شعار قسم مدونات

حين يكون "للروبوت" ما لا يكون للمرأة السعودية!

Blogs-صوفيا
خرج شيوخ وأعيان قبيلة الآنسة الروبوت صوفيا في السعودية محتجين على مطالب حضرتها بإسقاط الولاية وحصولها على جواز سفر دون ولاية أبيها، زوجها، أخيها، أو على الأقل أبنها، ومطالبين الجهات الرسمية المسؤولة لوضع حدود لها، حيث تهدد هذه الروبوت أمن المنطقة العربية بشكل عام وأمن السعودية بشكل خاص وستمنح جنسيتها لأبناءها كما تستطيع السفر بلا محرم وغالبا ستتمكن من قيادة السيارة في كل الأوقات، إضافة لكل ما سبق فإنها تتجاوز أوامر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتخرج بلا نقاب أو حجاب.
          
امتدت هذه المظاهرات لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي للتدوين على وسم #صوفيا_تطالب­_بإسقاط الولاية التي غرد فيها النشطاء والمدونون وبخاصة السعوديون عن مشاعرهم تجاه منح الروبوت صوفيا الجنسية وذلك خلال مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" وبهذا كانت صوفيا هي أول روبوت في العالم يحصل على المواطنة السعودية، وبحسب "هيومن رايتس ووتش" فإن النساء السعوديات يحظر عليهن الحصول على جواز سفر، الزواج، أو الحصول على تعليم عال دون موافقة ولي الأمر الذكر الذي عادة ما يكون أما الزوج أو الأب أو الأخ أو حتى الابن فكيف للروبوت صوفيا أن تحصل على الجنسية السعودية وجواز سفر السعودي بدون ولاية ولي أمرها الذكر وبكل هذه السهولة، وهذا وقد اشتملت هذه التغريدات هامشاً كبيرا من السخرية حول موضوع الولاية على صوفيا، حقها بالعمل، التنقل، واختيار اللبس "البقاء دون حجاب" والحصول على جواز سفر وكذلك السفر بلا محرم، في الوقت ذاته التي تطالب فيه النساء السعوديات منذ فترة طويلة بإسقاط هذه الولاية عنهن.
           
أكثر من ١٥ مليون إنسان يعيشون في هذا العالم لا يحملون أي جنسية، ووفقاً للقانون الدولي فإن الشخص العديم الجنسية هو "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها" 

كما تطالب النسويات السعوديات كذلك منذ فترة طويلة بحقهن منح أبنائهن للجنسية السعودية حيث لا تستطيع النساء في السعودية كما ٢٥ دولة أخريات حول العالم مثل لبنان، الأردن، نيبال وماليزيا منح أبنائهن جنسيتهن وعليها قمن بالتغريد على وسم #نعم_لتجنيس_ابناء_السعوديات، وتحدثن عن سهولة حصول الروبوت صوفيا على الجنسية السعودية الأمر الذي أثار جدلا واسعا وأشعل موقع تويتر بتغريدات تتحدث عن أبناء السعوديات الذين يعيشون في البلاد وينتمون إليها ويحبونها كحبهم لأمهم وأكثر ولكنهم لم يحصلوا على الجنسية بموجب قوانين السعودية التي لا تمنح الجنسية للأطفال المولودين لأم سعودية ورجل أجنبي الأمر الذي يثير تمييز على أساس الجنس في منح الجنسية لأبناء السعوديين ولا يمنحها لأبناء السعوديات.

           
وقد غرد العديد من السعوديين على نفس الوسم ليؤيدوا قوانين دولتهم في قمع المرأة السعودية وعدم إعطائها جنسية لأبنائها ومن بين هذه التغريدات ما كتب "عزيزتي المواطنة السعودية أنتِ من اختار زوج أجنبيا للمستقبل وتشرفتي به زوجا لماذا لا تتشرفي بجنسيته لأبنائك" وغيرها العديد من التغريدات التي تؤيد هذا القانون، عدا عن مطالبة البعض بسحب الجنسية من السعوديات المجنسات اللواتي يطالبن بتنجيس أبناؤهن كعقاب رادع لهن لعدم التزامهن بشرط عدم المطالبة بتجنيس الأبناء! كما وقد تم سابقاً تقديم تعديلات مقترحة لمواد القانون السعودي -بحسب مقابلة سابقة لحمود السبيتي- حيث تهدف هذه التعديلات إلى حماية النسيج الاجتماعي من أي شكل من أشكال التمييز لأي سبب كان. ولكن لم يتم التعديل لليوم وعليه لا زالت السعوديات لا تستطيع منح أبناؤهن الجنسية السعودية.
            
وفي تاريخ ٢٥/١٠/٢٠١٧ انتشر أيضاً وسم #أين_آمنة الذي يتناول قصة تعنيف جديدة في السعودية -ذات الدولة التي تكرم الروبوت صوفيا بأول جنسية وجواز سفر لامرأة آلية- آمنة، التي عنفت من والدها وسجلت فيديو لنشره في حال حدث لها أذى من والدها ونبهت لذلك في بداية الفيديو، أمنة أخرجت من عملها وسحب والدها منها جواز سفرها وتم تزويجها بالقوة وتوقعت أن يتم قتلها أو إحالتها إلى سجن دار الرعاية كل هذا حدث لها بسبب نظام الولاية الأبوية عليها، لم تتمكن آمنة من مقاضاة معنفيها وذلك بموجب القوانين الوطنية التي تعيش في كنفها، حيث منع القانون آمنة من مغادرة البلاد والسفر لتنجو من عنف والدها، وفي حال تم إحالتها إلى دار الرعاية ستضمن العيش في سجن حيث لن تتمكن الضحية من مغادرته دون إذن ولي أمرها، بالرغم من أن السعودية تنبت عام ٢٠١٣ قانون يجرم الاعتداءات الأسرية إلا أن هذا النظام تتخلله مساوئ عدة لعل اهمها عدم شموله عقوبات ضد الحبس من الحريات والاغتصاب الزوجي والتحرش الجنسي، كما أن ذات القانون يمنع النساء من الحق في التبليغ حيث بالإمكان اتهامها بالتغيب والعقوق كنتيجة لاختيارها مكان إقامتها أو اختيار السفر أو حتى حرية التعبير بما يخالف رغبات أولياء الأمور.
           
آمنة وصوفيا نموذجان أحدهما لإنسانة حقيقية فقدت أبسط حقوقها وعنفت من والدها وصودر جواز سفرها وزوجت رغما عنها من ابن عمها تبعا لنظام الولاية الذي تطالب السعوديات يومياً بإسقاطه، بالمقابل فإن صوفيا روبوت "جهاز آلي على شكل إنسان" كرمتها ذات الدولة -السعودية- بجنسية حال ذهابها إليها وجواز سفر بالرغم من أن ولي أمرها لا يعلم بذلك عد عن كون صوفيا لا تملك الحقوق الإنسانية ذاتها التي من المفترض أن تملكها آمنة الإنسانة قبل أن تكون امرأة.
     
وبحسب معهد انعدام الجنسية والاحتواء فإنهم يقدرون أن أكثر من ١٥ مليون إنسان يعيشون في هذا العالم ولا يحملون أي جنسية، ووفقاً للقانون الدولي فإن الشخص العديم الجنسية هو "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها" وتمنح الجنسية عادة تلقائيا عند الولادة إما عن طريق والديهم أو من البلاد التي ولدوا فيها، وبحسب المفوضية السامية المتحدة لشؤون اللاجئين فإن انعدام الجنسية عائد لعدة أسباب، منها التمييز ضد مجموعات إثنية أو دينية معينة، أو على أساس نوع الجنس؛ ونشوء دول جديدة ونقل ملكية الأراضي بين الدول القائمة؛ والثغرات في قوانين الجنسية.
                    
 في حين أن المرأة السعودية تحرم من حقوقها، تتقدم السعودية لإعطاء روبوت
 في حين أن المرأة السعودية تحرم من حقوقها، تتقدم السعودية لإعطاء روبوت "امرأة آلية" جنسية وجواز سفر دون أدني مراعاة لمشاعر السعوديات اللواتي يطالبن بذات الحق منذ سنوات
 

وعليه يواجه هؤلاء الأشخاص صعوبات جمة في الحصول على حقوقهم الأساسية من التعليم، الرعاية الصحية، العمل وحرية التنقل، فلا يستطيع هؤلاء الأشخاص على سبيل المثال مغادرة منازلهم لأي سبب حتى وإن كان العمل، حيث تعتبر مغادرة منازلهم دون حمل بطاقة هوية، جريمة من ناحية قانونية، في الوقت ذاته تمنح الروبوت صوفيا جنسية سعودية وجواز سفر بينما تعنف آمنة وتحرم من جواز سفرها!

        
محاولة رصد وتتبع التغريدات على الوسمين الأول والثاني المذكورين سابقاً تعبر عن توجهات الشعوب للعدوانية -الشعب الأبوي البطريركي لهذا السياق- في مراحل متقدمة من اعتيادهم على القوانين التي تميز بين الناس لأي سبب من الأسباب كان والتميز في هذا السياق هو تمييز مبني على أساس الجنس حيث يكرم القانون السعودي الرجل السعودي ليجعل نقل الجنسية مقصوراً عليه حتى لو تزوج من أجنبية، بالمقابل، تحرم السعودية من ذات الحق في حال زواجها من أجنبي وذلك بموجب قانون الأحوال المدنية السعودية، كما أن ذات الرصد للتغريدات يعبر عن كم القهر والأذى الذي تتعرض له الفئة المقموعة -النساء السعوديات في هذا السياق- اللواتي تحرم من أبسط حقوقها في إعطاء الجنسية السعودية لأطفالها أو استصدار جواز سفر دون ولاية "ولي أمرها الذكر" وحتى أنها تحرم من حماية نفسها من التعنيف سواء باختيار مكان العيش أو السفر أو حتى حرية التعبير عن الرأي كما في حالة آمنة في الوسم الثالث، وما يزيد الطين بله هو تقدم السعودية لإعطاء روبوت "امرأة آلية" جنسية وجواز سفر دون أدني مراعاة لمشاعر السعوديات اللواتي يطالبن بذات الحق منذ سنوات.
          
لربما العنصرية موجودة منذ الأزل ولكن ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إظهارها للعلن ونشرها للناس مما ساهم في خلق متطرفين جدد يعتزون بتطرفهم ويفتخرون به، لعل الجدل السابق يضعنا على المحك بالعديد من التساؤلات التي يتوجب طرحها في هذا السياق، تمس بتقبل السعوديون أنفسهم لأبناء السعوديات ممن تزوجن من أجانب -ولا يقتصر هذا النقاش على السعوديين فقط- بل بالإمكان طرح السؤال ذاته على أي دولة أخرى لا تساوي في الحقوق الممنوحة بين أفرادها وتميز بينهم على أسس مختلفة أهمها الجنس!
             
وأثر هذا التمييز على المدى البعيد في تفكيير الأفراد وتوجههم الفكري والأيدويولوجي! وتساؤلات تطرح حول دور الدول العظمى في المنطقة ومسؤولياتها تجاه الملايين ممن يعانون انعدام الجنسية، خاصة وأن العديد ممن يعانون انعدام الجنسية من اللاجئين الذي نعلم أن نسبة كبيرة منهم من الدول العربية مثل فلسطين وغيرها فبحسب المفوضية السامية المتحدة لشؤون اللاجئين عدد من منعدمي الجنسية من اللاجئين في جميع أنحاء العالم يقدر ب ١٠ مليون إنسان! وتساؤلات تمس معايير الإنسانية التي بتنا نعاصرها في يومنا هذا دون معرفة المعايير الحقيقية الواجب على الدول التعامل معها بل باتت تقاس بما يجعل الدولة "تبدو" أكثر تحضرا بأن تمنح جنسية لروبوت ولا تمنحها لابن/ة سعودية وتمنح ذات الروبوت جواز سفر بينما تحرم آمنة منه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.