شعار قسم مدونات

إنهاء الانقسام هل هو إنهاء للقضية الفلسطينية؟

blogs المصالحة الفلسطينية

الصراع العربي الإسرائيلي لن ينتهي إلاّ بوحدة عربيّة عربيّة وفلسطينيّة فلسطينيّة حول أحد خيارين:
– التسليمُ بالأمر الواقع والرضى بدويلة فلسطينيّة منزوعة السلاح ووأد المقاومة ونسيانها .
– القيام بحرب شاملة على الكيان الغاصب تنتهي بإلقائه في البحر وإنهاء ليل الاستعمار الصهيونيّ للأراضي العربيّة.

والمصالحة الفلسطينيّة التي تمّتْ هاته الأيّام بين الإخوة الفرقاء مخرجاتها ستكون في صالح فلسطين وقطاع غزّة المحاصر بصفة خاصة لكنّها في مجال إنهاء الاستعمار وبحسب الواقع العربيّ الاسلاميّ اليوم الذي تهيمن عليه قوىً تحمل الرؤية التي تسعى إلى حلّ القضيّة حسب الخيار الاول أي قيام دولة فلسطينيّة منزوعة السلاح إلى جانب الكيان الصهيونيّ.

ونظرة خاطفة إلى القاطرات التي تجرّ القضيّة تبيّن لنا نهاية المسار: الرئيس أبو مازن في يد أمريكا وإسرائيل وغريمه دحلان كذلك ومصر الانقلاب وسعودية بن سلمان لا يماري أحدٌ في ولائهما للكيان الصهيونيّ وقد بيّن حصار قطر أن دول الحصار متفقة على تجريم المقاومة وخاصة حركة حماس التي وصفوها بالإرهابيّة وبقيّة الدول العربية متفقة على مبادرة الملك عبد بن عبد العزيز الملك الراحل للسعوديّة والتي ترفضها إسرائيل.

 

أتت المصالحة لطمأنة السلطة حتى تأمن جانب المقاومة فتخفّف عليهم القبضة الأمنية فيستدركوا بعض ما فاتهم وتسترجع المقاومة دورها لتواكب بعض ما حقّقته في قطاع غزّة

لكن مع تعديلات تقتضيها التغيرات الخطيرة التي طرأت على الأنظمة العربية وعلاقتها بالكيان الصهيوني سيتنازل العرب لصالح إسرائيل وسيعملون على تصفية القضية. فالظاهر أن المصالحة تصب في هذا الخيار وأن الهدف هو الالتفاف على المقاومة وتدجينها وإنهاء العمل المسلّح وانصهار الجميع في المسار التفاوضي المفضي إلى تحقيق تعايش بين دولتين الصغرى فيهما تابعة للكبرى وحارسة لها.

وإذا كانت حماس تؤمن بالمصالحة وقد سعت إليها كثيرًا وهذا معروف مثل تفاهمات القاهرة وتفاهمات مكة طبعًا وفق شروطٍ تفرضها فالتساؤل الذي يفرض نفسه اليوم هو ما مغزى قبولها بمصالحة تحفها هاته المخاطر؟!

أوّلًا: حماس رغم نجاحها في إدارة القطاع حوالي 12سنة مع الحصار إلا أن ذلك صار عبئًا عليها مع انحسار المساندين للقضية الفلسطينيّة وشح المال.. وكذلك شعب غزة رغم أنه صبر وتحمّل كثيرًا لم يصبح في مقدوره المواصلة فلربما انفجر في وجه حماس فهي لذلك اختارتْ أن تنهي هذا الانقسام من أجل شعبها المحاصر.

ثانيًّا: المقاومة في الضفة قد خُنقتْ ويكاد يُقضى عليها بالتضييق.. وهاجس أجهزة أمن السلطة هو خشية أن تقوم حماس بحسم عسكريّ في الضفّة كما حصل في غزّة وقد لوّح به بعض سياسيّيها أكثر من مرّة. وهو ما يفضي إلى طمأنة السلطة حتى تأمن جانبهم فتخفّف عليهم القبضة الأمنية فيستدركوا بعض ما فاتهم وتسترجع المقاومة دورها لتواكب بعض ما حقّقته في قطاع غزّة.

ثالثًا: حماس تركب الموجة لتقترب من خلالها إلى هدفها لأنك عندما تخيّر بين أن تعتزل أو تحصر نفسها في جانب وبين أن تغامر- مع ضبط حساباتها- بركوب الأمواج فالخيار الثاني هو اللائق بها.. والشيخ محفوظ نحناح رحمه الله حين منع من الترشح سنة 1999 للرئاسيات لإخراجه من الساحة أبرم تحالفًا رئاسيًا مع الحزبين الحاكمين ودعمت حركته – حمس- حماس الجزائر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. إلا أن المسار بعد ذلك لم يضبط جيّدًا واستفاد النظام على حساب حركة حمس. وحسب رأيي حماس فلسطين أقدر على الضبط والتحكم في المعادلة والإفادة من هاته المصالحة.

الهاجس الذي يؤرّق كل مراقب للمشهد هو حصول عكس ما تصبو إليه حماس فالنيّة مبيّتة من الطرف الآخر على الاستحواذ على القطاع والعمل على نزع سلاح المقاومة
الهاجس الذي يؤرّق كل مراقب للمشهد هو حصول عكس ما تصبو إليه حماس فالنيّة مبيّتة من الطرف الآخر على الاستحواذ على القطاع والعمل على نزع سلاح المقاومة

رابعًا: حماس تسعى بذلك لاختراق الحصار العربي وكسر جبال الجليد التي وضعت في طريقها فهي تحسن الاستفادة حتى من خصومها ولا أدل على ذلك من فتحها لمكتب في القاهرة عاصمة الانقلاب وتعاملها مع قيادتها ولعل نفس الأمر يحدث مع المملكة والإمارات وكل ذلك يعتبر اختراقًا ستوسّعه المصالحة إن استمرّتْ.

خامسًا: وهذا أمر حاصل ولو لم تقصده حركة حماس وهو أن تكون حماس قدوة لأخواتها من الحركات الإسلامية والوطنية في التعامل مع الواقع السياسي. فمع كون ما قامتْ به حماس من حسم في القطاع ضد أنصار دحلان يعتبر أو ثورة عربية ناجحة.. وبعد موجة الثورات العربية منذ 2011 لم تنجح حركة في أن تستثمر الساحة جيدًا دون إراقة الدماء ودخول البلاد في حرب أهلية أو استعمار من قوى عالمية وإقليميّة سوى ما يحدث ففي المغرب وتونس مع اختلاف بينهما.. فحماس تسعى لتكون رائدة في الحراك السلمي كما كانت رائدة في الحراك الثوري وهي قادرة على كسب الرهان إذا واصلتْ بنفس المنهجيّة التصالحية والفطانة السياسية واستثمار كل فرصة.

وأخيرًا الهاجس الذي يؤرّق كل مراقب للمشهد هو حصول عكس ما تصبو إليه حماس فالنيّة مبيّتة من الطرف الآخر على الاستحواذ على القطاع والعمل على نزع سلاح المقاومة لا سيّما وقد صرّح أبو مازن في القاهرة برفضه لوجود سلاح المقاومة ولكن المقاومة غير مستعدة للتنازل عن سلاحها وقد صرح من الضفة حسن يوسف القيادي في حماس فقال: "سلاح المقاومة مقدّس وهو خارج أي نقاش" ولكن رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية المعروف بدبلوماسيّته يصرّح من غزّة: "مستعدون لوضع استراتيجية لإدارة سلاح وقرار المقاومة" وهذا يؤشر على أن الحركة ستتفاوض في الموضوع وقد تقبل بقيود وضوابط في الموضوع لكن لن تقبل مطلقًا بسحب سلاح المقاومة الذي هو مبرر وجودها وصمّام أمان الوطن من أن تبتلعه المستوطنات الصهيونية أو تستبيحه قطعان المستوطنين.. نسأل الله تعالى أن تتم هاته المصالحة وتعود بالخير على الشعب الفلسطيني وتكون سببًا في إنهاء معاناته واستقلاله من الاستعمار الصهيوني لا تكريسًا له.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.