شعار قسم مدونات

طلب استقالة.. رسالة إلى صديقة المدير

blogs - woman office manager work

إلى صديقة المدير العام للشركة مع خالص الود والإعجاب،،

أما بعد، أرجو من سيادتكم استلام طلب الاستقالة وتسليمه إلى من يهمه الأمر، والمرجو توخي الحذر في اختيار الوقت المناسب لإبلاغ سيادة المدير، كأن يكون ذلك مثلا في ليلة حمراء من لياليكم، ليتقبل الرسالة بصدر رحب والكثير من الحب.
 
سيدتي أعلم أن اختصاص شركتنا هو تكنولوجيا الاتصالات، لكنني لم أعد أتقن فن التمثيل، لم أعد أستطيع مجاراة أصحاب البذل الأنيقة، والضحكات الصفراء، والشركة لا توفر دروسا ولا دورات تدريبة في مجال التمثيل والنفاق الاجتماعي.

 

سيدتي لقد تعبت، تعبت من كل تلك الصباحات التي وافق فيها دخولي دخول المدير، ومرت علي دقائق المصعد برفقته كيوم طويل، دعيني سيدتي من هذا المنبر أعترف بقدرتكم العجيبة على مرافقته طوال هذه الشهور، وعلى طاقة صبركم الهائلة وخبرتكم الكبيرة في مجال أكل العقول.
   
أعلم أن سيادتكم أُخِذتم بدهشة ليس لها مثيل، وتساءلتم لماذا تم اختياركم في هذه الرسالة دونا عن الغير، سيادتكم أقرب طريق إلى المدير، ولا يخفى على أحد أنكم تحملون وراءكم مستقبلا مشرقا رغم سِنِّكم الصغير، وأن أمور الشركة كلها إليكم تصير، وأن مصيرنا معلق على خصركم النحيل، وأن مزاج المدير كما مستقبلنا مرهون بلباسكم القصير، وأن طريقكم نحو أعلى طوابق الشركة معبد يسير، وأن الويل كل الويل لمن أساء فهمكم أو رمقكم بنظرة تحقير، وأن المدير الصارم الخطير، بين أيديكم طفل بريء صغير.

 

لا أريد أن أطيل عليك سيادة الرفيقة، لكن لا بد من شكر المؤسسة، الحق أني استفدت كثيرا خلال عملي فيها، فقد تعلمت كيف أراوغ دون، وكيف أقول لا بطريقة منمقة، أصبحت رياضيا ماهرا في الكلام
لا أريد أن أطيل عليك سيادة الرفيقة، لكن لا بد من شكر المؤسسة، الحق أني استفدت كثيرا خلال عملي فيها، فقد تعلمت كيف أراوغ دون، وكيف أقول لا بطريقة منمقة، أصبحت رياضيا ماهرا في الكلام
 

سيادتكم آخر مرة التقيت فيها المدير كان مزاجه عاليا جدا بعد الغذاء، فخمنت أن غذاءه كان رفقتكم، كان يوم صيف والجو قائض، كنت مع بعض الزملاء وبيننا زميلة جديدة، وحِسُّ مديرنا خطير مع كل آنسة جديدة، رمقنا بسيارته الرباعية الدفع فطلب منا الركوب لإيصالنا إلى المكتب، ما إن ولجنا السيارة حتى تسللت الرفاهية إلينا، كان التكييف عاليا لا يشعرك بشمس الظهيرة الحارقة، مرآب المدير تحت الشركة مباشرة، يوقف سيارته فيتجه إلى المصعد صوب مكتبه في الطابق السابع أعلى طابق في المبنى، يتيح له تكييفا جيدا وهدوءا مناسبا بمناظر خلابة، بمجرد جلوسه وصلتنا رسالة منه يسأل عن مجريات الأعمال الحالية وعن سبب التأخير في بعضها وبالخط العريض سؤال عن أحوال الزميلة الجديدة وكيف يسير ادماجها في الفريق.
   
لم تكن تلك أول مرة، كنا قد اعتدنا على طريقة التسيير العشوائية هذه، إذ غالبا ما كانت أسئلته وقراراته تأتي صدفة عند التقاءنا به في الرواق أو المصعد أو قاعة الاستراحة، وقليلا جدا ما كنا نشاركه اجتماعا رسميا، قبل أن ينتقل إلى شركتنا كان يعمل في مصنع للأثاث، فالتصقت به عقلية المصانع وأراد تطبيقها على كل حال في الشركة رغم عدم نجاعتها، فكان مثلا إذا حل عملاء جدد أرادوا التعامل مع شركتنا، يأمرنا بعدم الابتعاد عن مكاتبنا يومها تحسبا لزيارتهم، ثم تبدأ الزيارة فتراهم ينتقلون بين المكاتب كأنهم في حديقة حيوانات، وتراه يشير إلى كل فريق ويتحدث عنه، تخاله يقول: هنا الفيلة وهنا القرود وهناك الذئاب.
   
لا أريد أن أطيل عليك سيادة الرفيقة أعلم أن وقتكم ثمين، لكن كما تعلمين لا بد من شكر المؤسسة الموقرة في هكذا مواقف، والحق أني استفدت كثيرا خلال عملي فيها، ليس الجانب التقني بل الجانب التواصلي، تعلمت كيف أراوغ دون كرة، وكيف أقول لا بطريقة منمقة، تعلمت لغة الخشب، أصبحت رياضيا ماهرا في الكلام الذي لا يفصل في شيء لا يعني لا ولا يعني نعم، تعلمت نسج العقود بطريقة تجعلك تكتب سطرا من نوع تلك الجمل التي تقول كل شيء ولا تقول أي شيء لتيسير محاصرة الزبون، تعلمت الكثير من الأشياء التي سهلت علي العمل وحرمتني النوم، كل هذا في ثمانية أشهر قضيتها مع الشركة مرت كأنها ثمانية أعوام.
   
شكرا سيدتي على حسن استماعك آمل ألا تغير رسالتي نظرتك تجاه المدير، ليس من أجل المدير بل من أجل أصدقاء لي تركتهم خلفي لا أريدهم أن يقضوا أياما أسود مما يقضون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.