شعار قسم مدونات

لسنا بخير ما دمنا لا نقرأ

Blogs-read
القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة أنها تزيد هذه الحياة عمقًا وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب. عباس محمود العقاد. ألسنا بأمة اقرأ؟ أليست اقرأ أول ما أنزل من القرآن؟ أليست اقرأ أول ما خوطب به الرسول؟ سيكون الجواب حتما ببلى نحن أمة اقرأ أمرنا بالقراءة أولا قبل كل شيء. فلما لا نقرأ؟ لما لا نتصفح الكتاب عوض تصفحنا لصفحات الفيسبوك والتويتر والانستغرام؟لما لا.
               
نجرأ على قراءة كتاب عوض قراءة مئات الرسائل؟ لما لا نناقش موضوع كتاب عوض أن ندردش صباح مساء؟ تراه الكتاب أشقى صاحبه وجعله يعيش حالة من الاكتئاب فيلج الى متنفس بعيد عنه؟ أم تراه ما عاد يواكب أذواق الشباب؟ الكتاب لن يحتضر أبدا جراء داء العولمة الكتاب سيظل رمزا للصمود رمزا للتنوير والرقي. لو لم يكن الكتاب مصدرا للعلم والأدب والفن والثقافة ما كانت لتكون القراءة معيار تقدم الأمم وما كان المتنبي قائل البيت التالي وخير جليس في الزمان كتاب وما كان أحمد شوقي ليضرب له مثالا في الوفاء إذ قال لم أجد لي وفيا إلا الكتاب صاحب.
              
هؤلاء الشعراء وغيرهم لم ينظموا شعرهم عبثا إلا لأن الكتاب أغلى شيء قد يملكه الإنسان أنه أغلى من أي تحفة نفيسة. فقبل أن تحتكر العولمة حياة الفرد كانت المكتبات قبلة كل متعطش للقراءة ومصنعا للفكر والأدب ولكن عندما أصبح عيش الإنسان مقترن بالهاتف وبالعولمة أساسا لم يعد يتردد للمكتبات إلا من يعشق الكتب ويحبها حد الهيام إن جاز التعبير. لم نعد نرى شابا يمسك كتابا أو ينزوي في كرسي في إحدى الحدائق ليقرأ. حتى ذاك الذي كان يدون بالقلم أفكارا قيمة أصبح لا يستغني أبدا عن قلم السامسونغ. علاوة على ذلك جل الروايات والموسوعات الفكرية حولت من الورقي إلى الإلكتروني. أكان الغرض من هذا التحويل تشجيع القراءة وإحياء المحتوى الفكري للكتاب أم من أجل مقاطعة هذا الأخير.
            

مواقف عديدة تعكس لنا واقعا مريرا عن وضع الأمة التي لا تقرأ. والغريب في الأمر أن البعض يعتبر قراءة الكتب مضيعة للوقت وشراءها هدر للمال
مواقف عديدة تعكس لنا واقعا مريرا عن وضع الأمة التي لا تقرأ. والغريب في الأمر أن البعض يعتبر قراءة الكتب مضيعة للوقت وشراءها هدر للمال
 

مرة مررت بإحدى الجامعات جامعة تضم كلية الأدب والعلوم. ووقعت أنظاري على شاب يعرض مجموعة كبيرة من الكتب للبيع رتبها بتناسق على طاولة مستطيلة على طول الرصيف وجلس بجانبها ينتظر القادم ليشتري. إلا أن الطلاب لم يبدوا اهتمامهم بما عرض من كتب. كان البعض يتحدث إلى صديق له والآخر منكب على هاتفه. وموقف آخر استوقفني في إحدى الأسواق التجارية الكبرى عند الركن المخصص للكتب والمستلزمات المدرسية. طفلة بصحبة والدتها أعجبت بكتيب يضم قصصا للأطفال كان غلافه ملون يسر الناظرين إلا أن والدتها منعتها من شراءه واقترحت عليها أن تشتري لوح شوكولاتة أو لعبة بمناسبة عاشوراء.

       
أما الثانوية التي كنت أدرس فيها كانت تتواجد بها مكتبة تضم أصنافا مختلفة من الكتب دواوين أشعار وروايات غير أنها ظلت مقفلة سنتين كاملتين دون أن يجرأ أحد على فتحها في وجه التلاميذ. مواقف عديدة تعكس لنا واقعا مريرا عن وضع الأمة التي لا تقرأ. والغريب في الأمر أن البعض يعتبر قراءة الكتب مضيعة للوقت وشراءها هدر للمال. مرة اشتريت رواية بثمن باهظ. رأت إحدى رفيقاتي ثمن الرواية وقالت لو كانت تملك ثمنها ما كانت ستشتريها بل ستشتري مكانها فستانا أو شيئا أنيقا لتلبسه تظن أن قراءتها للرواية لن تكون إلا قراءة واحدة ولن تعيد الكرة وأنها لا تجدي نفعا إن احتفظت بها فوق رف مكتبها. كم نهتم بالمظاهر ونوفر المال كله ليرانا الآخر في أبهى حلة، ولا نصرفه من أجل تنوير عقولنا وإغناء رصيدنا المعرفي.
         
كل هذه المواقف تعكس لنا مدى نفور الناس عن القراءة واستغناءهم عن التكوين الذاتي. لقد أصبح كل شيء يسير عكس التيار نسيت الأمة أن الكتاب يسافر بصاحبه نسيت أن العلوم دونت في كتاب نسيت أن هذا الكتاب يفتح بابا على مصراعيه نحو محاربة الجهل ونشر الثقافة. فمهما تناست الأمة ذاك الكتاب إلا أنه سيظل صامدا بعنفوان يحوي فكرا وأدبا. هدفي من كتابتي هاته أساسا تحفيز الشباب على القراءة وحثهم على التمسك بها وحب الكتاب وعشق السطور والكلمات. ولتتأكد الأمة أنها لن تصنع الرقي مادامت لا تقرأ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.