المنتخبة والمعينة من الرئيس نفسه.

 
كذلك الحال بات واضحا بالنسبة لنظام الجزائري الذي يعتمد هو كذلك بدرجة أولى برجاله الأوفياء، دون الرجوع للمؤسسات العليا التي من دورها أن ترسم خارطة السياسية للبلد وبتسيير نظامه بقوانين أقرها الدستور واعتمدها لنظام حكمه، فغياب الدستور الجزائري عن الحياة السياسية واضحا أمام حالة الرئيس والتي يمنع بموجبه الدستور تحت مادة 102 من الاستمرار في مهامه كرئيس وذلك لعدم قدرته على الاستمرار في تسيير البلاد لتدهور صحته وغيابه التام عن الساحة كلها، وهذا مما أعطى الضوء الأخضر لرجالات النظام في التدخل أكثر خلف الستار في شؤون الدولة دون الرجوع لأي مؤسسة حكومية، وغياب الرئيس دليل قاطع أن للبلاد من يسيرها خلف الستار .

 

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من (مواليد العام 1937)  (رويترز)
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من (مواليد العام 1937)  (رويترز)

 
بدأ حكم رجالات النظام والذين كانوا ضباطا بالجيش الفرنسي بانضمامهم لجبه التحرير الوطني بين 1956 و1961 والذين تمكنوا في مراحلة لاحقة من الحصول على مراكز مهمه في الجيش الجزائري، والذين يعدون رجالات المرحلة الساخنة التي شهدتها البلاد فترة العشرية السوداء والمتهمون بتدبير الانقلاب على الحزب المنتخب في تشريعات عام 1991 والتي جرت تحت ظل انتخابات نزيهة وشفافة، لم تعجب نتائجها رجال النظام العسكريين فقاموا بانقلاب عسكري على الإرادة الشعبية، وادخلوا البلاد في حرب أهلية دامت لقرابة 20 سنة، فقدت فيها آلاف الأرواح إضافة لخسائر فادحة في الاقتصادي الجزائري، اعتبرت تلك الفترة بالحاسمة والمنعرج في نوعية نظام الحكم بحيث انتقلت السلطة من مؤسسات الدولة إلى جنرالات الجيش الذين زادت سطوتهم وتشبثهم بالنظام بعد انتهاء هاته الفترة بسحق الإسلاميين الذين كانوا يمثلون جهة الصراع الوحيدة ضد نظام حكمهم والعقبة التي تقف بينهم وبين الحكم .
 
نشرت الصحيفة الفرنسية "لوموند" في أكتوبر الماضي تقريرا بعنوان: هل يتحكم الجنرال توفيق بالجزائر من خلف الكواليس.. وذلك بعد استقالة الأمين العام لجبهة التحرير الوطني "سعيداني" واعتبرت استقالته إقالة له بعد تصريحاته التي اتهم فيها مدير المخابرات الجزائرية السابق "محمد مدين" بالتخابر لصالح فرنسا، ويعتبر جنرال التوفيق المهندس الأول في اختيار الرؤساء والحاكم الفعلي للبلاد والمسير الوحيد خلف الكواليس لزمام الحكم بعد اختياره لمن يكون واجهة لحكمه كرئيس منتخب من طرف إرادة شعبية وفي حقيقة الأمر يكون تعيينه بتزوير الانتخابات لصالح من يختارهم لتمثيل دور الرئيس في مسرحية باتت مكشوفة لرأي العام الجزائري.

 
وفي عنوان آخر لتقرير حول وضع نظام الحكم بالجزائر جاء "الجزائر دولة تملك جيشا أم جيش يملك دولة" نشرت مجلة "موندا فريك" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن المنافسة من أجل الاستلاء على السلطة في الجزائر بين "أحمد قايد صالح" وزير الدفاع وبين "السعيد بتفليقة" شقيق الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" وهذا الصراع بدأ بعد التحالف الذي كان بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأحمد القايد صالح ضد رئيس المخابرات محمد مدين الملقب بجنرال "توفيق" وبعد الإطاحة بجنرال توفيق ومرض الرئيس حدث الصراع بين وزير الدفاع أحمد قايد صالح والسعيد بوتفليقة الذي يشغل منصب مستشار الرئيس والذي يحاول الاستفادة من مرض شقيقه للاستيلاء على السلطة وتسيير البلاد خلف الستار، وهذا مالم يعجب الجيش برئاسة "القايد صالح" فكان الصراع بينهما على من يحكم في هاته الفترة التي تشهد فراغا كبيرا داخل السلطة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.