شعار قسم مدونات

عن جدوى التقارب العربي الإسرائيلي

blogs - نتنياهو
كشف موقع ويكيليكس مؤخرا عن وثائق سرية مسربة تتحدث عن محاولات السعودية اتخاذ خطوات تطبيع مع إسرائيل، والأهم، اعتقاد شخصيات سياسية سعودية بأن إسرائيل باتت أقرب إلى الحليف غير الرسمي، هذا فضلا عن الجدل حول نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وما تخلقه من وضعية جديدة في البحر الأحمر أكثر أريحية لإسرائيل.

وأشارت صحف إسرائيلية في نهاية شهر مايو الماضي إلى أن وزير إسرائيلي قد التقى مسؤولين عرب بشكل علني في الإكوادور، ووصف الوزير الإسرائيلي هذا اللقاء بأنه احد ثمار زيارة الرئيس ترمب للشرق الأوسط، وهي الزيارة التي غيرت قواعد اللعبة على حد وصفه، وهي اللعبة التي أثمرت مؤخرا انتقاد واستنكار البحرين المقاطعة العربية لإسرائيل.

أي لعبة؟ اللعبة ترتبط أساسا بربط عدم الاستقرار في المنطقة بإيران بدلا من إسرائيل، ليكون ذلك مدخلا لتبرير التقارب العربي الإسرائيلي، وليكون هذا التقارب مضادا لإيران وهادف لاحتوائها، فبعض الدول العربية والخليجية بالإضافة لإسرائيل لديهم الآن التصور السياسي نفسه، وهو التصور الذي يرى إيران التهديد الأكبر للاستقرار في الشرق الأوسط. لكن أي استقرار وبأي معنى؟ هل للتقارب العربي مع إسرائيل ثمن مقابل؟

في الثمانينيات رفضت الولايات المتحدة تزويد السعودية بصواريخ متوسطة المدى لردع إيران بحجة أن مباحثاتها مع الاتحاد السوفيتي بشأن الصواريخ متوسطة المدى تمنع ذلك

أولا: الاستقرار وأسلحة الدمار الشامل
لا يخفى على أي باحث رغبة الدول العربية عموما، لا سيما بعض الدول الخليجية منها، بإيجاد شرق أوسط خالي من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، من منطلق أن السعي لامتلاك هذه الأسلحة مدعاة لعدم الاستقرار، وعليه يعد البرنامج النووي الإيراني _وحتى برنامج الصواريخ البالستية الإيراني_ تهديدا واضحا للاستقرار في المنطقة من وجهة نظر الدول العربية، وكذلك إسرائيل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: ما جدوى الرفض العربي للبرنامج النووي الإيراني في ظل امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية؟ أليس من الأجدى استراتيجيا للدول العربية السماح بإيجاد نوع من توازن القوة في المنطقة؟ وذلك من منطلق فرضية والتز التي تتمحور حول: أن انتشار الأسلحة النووية ينطوي على تزايد الاستقرار في النظام الدولي؟

ثانيا: الاستقرار والقدرة العربية العسكرية
مما يجب طرحه في إطار السعي العربي للتقارب مع إسرائيل هو التساؤل التالي: هل يمكن أن ينطوي التقارب العربي الإسرائيلي على السماح للعرب بتطوير قدراتهم العسكرية؟ وهل التقارب العربي الإسرائيلي سيكون مدفوع الثمن؟ بمعنى هل التقارب مع إسرائيل سيضمن عدم وقوف إسرائيل أمام تطوير العرب لقدراتهم العسكرية؟

في الثمانينيات رفضت الولايات المتحدة تزويد السعودية بصواريخ متوسطة المدى لردع إيران بحجة أن مباحثاتها مع الاتحاد السوفيتي بشأن الصواريخ متوسطة المدى تمنع ذلك، وعليه توجهت السعودية سرا للصين وتم شراء 50 صاروخا بالستيا من طراز DF-3/CSS-2، لكن بعد فترة كشفت وكالة الاستخبارات الأمريكية وجود صواريخ صينية على الأراضي السعودية، وهو ما أثار غضب الإدارة الأمريكية، وطلبت من السعودية فحصها للتأكد من أنها لا تحمل رؤوسا نووية، وبعد تزايد القلق الإسرائيلي من تلك الصواريخ، شعرت السعودية بأن هناك احتمالية لقيام إسرائيل بقصف منصات إطلاق الصواريخ، الأمر الذي دفع بالسعودية إلى وقف تجديد وارداتها من بكين.

لم تؤدّ معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل إلى إيجاد سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل إننا لم نر حتى بعض المؤشرات الضعيفة على إمكانية توحي بالسلام بينهما
لم تؤدّ معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل إلى إيجاد سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل إننا لم نر حتى بعض المؤشرات الضعيفة على إمكانية توحي بالسلام بينهما

وفي عام 2008 بذل اللوبي الصهيوني كل جهوده لإصدار قانون في الكونجرس يضمن أن تكون أي صفقة أسلحة أمريكية لأي دولة في الشرق الأوسط ضامنة للتفوق النوعي الإسرائيلي عسكريا على القوات العربية. وهنا ما هو نوع التقارب المأمول بين العرب وإسرائيل؟ ففي ذروة الصراع العربي الإيراني كانت إسرائيل تعمل جاهدة لمنع العرب من تطوير قدراتهم العسكرية فهل ستتوقف الآن ومستقبلا؟

ثالثا: الاستقرار واحتلال الأراضي العربية
من بديهيات العلاقات الدولية والعلوم السياسية أن احتلال دولة معينة لأراضي دولة أخرى سيظل مدعاة لعدم الاستقرار إلى حين انتهاء الاحتلال، ومن هنا كيف يستقيم معنى الاستقرار في المنطقة وإسرائيل ما زالت تحتل فلسطين ومساحات من سوريا ولبنان، ما هو ثمن التقارب العربي مع إسرائيل في ظل استمرار احتلال إسرائيل لتلك المساحات في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى شن إسرائيل بين الحين والآخر هجمات عسكرية واستخباراتية مختلفة ومتنوعة في سوريا ولبنان، مغتصبة بذلك القانون الدولي شكلا وروحا، هذا فضلا عن انتهاكاتها بحق الفلسطينيين والتي كان آخرها الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى بعد مواجهة بين أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلية وعدد من الشباب المصلين والتي راح ضحيتها ثلاث شهاد فلسطينيين.

ربما يأتي التبرير العربي بأن إيران أيضا تحتل أرضا عربية وهي الأحواز، وهنا وما دمنا نتحايل على معيار الحق فلماذا لا نتمسك بشيء من ضوابط الميزان السياسي، بمعنى أن ما تحتله إسرائيل مقارنة بإيران يستوجب مواجهة إسرائيل، أو على الأقل عدم التقارب معها.

أعتقد أن استمرار التقارب العربي الإسرائيلي الهادف إلى احتواء إيران أو تدميرها سيكون تطبيقا أساسيا للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهي التحالف مع أحد قطبي الإسلام، سنة وشيعة

رابعا: الاستقرار وعملية السلام والاستيطان
لم تؤدّ معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل إلى إيجاد سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ليس إيجاد سلام فقط، بل إننا لم نر حتى بعض المؤشرات الضعيفة على إمكانية توحي بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو تخفيف التسارع في عمليات الاستيطان، حتى بعد اتفاق أوسلو وتوقيع معاهدة وادي عربة، الأمر الذي يعيد للأذهان أحد أشهر وقائع التاريخ، والتي تتعلق بسياسة الاسترضاء البريطاني الفرنسي لألمانيا_ التي أصبحت أشبه بقاعدة في العلاقات الدولية_ حيث إن سياسة الاسترضاء وتلبية مطالب الدول العدوانية لن تقود إلى النتائج المرجوة في أغلب الأحيان، مثال ذلك: استرضاء بريطانيا وفرنسا لهتلر عبر اتفاق ميوينخ، فقد كان هذا الاتفاق سببا في قيام هتلر باجتياح نصف أوروبا.

واسترضاء إسرائيل حاليا لم يثنها عن تخفيف التسارع في عمليات الاستيطان لحد اللحظة، فأي سلام، وعن أي حل دولتين نتحدث؟ فهل عكس سياسة الاسترضاء قد تكون أكثر جدوى للدول العربية وعملية السلام؟ لا نعرف، لكن قبل أيام كشفت القناة الإسرائيلية العاشرة عن عرض سعودي قدم لإسرائيل، فحواه: أن السعودية قدمت عرضا مغريا لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، بقصد دفع عملية التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهو العرض الذي تم رفضه من قبل بنيامين نتنياهو.

الخلاصة
ربما سيكون من الأفضل طرح الخلاصة في هذا المقال على شكل تساؤلات، وهذه التساؤلات هي: هل يمكن أن تصبح المنطقة اكثر استقرارا وإسرائيل مازالت تملك مخزونها من الأسلحة النووية وهو المخزون الذي يتعامى عنه الغرب؟ وهل يصح الاستقرار في المنطقة وإسرائيل ما زالت تتفوق عسكريا على الدول العربية، وتمنعها من تطوير وتحديث قدراتها العسكرية لضمان الاستقرار الهش في المنطقة لصالحها؟ وهل يصح الاستقرار ويمكن ضمانه في المنطقة العربية وإسرائيل ما زالت مستمرة في الاستيطان وعرقلة عملية السلام واحتلالها للأرضي العربية واختراقها لسيادتها التي يكفلها القانون الدولي؟ وهل يستقيم الاستقرار في المنطقة العربية على المدى الطويل في ظل رفض الشعوب العربية لإسرائيل؟

أعتقد أن استمرار التقارب العربي الإسرائيلي الهادف إلى احتواء إيران أو تدميرها سيكون تطبيقا أساسيا للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهي التحالف مع أحد قطبي الإسلام، سنة وشيعة، وإذكاء هذه التفرقة انتصارا للقطب الأول على الثاني، وبعد الانتصار للقطب الأول يجب الانتصار عليه في الخطوة التالية حسب رؤية جورج فريدمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.